في خطوة منصفة ولا تخلو من ذكاء، تستعيد فيها الذاكرة الإعلامية المغربية اليوم أحد منابرها الوطنية ذات النفس القومي «جريدة فلسطين» وذلك بمناسبة انطلاق فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر، الذي اختارت له وزارة الثقافة دولة فلسطين ضيفة لهذه الدورة، سيلتقي الجمهور اليوم ابتداء من السابعة مساء برواق الوزارة مع عبد الله بوهلال ، محمد برادة، حسن العلوي، عزيز الوديع و عبد الحميد جماهري من أجل الحكي عن هذه التجربة الإعلامية المميزة .. جريدة فلسطين ( 1968 / 1971 ) التي عززت المشهد الإعلامي الوطني في عز الحراك السياسي والقومي، جاءت في سياق مناصرة القضية الفلسطينية عقب هزيمة العرب في حربهم ضد إسرائيل .. كان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد مبدع هذه الفكرة، فاختار لحظتها هيئة تحرير مكونة من الشهيد عمر بنجلون، محمد مؤيد، حسن العلوي، عبد الله بوهلال وأسند إدارة الجريدة لمحمد الوديع الآسفي .. لم تكن «هذه المغامرة الإعلامية «دون حساب سياسي يمتح من النضال القومي الذي كان ممتدا عبر أرجاء الوطن العربي من أجل مناصرة الشعب الفلسطيني في مواجهة كيان عنصري هو الكيان الإسرائيلي .. انطلق العدد الأول من الجريدة التي احتضنها القارئ المغربي بشغف كبير وتفاعلت معها قوى اليسار الحالم لحظتها بالتحرر والثورة .. بل إن اليهود المغاربة المؤمنين بالقيم الكونية للعدل والمساواة وحقوق الإنسان كانوا قراء متتبعين لهذا المولود الإعلامي الجديد.. والقليل من كان يعلم بأن أحد الكتاب المواظبين على الكتابة أسبوعيا بذات الجريدة، والذي كان يوقع مقالاته باسم مستعار «حدو» كان في حقيقة الأمر هو ابراهام السرفاتي أحد أبرز وجوه اليسار المغربي الذي كانت لتحليلاته و مقالاته المترجمة عن جريدة لوموند الفرنسية الأثر البالغ في نصرة قضايا الشعب الفلسطيني في سياق دولي كان فيه ميزان القوى يختل لفائدة إسرائيل المدعومة من طرف أمريكا . بصدور العدد الأول من الجريدة بحلته الفنية ومضمونه التحريري.. اتصل عبد الرحيم بوعبيد هاتفيا بمحمد الوديع، وبنبرة لا تخلو من غبطة، هنأه على صدور العدد الأول .. وقال له : «إن اختيارك لاسم الوديع قد يوحي للقارئ بأن المدير من لبنان ... وأضاف مازحا أن اسمك عائلي لك فيه خطأ فادح .. لأنك لست بوديع فأنت عنيد و عتيد ..» ثم ختم حديثه الودي « ..حتى يتعرف الجمهور المغربي بصفة خاصة عن المدير المسؤول عن الجريدة يجب أن تضيف إلى اسمك الشخصي والعائلي لقب الآسفي .. «.. بذات الطموح المتفاعل بين ما هو قومي وما هو وطني ، استمرت الجريدة التي كان تسويقها لا يتعدى 40 سنتيم للعدد الواحد، إلى أن حجزتها السلطات سنة 1971 على إثر نشر الجريدة لصورة تضامنية لسعيد بونعيلات وأحمد بنجلون اللذين اعتقلا لحظتها بمدريد .. سيكون إذن زوار المعرض اليوم، على موعد مع لحظة جميلة من الزمن الجميل، لحظة استعادة ذكريات ومحطات من مسار «جريدة فلسطين» .. وستكون حتما لحظة للاحتفاء بوجوه غادرتنا إلى دار البقاء وأخرى تعيش وتحيى بيننا حاملة في ذاكرتها رصيدا مضيئا من زمن مضى كان الفعل القومي فيه جزءا من النضال الوطني.. رحم الله مؤسسي التجربة وأطال الله في أعمار الباقي .. والشكر موصول لعبد الحميد جماهري وحسن الوزاني على تواطئهما الجميل! ..