عالم الطلبة المنحدرين من مناطق بعيدة عن مدينة مراكش، عالم مليء بالأسرار و المعاناة التي لا تنتهي .»جريدة الإتحاد الاشتراكي» اقتحمت هذا العالم لتنقل معاناة هذه الشريحة من المجتمع داخل غرفهم التي يستأجرونها بأحياء شعبية داخل المدينة الحمراء. بداية من الرحلة الأولى في البحث عن غرفة للإستئجار، مرورا بيومياتهم و مشاكلهم داخل هذه الغرف، وصولا إلى بعض الحلول التي بمقدورها التخفيف عن معاناتهم. رحلة البحث عن غرفة للكراء أو «البرتوش»! «البرتوش» أو الغرفة هو مصطلح عامي، شائع بشدة في أوساط الطلبة القاطنين خارج أسوار الحي الجامعي. فالبحث عنها ليس بالأمر الهين، وفي هذا الصدد، تذكر الحسين 22 عاما من قلعة امكونة، وهو طالب سنة أولى علوم فيزيائية بكلية العلوم السملالية بمراكش - تذكر- أول رحلة بحث له رفقة أصدقائه عن غرفة للاستئجار مخصصة للطلبة..قائلا «أتذكر أول يوم لنا في البحث عن الغرفة..كان يوما قاسيا، إذ زرنا بالأقدام جل أحياء الداوديات تحت لهيب شمس مراكش الحارقة..دون نتيجة تذكر، وفي الأخير استنجدنا بالوكيل العقاري أو «السمسار» الذي يجلس على كرسيه الخشبي أمام منزله الخاص..» وتلك قصة أخرى مع «السماسرية» يضيف الحسين ضاحكا. في نفس الصدد تؤكد عتيقة (22 عاما)، ابنة مدينة الصويرة وهي طالبة جامعية بشعبة العلوم الإقتصادية، أن مسألة إيجاد غرفة مخصصة للطالبات بمراكش أمام غلاء العقار ليس بالأمر اليسير، إذ تضطر إلى التوجه نحو «السمسار» وهنا الطامة الكبرى، «فالسمسار» حسب عتيقة: «لن يبحث معك عن غرفة في سبيل الله. بل يطلب منك ثمنا مرتفعا، جزاء لمجهوده، إذ يتجاوز في بعض الأحيان 300 درهم « . تؤكد عتيقة. وختمت كلثومة (25 عاما)، من قلعة امكونة وهي طالبة في السنة الأخيرة بشعبة علم الإجتماع، مستغربة «إن أول ما فاجأني و أنا أبحث عن هذه الغرفة هي سومة الكراء المرتفعة الثمن رغم أن شكل و حجم الغرفة لا يستحق كل هذا الثمن..»! غرف تشبه القبور ما أن تلج قدمك غرفة عزيز (23 عاما ) وهو طالب بشعبة الجغرافيا، ورفاقه، إلا وتزكم أنفك رائحة الأحذية الموضوعة بجانب باب الغرفة التي لا يتعدى حجمها بضعة أمتار، تتوسطها حصيرة من النوع البالي و مائدة بلاستيكية مازال أثر المرق الأصفر وفتات خبز عشاء أمس متناثرا عليها..وما أثارنا كثيرا هو غياب نظام التهوية في الحجرة، أربعة حيطان و باب لا غير..كما استوقفتنا الفوضى التي تعم المكان..و رائحة الغبار المنبعثة من الأغطية المفروشة على الأرض..وملابس معلقة على مسمار أحدث لهذا الغرض..و طاولة في الزاوية هناك عليها بعض المقررات الدراسية و بعض من الكتب للمطالعة..بجانبها بعض من المؤونة من سكر وشاي صيني أخضر و قنينة الزيت البلدي.. قاطع عزيز لحظة تأملنا قائلا « هنا أسكن أنا و أصدقائي»، وعن سؤال: هل أنتم فعلا تحسون بالراحة الكافية هنا؟ أجاب مصطنعا لا مبالاته أنه «جا يقضي الغرض وصافي». بمعنى «هدفي أن أحصل على شهادة الإجازة لا غير» و أردف قائلا «معظم الطلبة المنحدرين من مناطق بعيدة، يعيشون نفس الوضع وأكثر، أمام غلاء سومة كراء شقة تتوفر فيها معظم ظروف الراحة النفسية و الصحية». في هذا الصدد يلتقي عزيز مع وصف كلثومة للغرفة التي تستأجرها هي و زميلاتها قائلة «نحن نعيش في غرف لا تدخلها الشمس ولا تهوية ولا طلاء يفتح الشهية للعيش..» . وعن المضاعفات الصحية التي تنتج عن الإكتظاظ وضيق الغرف..تؤكد عتيقة أن «غياب التهوية والإكتظاظ في الغرف تعد من الأسباب التي تدفعنا لتغيير الغرفة بعد أن نستقر فيها لشهر أو أقل» وأردفت قائلة: « إن إحدى زميلاتي في الغرفة كانت مريضة بمرض الربو..إذ كثيرا ما كانت تختنق ونضطر إلى أخذها للمستشفى..». وعن معاناته اليومية بالغرفة التي يستأجرها هو وخمسة أصدقاء يقول الحسين «كلما دخلت إلى هذه الغرفة المهترئة إلا وتغيب لدي شهية القراءة والمطالعة، وذلك نابع من الوضع الذي أعيشه ويتقاسمه معي خمسة أشخاص..في الليل نتمدد على الأفرشة في مشهد يشبه كثيرا السردين المعلب..» ناهيك «عن الصراعات الداخلية التي تنشب بيني وبين زملائي بين الفينة والأخرى وسببها ضيق الغرفة» يضيف الحسين. شعوذة و تسلط مولات الدار السحر و الشعوذة و التسلط من الحكايات الكثيرة التي استمعنا إليها من لدن الطالبات اللواتي التقينا بهن.. «أنا كنسحر حيث عندي الدراري» ... هكذا أجابت صاحبة غرف للكراء، و هي تجيب عن استفسار عتيقة و صديقاتها..عن البخور و الطقوس التي تقوم بها كل يوم في المنزل الذي تتشاركه مع الطالبات، إذ تتخذ من الطابق الأول مكانا لها و أبنائها فيما تكتري الطوابق الأخرى للطالبات..تؤكد عتيقة. فيما تسلط كلثومة الضوء على جانب آخر من علاقتها هي و رفيقاتها ب «مولات الدار» قائلة: « «كثيرا ما تكون علاقتنا بصاحبة الغرفة غير جيدة، إذ تمنع عنا زيارات الصديقات، وتفرض علينا وقت الخروج والدخول من وإلى المنزل، وهذا شيء يضايقنا باعتبارنا راشدات وقادرات على تحمل المسؤولية». تضيف كلثومة. حلول واقتراحات معظم من التقت بهم جريدة «الاتحاد الاشتراكي» يؤكدون على أن الزيادة في المنحة الجامعية إلى جانب تخصيص سكن اجتماعي مخصص للطلبة غير المستفيدين من خدمة الحي الجامعي بأثمنة معقولة..يأخذ بعين الإعتبار مسألة القرب من الجامعة ويوفر معظم خدمات القرب من بقالة ومكتبات ومساحات خضراء وغيرها، من شأنه أن يخفف معاناة الطلبة في مسألة السكن.