بعد المجزرة التي ذهب ضحيتها مجموعة من صحافيي جريدة شارلي إبدو ، تذكرت عملية الاغتيال التي ذهب ضحيتها ناجي العلي على يد جناة صهاينة، وتساءلت: هل يمكن لقتل الأشخاص أن يحد من قدرتهم على الإبداع؟ أفترض أن الشخص عندما يبدع فكرة جديدة أو نظرية علمية ، أو منتوجا جماليا، فهو بهذا الإبداع يتجاوز فناءه الجسدي، ويضمن خلوده المعنوي، لذلك فإننا عندما نقتل شخصا عقابا على إبداع ما، فإننا نعمل على تخليد ذلك الإبداع بصفته آخر ما أنجزه القتيل. إن التردد الذي لاحظته من خلال بعض ردود الفعل بين إدانة الجريمة وتبريرها جعلني أتساءل: كيف نبني موقفا مما حدث، موقفا لا يخضع لموقف التعاطف أو الكراهية ؟ تعلمت من الاطلاع على تاريخ التفكير الفلسفي أن البشرية دشنت - في شخص جزء من النخبة اليونانية - مرحلة تاريخية تم فيها تعويض المبارزة الجسدية بالمبارزة الفكرية. إن كون جزء من البشرية هو الذي دشن هذه المرحلة، لا ينفي تمثيل المرحلة لنوع من التطور في تاريخ البشرية. يمكن القول إن قيمة هذه المرحلة تكمن في تحولها إلى أفق في تاريخ البشرية، وهي تسعى نحو أنسنة الشرط الحياتي. صحيح أن عملية الأنسنة لا تسير في خط مستقيم، فقد تعترض هذه العملية عوائق ومنعرجات، وقد تحدث تراجعات ، فالكائن البشري يسعى باستمرار إلى أن يصبح « إنسانا « بدون أن يفرط في حيوانيته، غير أن كل محاولة لتوجيه البشرية نحو أفق ينتمي إلى أزمنة سابقة، عمل يدخل في العودة بالبشرية إلى « الخلف «. إن تحكيم منطق المبارزة الجسدية لمقاومة المبارزة الفكرية هو محاولة لجر البشرية إلى الخلف في سعيها نحو أنسنة شرطها الحياتي. لهذا يمكن الجزم بأن الاعتداء على صحافي أو فنان بهدف إسكاته هو اعتداء على البشرية، ليس فقط لأن هدا الاعتداء يمس حرية التعبير، ولكن لأنه يحاول دفع البشرية نحو أفق الخضوع لمنطق المبارزة الجسدية، وهو منطق لم يطلقه كل الناس، غير أنه أصبح خلف البشرية، وكل محاولة لتحويله إلى أفق هو اعتداء على عملية الأنسنة بصفتها شكلا من أشكال إضفاء المعنى على الحياة .إضفاء المعنى على الحياة، يعتبر من الوظائف الرئيسية للتدين فكيف - والحالة هذه- أن يصبح التدين طريقا إلى نزع المعنى عن الحياة ؟ إن مجرد التفكير بأنه بإمكان أي شخص أن يضع حدا لحياة شخص آخر كاف لاختفاء صفة العبثية على الحياة- وفي ذلك تدمير لكل الجهود التي بذلتها وتبذلها البشرية لإضفاء المعنى على الحياة.