بقلوب خاشعة وأفئدة مكلومة، ودعت أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير المقاوم المرحوم محمد منصور الذي وافاه الأجل المحتوم مساء الأحد فاتح فبراير 2014 بمدينة الدارالبيضاء. ولد المقاوم المرحوم محمد منصور سنة 1922 بمدينة برشيد وانتقلت عائلته وهو صغير السن إلى مدينة الدارالبيضاء حيث التحق بالمسيد لحفظ القران الكريم، مات والده وهو لازال يافعا فاضطر إلى تعلم حرفة النجارة دون أن يمنعه ذلك من مواصلة تعليمه. التحق بصفوف الكشفية الحسنية، مما مكنه من التعرف على صفوة من المناضلين وعلى رأسهم الشهيد محمد الزرقطوني، كما انضم إلى صفوف حزب الاستقلال وبرز دوره في لجنة التزيين التي كانت تضم ثلة من الأعضاء المختارين بعناية لما تتطلبه مهام هذه اللجنة من شجاعة وقدرة على اتخاذ المبادرات، وقد كانت هذه اللجنة تتولى تزيين مدينة الدارالبيضاء بالأعلام والرايات المغربية كلما حل السلطان سيدي محمد بن يوسف لزيارتها كما كانت تعنى بإعداد الاحتفالات المخلدة لعيد العرش وتوزيع المناشير الى غيرها من المسؤوليات التي كانت محفوفة بمخاطر الاعتقال. وعلى اثر الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء في ابريل سنة 1947، ساهم رفقة الشهيد محمد الزرقطوني والمرحوم التهامي نعمان في تنظيم حملة تعبوية وسط تجار المدينة للاحتجاج ضد هذه الممارسات الاستعمارية. شارك في تأسيس جماعة مسلحة بمدينة الدارالبيضاء ضمن مجموعة من المقاومين من أمثال التهامي نعمان، الحسن العرايشي وسليمان العرايشي والحسين برادة ومحمد اجار سعيد بونعيلات وعبد السلام بناني وآخرين، ستتخذ لنفسها لاحقا اسم « المنظمة السرية « وهي جماعة مركزية ستتولى تأسيس العديد من الخلايا في مختلف أحياء مدينة الدارالبيضاء وساهم في بناء التنظيم واتخاذ القرارات الهادفة إلى تنفيذ العمليات المسلحة ضد مصالح المستعمر وشارك شخصيا في تنفيذها ومن بين أهمها التخطيط لتفجير القطار الرابط بين الدارالبيضاء ووهران في 7 نونبر 1953 . وبعد هذه العملية، قررت قيادة المقاومة توجيه ضربة موجعة للسلطات الاستعمارية بمناسبة احتفالات رأس السنة وخططت لضربتها ثلاثة مواقع بمدينة الدارالبيضاء وهي السوق المركزي ومركز الشيكات البريدية ومركز الطرود البريدية نفذها المرحوم محمد منصور هو وبعض المقاومين الأبطال، ويحسب له أيضا انه تولى كراء منزل من ماله الخاص تم استخدامه كمخزن للمتفجرات وكسكن للمقاومين. تعرض المقاوم المرحوم محمد منصور للاعتقال، وذاق شتى أنواع التعذيب والتنكيل وصدرت في حقه في محاكمات متعددة، أحكام بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة. مكث بالسجن بعد صدور أحكام أخرى عليه، رغم إعلان استقلال المغرب. ففي ماي 1956، زاره رفيقه محمد اجار سعيد بونعيلات وساعده على الفرار من المستشفى، وتفاديا لإلقاء القبض عليه أو اغتياله، انتقل إلى الناظور وساهم مع كل من محمد بوراس» الفكيكي «والتهامي نعمان وسعيد بونعيلات في حل بعض المشاكل المتعلقة بجيش التحرير وزيارة المعسكرات وساهم بنصيب وافر في المساعي الحثيثة لإحداث إطار موحد للمقاومة وانتخاب مكتب مركزي لها. بعد الاستقلال، عين عاملا على إقليمالحسيمة وانتخب فيما بعد نائبا برلمانيا عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان من مؤسسيه، وواصل نضاله ضمن صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كعضو في مكتبه السياسي ولجنته الإدارية. ظل الفقيد العزيز وفيا للعهد، ثابتا على المبدأ ملتزما بالمبادئ والقناعات التي حملها كوطني غيور ومقاوم فذ ومناضل مخلص لدينه ووطنه وملكه. وفي هذا الظرف العصيب، يتقدم السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بعبارات أحر التعازي وأصدق المواساة لعائلة الفقيد الصغيرة وعائلته الكبيرة في الحركة الوطنية والنقابية، ضارعا إلى المولى العلي القدير أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان وأن يتغمد الراحل العزيز بواسع الرحمة والمغفرة والرضوان وجزيل الثواب وحسن المآب وأن ينزله منزل صدق عند مليك مقتدر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا. «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون