يعرف المغرب احتفالات بالشعر والشعراء في بعض المناسبات الثقافية كاليوم العالمي للشعر، لكن بعد انقضاء هذه المناسبات لا يلقى الشعر وكُتابه احتفاءً يليق بقيمة ما ينتجونه؛ وهو ما يرجع حسب بعض الشعراء والمتخصصين إلى طغيان "الشعر الرديء على الشعر الجيد"، وشهرة "الشعراء الذين لا يكتبون الشعر". بين الأمس واليوم قال عبد اللطيف الوراري، شاعر وناقد، إن هناك انحساراً في تلقي الشعر بالمغرب أرجعه إلى "الغموض" الذي "يستنزف لغة القصيدة في نماذج فجة وعقيمة، إضافة إلى انحطاط الذوق الجمالي، وغياب النقد الذي يمكن أن يتوسط بين النص والقارئ". بينما يرى محمد علي الرباوي، أكاديمي وشاعر، أن وضعية الشعر في المغرب "جيدة على العموم" إذا ما تم قياسها ب"الأسماء الشابة الجديدة التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، واستطاعت أن تعود إلى إحياء الشعر بتقاليده القديمة، ومحاولة نفخ روح التجديد فيه". وأضاف الرباوي، الذي وضعته منظمة شعراء بلا حدود على قائمة أحسن مئة شاعر عربي، أنه إلى جانب هذه الفئة "هناك فئة أخرى، وهي الأغلبية، تشوه صورة الشعر لأنها تفتقر إلى الثقافة الشعرية العربية الأصيلة"، مما ينتج عنه "أن ما تقدمه لا يمثل روح الحضارة التي ينتمي إليها هؤلاء". شعراء الفئة الثانية "أسماؤهم تنتشر لكن أشعارهم لا تنتشر"، بتعبير الرباوي، ونتيجة لانتشار أسمائهم وتجاربهم يحصدون الجوائز ويتصدرون الإعلام، "لكنهم يساهمون في خلق أزمة للشعر" تتمثل في كون "المتلقي لا يستجيب مع ما يكتبون أو ما يُنشدون، ولهذا يزهد الإنسان العادي في الشعر انطلاقا من هؤلاء". من جهته، صرح أحمد التاغي، رئيس الجامعة المغربية للشعر، بأن الشعر المغربي "كان محتكرا من طرف بعض الذين تناسوا أن الشعر ملك وتراث إنساني لكل الأفراد والشعوب"، موضحا أنه في الوقت الحالي "في ظل العولمة، واكتساح مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، عاد الشعر إلى حضن الجميع"، و"البقاء دائما للأصلح". احتفاءٌ بالشعر أم بالشعراء؟ يرى الرباوي أن كثرة الجمعيات الثقافية التي تنشط أو تحتفل بالشعر في يومه العالمي "لا تتوفق في اختيار من يقدمون الشعر الجيد"، مبرزا أن هذه الجمعيات تركز "على الفئة التي تتسبب في أزمة للشعر"؛ الشيء الذي "يكرس نفور الجمهور منه، مع الأسف". من جهته، أرجع عبد اللطيف الوراري ضعف حضور الشعر في المغرب إلى مجموعة من الأسباب، ذكر من بينها "طغيان ثقافة الشللية، والمهرجانات الدعائية التي تسيء إلى رمزية الشعر والشعراء معًا". بينما رأى التاغي أن احتفالية الجامعة التي يترأسها ساهمت في إبراز أهمية ومكانة الشعر والشعراء، و"عملت على الابتعاد عن الشعبوية والفوضوية التي تنخر بعض الأمسيات والملتقيات الشعرية"، معتبرا أن أنشطة الجامعة المغربية للشعر "نجحت في تشجيع الشعراء، وإبراز إبداعاتهم في وقت وجدوا فيه الباب موصدا أمامهم". مسار مستمر الرباوي في حديثه عن الإنتاج الشعري للشباب المغاربة، قال إن أغلب شعراء الفئة التي يحلم بأنها ستحمل المشعل "مازالوا لم يتمكنوا من خلق خصوصيات الشاعر؛ فحين تقرأ لهم لا تجد خصوصية "أ" أو خصوصية "ب"، فأغلبهم لهم مرجعية واحدة ويكتبون بالطريقة نفسها، بخلاف الأجيال السابقة". وأضاف الرباوي شارحا: "تستطيع في الأجيال السابقة أن تميز شعر الطبال عن السرغيني، عن حسن المراني، عن محمد بنيس، عن عبد الله راجع، عن محمد بنطلحة، فلكل شاعر خصوصيته، والأسماء الجيدة في الشعراء الجدد تُبهرك لغة شعرها الجميلة، لكن لا يشدك شعرها بخصوصيته". التاغي بدوره رأى أنه "هذا الكم الهائل من الإنتاج الشعري يبقى أمام غياب واضح لمواكبة نقدية موضوعية له؛ لأن ليس كل من يصدر ديوانا هو شاعر. فقد تكتب قصيدة واحدة تؤرخ حياتك الشعرية إلى الأبد، وقد تصدر دواوين شعرية بالعشرات دون قيمة أدبية تُذكر". وعبّر التاغي عن حزنه من "الضعف الكبير" في عدد قراء الشعر بالمغرب، قائلا: "للأسف، الديوان الشعري لا يتصدر الواجهات في مكتباتنا"، مرجعا ذلك بالأساس إلى "الوضع الكارثي للقراءة بالمغرب". بينما صرح الوراري بأن النشر في المغرب يشهد "حركة لافتة بكلّ أشكاله وتعبيراته"، وعزا هذا الارتفاع في نشر الدواوين الشعرية إلى "زيادة دور النشر، ودعم الكتاب، وتعايش مختلف الأجيال الشعرية جنباً إلى جنب، وظهور قصيدة النثر التي بدت وسيلة تعبير الجميع حتى من هم خارج تصنيف الشعراء". وشدد الوراري في حديثه عن المخاض الذي يعرفه المشهد الشعري المغربي على أنه غير يائس "من دور الشعر المفترض في حياتنا اليوم، ومن ضرورة النهوض بأوضاعه الجمالية والإنسانية في مجالنا المغربي".