رغم الاعتمادات المالية المرصودة لمقاومة الداء، إلى جانب الدعم المادي، فإن خفض نسبة الإصابة بالداء لا يتعدى 2 في المائة في السنة، في حين توصي أهداف الألفية ببلوغ النسبة السنوية 6 في المائة ، حيث أوصى المهتمون بضرورة تحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفئات الفقيرة في المجتمع، وتوفير فرص الشغل للعاطلين ومحاربة السكن غير اللائق، وخلق مساعدة اجتماعية مادية مباشرة للفقراء والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير العلاج المجاني الكامل لهذه الفئات ولكل الشرائح المهددة بمرض السل، ويأتي ذلك تبعا لانتشار الداء في المناطق المعروفة بكثافة سكانها، وحيث تشتد مظاهر الفقر والهشاشة والحرمان والمرض، وتكثر فيها عطالة الشباب واستهلاكه للمخدرات والكحول، وأضاف التقرير إلى ذلك، انتشار السل بين المعتقلين في المؤسسات السجنية، حيث تسجل نسبة مرتفعة من الإصابات، فتنتقل العدوى بين السجناء بسبب ظروف الاعتقال والاكتظاظ وسوء التغذية وغياب النظافة والتهوية، ووضع سياسة وطنية مندمجة وفعالة في مجال مكافحة داء السل، تندرج في إطار برامج الرعاية الصحية الأولية ودعمها، والتشجيع على استخدام المعايير الدولية لرعاية مرضى السل المرتبط بفيروس السيدا، واستحداث آليات جديدة ملائمة تمكن من إقامة تعاون بين برامج مكافحة السل وبرامج مكافحة السيدا والعدوى بفيروسه، و ضرورة تنظيم حملة تشخيص جماعي والعلاج السليم والفعال لجميع مرضى السل، بمن فيهم المصابون بالسل المقاوم للأدوية، مع ضمان إمدادات من الأدوية المضادة للسل بشكل منتظم وفي الوقت المناسب، وإدارة مخزونات الأدوية المضادة للسل على النحو الرشيد، وضمان الشفاء ممكن ل 100 في المائة من المصابين بالمرض وتوفير خدمات الرعاية الصحية لحالات السل الشديد المقاومة للأدوية في مراكز خاصة جهوية، تتوفر فيها كل المواصفات المطلوبة للعلاج والرعاية المباشرة، والحد من مخالطتهم للمرضى الآخرين ، خصوصا في المراحل المبكرة قبل أن يتمكن العلاج من تقليص قدرة المرضى على نشر العدوى، علما ، يضيف ذوو الإختصاص ، أن مكافحة داء السل في المغرب والقضاء عليه لم تعد مسؤولية وزارة الصحة وحدها، من خلال البرنامج الوطني لمكافحة داء السل فقط، «بل هي أساسا ووجوبا مسؤولية مشتركة بين جميع القطاعات الوزارية وبين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات وبين المجتمع والأسر والفرد». وكان وزير الصحة، الحسين الوردي، قد أشرف ، على توقيع تسع اتفاقيات شراكة في مجال محاربة داء السل بين وزارة الصحة وعدد من القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في حقل مكافحة داء السل. وتروم هذه الاتفاقية، التي تندرج في إطار تفعيل مخطط الاستراتيجية الوطنية لمحاربة هذا الداء، العمل أساسا على دعم الأنشطة المندرجة في إطار المخططات القطاعية الرامية إلى محاربة الفقر، خاصة في الأحياء المستهدفة بالجهات ذات الأولوية. مناسبة حديثنا عن هذا المرض الفتاك ما تعيشه بعض المستشفيات المختصة من رداءة في تقديم الخدمات الصحية للمصابين بداء السل ومن بينها مستشفى بالعياشي بضواحي ازمور ، الذي يعتبر من بين أقدم المستشفيات المختصة في استقبال مرضى داء السل إلا أن وضعه يستدعي أكثر من تدخل حفاظا على ارواح المرضى وعلى مؤسسة كانت الى عهد قريب تقدم خدمات جيدة وتعتبر من بين أبرز المستشفيات المختصة في محاربة داء السل. بلعياشي من الريادة الى الاندحار لم يعد الحديث عن الواقع الصحي بإقليم الجديدة، ذا تأثير على السياسة الحكومية في هذا المجال، فالبنيات التحتية جميعها تفتقد إلى الحد الأدنى الواجب توفره في القطاع الحيوي الذي يقاس به اليوم تقدم الشعوب. وأمام هذا التدهور الخطير للصحة بالإقليم، نستحضر في الورقة التالية واقع أحد أقدم المستشفيات المختصة في علاج داء السل، إنه مستشفى بلعياشي الذي يقع فوق أرض فلاحية مشجرة بالأكليبتوس عند مدخل مدينة أزمور على الطريق الساحلية الرابطة بين البيضاءوأزمور. توحي بنايات المستشفى المتآكلة بكونه بناية تاريخية ولا تدع مجالا للتخمين، فهي شاهدة على أن المستشفى من مخلفات الاستعمار. وقد ظلت البناية وفية للطابع الاستعماري، إذ لم يطلْها ترميم أو إصلاح يغير من ملامحها الأولى. 1919 هو تاريخ تشييد المستشفى الذي لم يكن مؤسسة للعلاج. ولعل هذا ما يبرر طابعه المعماري، إذ كان ثكنة عسكرية، وفي الأربعينات تم تحويله إلى دار للعجزة وأريد له أن يكون مستشفى مختصا في الأمراض الصدرية سنة 1953، بحكم كثرة حالات الإصابة بالسل التي كانت تُسجَّل في منطقة دكالة، حسب مصدر مُطَّلع. ومازال المستشفى قائما ببناياته المهترئة في انتظار أن تتدخل إحدى الجهات لتأهيله، حتى يصبح مستشفى بمعناه الصحيح ويؤدي دورَه الرئيسي باعتباره المستشفى الوحيد في المغرب الذي مازال متخصصا في مرض السل والأمراض الصدرية، بعد أن تم إغلاق مستشفيات أخرى، كمستشفى ابن أحمد ومستشفى بن اصميم. كان المكان «موحشا» إلى حد أنه لا يمكن للزائر أن يسير بشكل عادٍ بين ممراته وأروقته. وإذا كان من السهل على العائلات الانتقال من أزمور إلى المستشفى عن طريق سيارة أجرة صغيرة، فإنه يصعب عليها ذلك في رحلة العودة، ولن تتمكن من ذلك إلا إذا تزامن انتهاء زيارتها مع قدوم أُسَر أخرى ترغب في زيارة مرضاها، إذ أن «الطاكسي» الذي جلب الأسرة الأولى ينقل الثانية إلى أزمور، وإلا فإن الأسرة ستكون مضطرة للوقوف هناك وقتا طويلا قبل قدوم الحافلة. في الوقت الذي بدأت الصحة تسير في خط تصاعدي ببلدان يربطنا بها الجوار، ظل مستشفى بلعياشي يراوح مكانه ولا أحد استطاع في يوم من الأيام السهر على اصلاح بعض المرافق التي كانت قد بدأت تسير من سيء إلى أسوأ، بل إن وزارة الصحة لم تستطع رغم اتساع رقعة نفوذ المستشفى إعادة هيكلته، إذ أصبحت المرافق تستعمل أحيانا كسكن فيما أهملت أخرى واقتلعت أبوابها وكسرت نوافذها في غياب شبه تام لمن يقوم بمهام الحراسة. وعلى ذكر الحراسة، فإن مستشفى بلعياشي ربما هو المستشفى الوحيد في المغرب الذي لا يتوفر على بوابة، بل حتى اللوحة التي كانت تشير إلى تواجده علاها الصدأ وبدأت ركائزها في التساقط. وأمام انعدام الحراسة، فإن فضاء المستشفى الشاسع الذي يضم اليوم مختلف النباتات النافعة والضارة ومختلف الحشرات والكلاب والقطط الضالة، يتحول ليلا ونهارا إلى مكان مفضل للسكارى والمشردين وأيضا لممارسة أشياء أخرى ؟! خاصة وأنه عبارة عن حظيرة حيوانات وهو الوصف الوحيد الذي يمكن أن ينعت به. خلال زيارتنا له مؤخرا لم نستطع لقاء الطبيب المسؤول عن المستشفى، حيث انتظرناه أزيد من ساعتين دون جدوى، أما بالنسبة للممرضين فباستثناء اثنين منهم، فكانت إجابتهم عن استفساراتنا مقتضبة وحذرة، فلم نستطع معرفة عدد الطاقم الحقيقي الذي يعمل بالمستشفى المذكور، مما يؤكد أن المركز لم يعد يفي بالدور المنوط به، باستثناء توزيع الأدوية مجانا على مرضى داء السل كما أن لا علم لهم بانطلاق عملية تلقيح المصابين بداء السل باللقاح المضاد لإنفلونزا الخنازير الذي أكدت بصدده الوزارة الوصية على القطاع بوجوب تلقيح المصابين بأمراض محددة من بينها امراض السل. كان أول مريض صادفناه أثناء زيارتنا، اتخذ من ظل شجرة رفقة عائلته مكانا لتناول وجبة الغداء التي كانت عبارة عن مرق باللحم، وما أثار دهشتنا أن الشاب المذكور لم يصب بداء السل إلا منذ أسابيع معدودة ولم تتخذ أي اجراءات احترازية أثناء زيارة عائلته درءا لانتقال العدوى إليهم، وقد كان لحظة دخولنا يتبادل أطراف الحديث مع أحد الممرضين مما يؤكد أن محاربة داء السل تبقى محصورة في عملية توزيع الدواء على المرضى ليس إلا. كان أول قبو زرناه، المتواجد يسار الباب الثانوي أو الرسمي كما تسميه الادارة والذي كان يضم عددا لا يستهان به من المرضى الحاملين لهذا الداء القاتل، حيث صادفنا أحدهم يقوم بإعداد براد شاي بواسطة قنينة غاز صغيرة يتعهد بوضعها تحت سرير لا يحمل إلا الاسم من له مصلحة في تحويل بلعياشي الى مأوى للمشردين الجناح المذكور كما تسميه الادارة، لا يمكن تسميته سوى بالقبو أو العنبر، نظرا لانعدام أدنى شروط العيش، فأحرى التطبيب، مما يؤكد أن لا مسؤول سبق وأن تذكر أن هناك مستشفى مختصا في علاج داء السل بأزمور، وأنه محتاج لإعادة الاعتبار، فالاهتمام بالصحة لا يوجد إلا في الخطابات الرسمية واجتماعات المجالس، وإلا بماذا يمكن تفسير انبعاث الروائح الكريهة من كل مكان، بل بالقرب من مكتب الطبيب الرئيسي، دون أن ينتبه إليها أحد؟ مصادر طبية أكدت أن الجميع يتجاهل الحديث عن اصلاح هذا المستشفى الوحيد اليوم بالمغرب بعد إغلاق مستشفى بن أحمد في أفق إغلاقه هو الآخر، خاصة وأن الذين يؤمونه اليوم والذين لا يتجاوزون في أحسن الأحوال العشرين، معظمهم من البادية، إذ يرفض قاطنو الجديدةوأزمور الاستشفاء به ويفضلون تناول العلاج بمنازلهم على دخول هذه الأقبية، وقد كانت وضعية المستشفى المذكور قد نوقشت مؤخرا على مستوى عال دون أن يتخذ قرار فيه، بل إن البعض يبدي استغرابه من استمرار مثل هذه «الحظيرة» التي يعيش بها ويسيرها مواطنون وليس حيوانات. المصاب الثاني الذي صادفناه يأخذ حمام شمس كان قد جاوز الأربعين سنة ويتحدث بصعوبة بالغة، مما يؤكد أن المرض قد أخذ منه الكثير، أفاد أن وضعه الصحي حتم عليه البقاء بالمستشفى في غياب أدنى شروط الكرامة، فكل شيء هنا بثمن باستثناء الأدوية التي لا يمكن بيعها لهم، أما الطعام، ورغم أن هناك شركة مكلفة به و فائزة بصفقة التغذية على مستوى كل مستشفيات الاقليم، فإن الطعام المقدم للمرضى لا يحمل من الطعام إلا الاسم، علما بأن داء السل يتطلب تغذية جيدة ومتوازنة كما وكيفا وهو الغائب هنا، فيما ألف البعض التعايش مع هذا الواقع الجديد في أفق علاجه من هذا المرض الفتاك نظرا للفقر المدقع الذي يعيشه بالعالم القروي. أكدت بعض المصادر أن إدارة المستشفى لا تتوفر على احصائيات مضبوطة حول الأشخاص الذين يقيمون بالمستشفى، وأَضافت أن بعض العمال الزراعيين والمشردين والمرضى عولجوا من المرض يقيمون جميعهم بمستشفى بلعياشي ويستفيدون من تغذيته على علاتها ومن مائه وكهربائه وبإيجار من مجانية العيش به بتواطؤ مكشوف مع جهات مفروض فيها مراقبة ما يجري داخل هذا المستشفى؟ هل المسؤولون محليا إقليميا ومركزيا يعلمون أن أزمور تضم من بين ما تضم مستشفى بلعياشي الخاص بعلاج داء السل، وهل يعلمون أن القاعة المخصصة للفحص بالأشعة السينية نوافذها مكسرة وبقايا آلة فحص مرمية أمامها؟ وهل يعلمون أن المستشفى المفروض فيه أن يكون نظيفا تنبعث من جنباته ومكاتبه وحدائقه روائح كريهة؟ وهل يعلمون أن ما تبقى من تجهيزاته عرضة للاهمال والضياع؟ وهل يعلم هؤلاء أن مجانية العلاج لاتقف إلا عند حدود توزيع الأدوية؟ أم يعلمون كل هذا ويخططون لإغلاقه هو الآخر كمرفق عام غير منتج بالنسبة لهم في أفق تحويله إلى تجزئة سكنية كما يتم التخطيط اليوم لمستشفى الجديدة وفي انتظار أن يتم إصلاح هذا المرفق العام نتمنى أن لا تحصد إنفلونزا الخنازير ما تبقى فيه من أرواح بشرية في حاجة الى عناية خاصة. معطيات خاصة عن داء السل تُسجَّل في المغرب، سنويا، أكثر من 26 ألف حالة مرضية جديدة بهذا المرض، بواقع 81 حالة من أصل كل 100 ألف شخص (مقابل 61 حالة في الجزائر و60 حالة في تونس)، وتنتمي 50 في المائة من الحالات المسجَّلة سنويا إلى فصيلة السل الرئوي المعدي القابل للانتشار بين الناس، ويوجد 70 في المائة من مرضى السل في المدن الكبرى، وخصوصا في المناطق الهامشية. وتتوفر كافة المدن المغربية على مراكز لتشخيص ومعالجة داء السل بشكل مجاني، غير أنه تمت في سنة 2009 مراجعة نظم العلاج، حيث أصبحت مدة العلاج محدَّدة في ستة أشهر، باستثناء سل الجهاز العصبي والسحايا. ويصيب داء السل، سنويا، أكثر من ثمانية ملايين شخص، وهو السبب الثاني في التصنيف العالمي لحالات الوفاة بالأمراض المعدية، بعد مرض فقدان المناعة المكتسب (الإيدز). وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن حوالي ثلث سكان العالم، أي ما يعادل ملياري شخص، مصابون بداء السل، حيث يتم الكشف كل سنة عن أكثر من 8 ملايين حالة جديدة (في سنة 2008 تم تسجيل 4 .9 ملايين حالة جديدة بالداء أودت بحياة حوالي 8.1 مليون مريض). وتسعى منظمة الصحة العالمية، من خلال حملتها برسم سنة 2010، التي أطلقتها تحت شعار «في حركتنا لمكافحة السل، لنبتكر ما يُسرّع وتيرة العمل»، إلى التحسيس بخطورة المرض وطرق انتشاره وسبل العلاج، في إطار الاستراتيجية التي وضعتها المنظمة والهادفة إلى تقليص معدَّل انتشار السل بنسبة النصف، بحلول عام 2015، مقارنة بمستواها في عام 1990، وهي النسبة التي تبقى «بين قوسين»، في ظل الارتفاع في عدد مرضى السل في المغرب من جديد. كما أن الارتفاع في نسبة عدد المرضى بداء السل هو بسبب السياسة الجديدة التي غيّبتْ دور المستشفيات التي تختص في هذا الداء، ودليل ذلك أن جميع المستشفيات التي كانت تختص فيه قد «انقرضت»، باستثناء مستشفى بلعياشي . ورغم أن كل مستشفى إقليمي أو جهوي يضم جناحا خاصا بهذا المرض، فإن عدم احتضان هذه الحالات والسهر على علاجها هو «خطأ» يجب الوقوف عليه.