من يوم 5 دجنبر 1919 إلى 5 مارس 2020، يحتضن رواقا المعارض بكل من مطار الرباط – سلا و مراكش/ المنارة، الواحد تلو الآخر، معرضين تشكيليين متنقلين. المعرض الأول جماعي يضم أعمال تسعة فنانين و يسائل جماليا تيمة « رواسب السفر»، أما الثاني، فهو فردي يشمل لوحات نور الدين فاتحي الراصدة تشكيليا ل « هواء و أهواء « الفنان. أسفله مقاربة للمعرض الجماعي « رواسب السفر « و ما توحي به الأعمال المعروضة من « وحدة في رحم التنوع». وفق الفيلسوفة الفرنسية المتخصصة في القرنين السابع و الثامن عشر، بادين سان جيرون، فقبل «شيوع الأسطورة الرومانسية المتخلقة خلال القرن التاسع عشر والتي مفادها أن السفر يمتلك قدرة تغيير المسافر، وتجديد أفكاره وفتح أبواب مصير مبتدع في وجهه، (قبلها) كان السفر يولد ريبة تستلزم تبرير الإقدام عليه ». هكذا، كان الحكم على كل رحلة ( الرحلات للحج، أو أسفار الفنانين، أو الرحلات الاستكشافية أو التجارية أيامها) يتأسس قبل أي شيء آخر على نتائجها. هذا المفهوم الجديد للسفر، مضافا إلى كون «المسافرين الحقيقيين هم وحدهم أولئك الذين يرتحلون من أجل الارتحال» (شارل بودلير)، هو ما يستجليه تشكيليا معرض «رواسب السفر»، منكبا في هذا الأفق على مساءلة الغيرية وعرضها، وعلى التملك التشخيصي أو التجريدي لجوهر وبقايا الانتقال إلى جغرافية الآخر وإلى جغرافية أخرى، وعلى وهب العين ما يعلق، فنيا، في الذاكرة من رموز و رواسب فعل التنقل، من كشف و دهشة، من سحر الأمكنة و الكائنات والاختلاف و المبتكر. ما يشكل مضادات فعلية للمرحلة الراهنة الموبوءة بالهويات وأصناف العبور الصاعقة. ويستحضر الفنانون العارضون أيضا في أعمالهم السفر الثابت، ذلك الذي ينجزونه دون أن يبرحوا المكان، ذلك التسكع الداخلي الذي ينتفض في سياقه المخيال والنفس على الجسد، منصبين نفسهما كمستكشفين لما تزخر به التخوم التي يعبرونها افتراضيا. «رواسب السفر» مقترح للتنقل في مضمار الخصوصية التشكيلية لتسعة فنانين ينتمون للجيل الرابع من التشكيليين المغاربة، جيل أعقب المؤسسين المائزين أحمد الشرقاوي (1934 / 1967) والجيلالي غرباوي (1930/ 1971). وإذ يضم المعرض أعمال كل من رجاء الأطلسي، ونبيل باهيا، ورشيد باخوز، وعبد الهادي بنبلة، وعبد الكريم الأزهر، و إبراهيم الحيسن، وشفيق الزكاري، ونور الدين فاتحي وحفيظ ماربو، فهو، كذلك أساسا، دعوة لاكتشاف ما يسمه جيل دولوز ب «الوحدة في رحم التنوع» جماليا، إلى تخليص الرؤية من كل إداراك بصري محض للسفر، سواء كان هذا الأخير جغرافيا، أو امتطى صهوة الزمن أو الخيال. يجسد «التنوع» المتخلق بفعل المقاربة التشكيلية للتيمة المقترحة، تيمة رواسب السفر، تعددا فعليا لبصمات فنية ذاتية. و بالفعل، فكل تشكيلي يغترف، وهو في عزلته بالمرسم، الكينونة الاستطيقية لأعماله من تمثل خاص لفعل التفكير في السفر وتجسيده، و من قاموسه الجمالي المميز: التركيب، اللون، المواد و الأدوات الفنية، تدبير السند و توزيع الضوء… لكن لا أحد منهم يبدو متنكرا، في مقاربته، لمقولة الشاعر و المنظر الفني فيكتور سيغالين: «مدينة في نهاية الطريق و طريق تشكل امتدادا للمدينة: لا تختر إذن الواحدة أو الأخرى، بل اختر الأولى والثانية بتعاق».