قال تعالى "وإذ قال عيسى ابن مريم يابني اسرائيل إني رسول لله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) الصف .... إن الديانات السماوية ومنها المسيحية والاسلام مصدرها واحد هو الخالق جل في علاه، أرادها جميعها لتبليغ رسالاته المقدسة للبشرية وخص سيدنا محمد بمسؤولية التبليغ للناس كافة فمن شاء منهم آمن ومن شاء فله ما اختار ...ومن هنا قيل بأن الدين عند الله هو الاسلام وهذا يعني ان الله لا يصدر عنه دين ونقيضه فالإسلام اسم لكل الرسالات السماوية جاء لإخراج الناس من الظلمات الى النور وأن لا يشركوا بالله وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ...جاء لينظم علاقات الانسان مع لله ومع نفسه ومع الناس كافة ومع كل المخلوقات ومع محيطه ...لهذا فما شرعه لله لخاتم النبيئين هو جوهر ما شرعه لكل الديانات ... قال تعالى "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ". إن رسالات لله للناس جاءت لإنجاح عملية إعمار الارض وتنميتها وتطويرها في توازن تام بين المخلوقات التي سخرها لله للبشرية من أجل راحتهم ورخائهم ..وألزم كل من يمتلك القدرة والاستطاعة على العطاء أن لا يدخر وسعا في التعاون والاحسان والتكامل مع الغير، بغض النظر عن الدين أو السن أو الجنس بل حسن التعامل مع مكونات الطبيعة والكون والعالم ...ولذلك عمل الانبياء والرسل والصالحون من أجل تعميم أنسنة السلوك البشري وإبعاده عن كل مظاهر التخلف والهمجية والتسلط والحيف بجميع أنواعه ..وعمل من أجل نفس الغاية العديد من المفكرين الذين اعتنقوا إحدى الديانات أو لم يتعرفوا على أي منها إطلاقا للوصول الى ما يظنوه النموذج الأمثل لتنظيم المجتمعات والعلاقات العامة والخاصة، ولتطوير الفهم وملاءمته مع متطلبات كل مرحلة وكل نازلة ... إن كل الرسالات مترابطة ومتكاملة والاسلام مكون هام وأساسي منها ...قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : "إن مثلي، ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنةٍ من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وُضعت هذه اللبنة ؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"(أخرجه البخاري). تذكيرنا هنا بهذه المسلمات عند الحديث عن مولد النبيين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام أردناها أن تكون في سياق مساءلتنا لذواتنا ولواقعنا اليوم في مشارق الارض ومغاربها التي يوجد بها الاسلام والمسلمون كأغلبية أو كأقليات ..كيف نتعامل ؟ وكيف نقدم أنفسنا لأنفسنا وللعالم ؟هل نقدم صورة حضارية تعرف بالدين الذي أنزله لله على كل الانبياء والذي هو الاسلام والذي كله هدى ورحمة ويسر ..؟ هل الاخلاق التي قدم فيها الانبياء الدروس الرائعة والمتنوعة كأحسن نماذج يجب أن تحتذى في التسامح والكد والتواضع والتضحية والسلام والمعرفة والتدبير الأمثل ..أثرت فينا بالشكل المطلوب سلوكا وعملا وفكرا وقلبا؟ أم أننا مازلنا نعمق الهوة بين القول والعمل؟..وهذا واقع ومنحى لا يحبه لله ولا يرتضيه الرسل للبشرية ؟ إن أحسن صيغة للاحتفال بذكرى مولد الانبياء تكون بتدبر أعمالهم ومواقفهم وتضحياتهم والرسالات التي كلفوا بتبليغها ..وبالبحث والاجتهاد لتيسير سبل فهمها واستيعاب مضامينها.. وبالسعي من أجل تقوية وتثمين التقارب بين الجماعات والشعوب والامم بدل إذكاء وإشعال نيران الفتن والكراهية والاقتتال مرة باسم "الدين" ومرة باسم " المبادئ" ومرة باسم "الانسانية "... إن التجاء البعض من هنا وهناك لنصب محاكم التفتيش والتطاول على ما خص به لله الناس وترك لهم حرية الاختيار والإيمان والاتباع ..فيه إساءة للدين وعدم امتثال لأوامر لله وتوجيهاته المجسدة في الآيات المنزلة على الأنبياء والرسل ..فلا حق لأي كان أن يناقض قوله تعالى .."من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "...ولا ..."إنك لا تهدي من أحببت ولكن لله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " ...و"لا إكراه في الدين "... والامر يشمل كذلك كل مجالات الفعل البشري التي لا يجب أن يعتقد البعض أنهم وحدهم من يمتلك الحقائق المطلقة وأن غيرهم على ضلال.. أو أنه لولاهم لانهارت الدولة والأمة والمجتمع والهيئات... إن الاسلام جاء لينبه الى حقائق متعددة يغفل عنها أو يتجاهلها الكثيرون عندما يتحدثون عن غيرهم قال تعالى "ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين " آل عمران فقال: "ولتجدنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين" المائدة. فاللهم صل وسلم وبارك على جميع الانبياء والمرسلين واجعلنا ممن يهتدون بهديهم واجعل سماحة رسالاتهم ونبلها تنفذ الى القلب والعقل ويمتد أثرها في المجتمعات البشرية حتى تعم المحبة والإخاء والخير والعدل، ولله الامر من قبل ومن بعد ...