أقبض رأسي بكلتا يدي لتنطلق ذكرياتي الكاسفة ؛ تسائلني وقد أفلت الزمن مني : لماذا أتأمل الأحلام ؟ أستوي على كرسي خشبي أمام منضدتي ؛ فأنصت لريح البلى الرميم ثم أزيد ، هل وحدي من تجثم علي الأوهام ؟ تسائلني نفسي، كأنني في الحين خرجت من ظلمة القبور: ماذا جرى ؟ فأرد : أنا لست من أصحاب السعادة والعظمة . ولا من ذوي النياشين . أنا صديق البلهاء والمغفلين . لست صاحبا لأهل الكرامات ، والجاه ، والمسرات ، بل صديق أغياري من قومي البسطاء ، وأصحاب التعاسة الكديحين ، من الخبز والشاي وحبات زيتون أحيانا مقتاتين ، ومن أصحاب السعادة على مر الأزمان منبوذين . أنا صاحب عاهة . وعاهاتي لو تعلمون يا أصحاب السعادة جسيمة؛ أليمة . عاهاتي بألوان شتى تتبدى . فهي مرة قرمزية ، وتارة بنية . مرة أقحوانية ، وطورا تتخذ أطيافا قزحية . عاهاتي هي هكذا كثيرة ، لذلك لن أسأل عن عاهات أغياري من أصحاب الكآبة المغبونين ، المفقرين ، وإن أشيع عنهم أنهم نعامات واجلين ، وعلى بعضهم أسد جائرين ، وللجميل ناكرين ، وللخير جاحدين ، وفي جموعهم نمامين ، أفاكين ، وبغيرهم شامتين ..