عرفت القصة القصيرة جدا أشواطا من الجدال بين المؤيدين والمعارضين بين من يصفها بكونها نتيجة حتمية وطبيعية لتطور وتجدد الأجناس الأدبية ، وبين من يرى أنها جنس رديء يلجه من لا نفس ولا قدرة له على الإبداع في الرواية والشعر والقصة القصيرة …وبين القبول والرفض تتقدم القصة القصيرة جدا لتترسخ شيئا فشيئا في تربة الأدب إنتاجا ونقدا. ويأتي كتاب محمد البغوري الصادر هذا العام ليثير التساؤل حول قضايا هذا الجنس الادبي الجديد ، وهو بهذا جدير بالقراءة والتمحيص. «شجون الأدب وشؤون النقد (حوارات في القصة القصيرة جدا بالمغرب)» كتاب من 253 صفحة من الحجم الكبير ، ويتألف من تقديم بقلم أبو الخير الناصري،وفصلين مخصصين لحوارات الكاتب محمد البغوري مع الكتاب والنقاد . في الفصل الأول المعنون ب»شؤون الأدب» تحاور الكاتب مع مبدعين لهم بصمة بارزة في مجال القصة القصيرة جدا ،وهم محمد العتروس ،محمد مباركي، حسن برطال ،محمد شويكة، جمال الدين الخضيري، حسن البقالي، محمد بوشيخة، مصطفى الغتيري،عبد الرحيم التدلاوي، عبد الواحد عرجوني، عبد الحميد الغرباوي،زهرة رميج، مصطفى كليتي، محمد سعيد الريحاني،سعيد السوقايلي، البشير الأزمي،علي بنساعود، حسن اليملاحي، عز الدين الماعزي،الطيب الوزاني، محمد فري،عبد الله فراجي، حسن قرى، ابراهيم أبويه، محمد أنوار محمد، السعدية باحدة، محمد الشايب، دامي عمر، نور الدين الصغير، نعيمة القضيوي الإدريسي. مبدعون أدلوا بتصوراتهم إزاء القصة القصيرة جدا من حيث ما تمثل لهم ،ومن حيث خصوصياتها المغربية ، ومن حيث خصائصها ومدى مساهمة المهرجانات والملتقيات والندوات في إثرائها مع الوقوف على مزالقها ومقوماتها الجديرة بالرفع من قيمتها. أما الفصل الثاني والمعنون ب»شؤون النقد» فتعلق بمحاورة الكاتب لنقاد لهم أثر في الساحة الأدبية المغربية، وهم نجيب العوفي ، رشيد أمديون، نور الدين الفلالي، حميد ركاطة، محمد داني، محمد يوب، سعاد مسكين، نادية الأزمي. نقاد أثروا مضامين الكتاب عبر الإجابة عن أسئلة محمد الباغوري المركزة حول راهنية ومآلات النقد للقصة القصيرة جدا بالمغرب. وتتعلق هذه الأسئلة بموضوعات وقضايا كثيرة منها : أصولية وجغرافية القصة القصيرة جدا بالمغرب. اعتقاد كون الحاضر زمن القصة القصيرة جدا بامتياز مقارنة بالشعر والرواية. مميزات القصة القصيرة جدا بالمغرب. الإشكالات والقضايا التي تعترض جنس القصة القصيرة جدا بالمغرب. الموضوعات التي تتناولها القصة القصيرة جدا. تقنيات وأدوات الكتابة للقصة القصيرة جدا. أجيال القصة القصيرة جدا بالمغرب. – مدى وجب الخضوع لاستراتيجيات محددة من قبل كتاب القصة القصيرة جدا. إلى غير ذلك من الأسئلة التي أجاب عنها المحاوَرون إجابات نعتقد أنها وافية ومقنعة. ومن التقديم الذي استُهِلَّ به ، والذي جاء بقلم «أبو الخير الناصري» نقف على أهمية الكتاب من حيث كونه يتضمن مادة غنية لها علاقة بفن القصة القصيرة جدا بالمغرب ،و حرص المؤلف على سؤال كل أديب من الأدباء المحاورين عن بدايته في كتابة القصة القصيرة جدا، وعن الأسماء التي كان لها تأثير عليه،فكان لحرصه ذاك أثر حسن في توفير بيانات ومعلومات صالحة لا تستثمر في التأريخ لظهور هذا الجنس الأدبي بالمغرب الأقصى. ويتجاوز هذا هذا العمل البحث في النشأة الى التنقيب في حاضر القصة القصيرة جدا ببلادنا من حيث قضاياها وظواهرها الفنية وجمالياتها ، والعوامل المساعدة على نموها وازدهارها أو تراجعها وضمورها…دليل ذلك ما وجهه المؤلف للأدباء من أسئلة تخص موضوعات قصصهم ، وجمالياتها والصعوبات التي يواجهونها عند رغبتهم في إنشاء نصوصهم،والتلقي النقدي لهذه النصوص، والملتقيات المخصصة لها. ولاشك أن ما يقدمه الكتاب من أجوبة كثيرة متنوعة كفيل بإغناء أبحاث الباحثين في واقع القصة القصيرة جدا بهذا القطر من أقطار الأدب. أحسن المؤلف غاية الإحسان إذ لم يكتف بمحاورة الأدباء، وجعل من محتويات كتابه فصلا خاصا بمحاورة النقاد ، فحقق بذلك مقاصد جليلة من أهمها إيجاد ضرب من الحوار قلت نظائره في واقعنا الثقافي المغربي، وهو الحوار بين الادباء والنقاد في قضايا الأدب ص (6). إنه «تجل آخر من تجليات الحوار كما يجسدها الأستاذ البغوري في حياته وأعماله الأدبية، وهي ثقافة لَشَدَّ ما يحتاج إليها المشهد الثقافي ببلادنا وغيرها من بلاد الله التي يتجرع فيها كثير من الناس مرارة التهميش والإقصاء واللامبالاة « ص(5). الكتاب كما قلنا سابقا جدير بالقراءة للوقوف على قضايا هذا الجنس الادبي الوليد الذي فرضته ظروف عصر السرعة والانفتاح والمثاقفة ، جنس أدبي صار يفرض شرعيته انطلاقا من ارتباطه بالأجناس الادبية الاخرى من عدة مداخل وجوانب.