لا شكّ أنّ سباقات التسلح التي شهدها العالم وبلغت أوجها زمن الحرب الباردة، مازالت متواصلة اليوم رغم الكمّ الهائل من الاتفاقيات التي أبرمت من أجل تنظيم هذا المجال. سباقات أضحت تبدو كشرّ لا بدّ منه خاصّة بالنسبة إلى البلدان الّتي تسعى إلى حفظ أمنها الإقليمي والقومي، وعلى رأسها بلدان الشرق الأوسط، وكذلك الشركات الصانعة للأسلحة التي تريد هي الأخرى الحفاظ على مصالحها وأسواقها الحيوية. أظهر تقرير ل»معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمية» (سيبري)، أن حجم الإنفاق العسكري العالمي في عام 2013، قدر بنحو 1748 مليار دولار، نصيب الشرق الأوسط منها 150 مليار دولار. ولفت التقرير الصادر مؤخرا، بعنوان «كتاب سيبري السنوي 2014 .. التسلُّح ونزع السلاح والأمن الدولي» إلى أنّ هذا الإنفاق تراجع بنسبة 1.9 بالمئة مقارنة بعام 2012، فيما ظلت الولايات المتحدة أكبر مصدر ومنفق على السلاح في العالم، والهند أكبر مستورد له. وأوجز التقرير محتويات الإصدار ال 45 من كتاب «سيبري» السنوي، وهي عبارة عن خلاصة من البيانات والتحليلات في مجالات الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة والتسلح خلال عام 2013. ويقدّم كتاب «سيبري السنوي»، الذي نشر للمرة الأولى عام 1969، مزيجا من بيانات أصلية المصدر في مجالات مثل الإنفاق العسكري العالمي، عمليات نقل الأسلحة الدولية، وإنتاج الأسلحة، والقوى النووية، والصراعات المسلحة الرئيسية وعمليات حفظ السلام متعددة الأطراف مع أحدث التحليلات للجوانب المهمة للحد من الأسلحة والسلام والأمن الدوليين. ما الذي كشفت عنه الأرقام؟ يمثّل حجم الإنفاق العسكري العالمي الإجمالي لسنة 2013، الذي قُدّر بنحو 1747 مليار دولار، 2.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يقارب 248 دولارا عن كل شخص على قيد الحياة اليوم، بما يمثل 1.9 بالمئة، أقل من القيمة الفعلية التي كان عليها سنة 2012، وفق ما جاء في التقرير، الذي أشار إلى أنّ «وتيرة الزيادة والنقصان في الإنفاق العسكري سنة 2012، استمرت سنة 2013، مع تراجعها في الدول الغربية شأن (أمريكا الشمالية ودول غرب ووسط أوروبا، وأوقيانوسيا التي تضم أستراليا والجزر القريبة) وزيادتها في باقي بلدان العالم». وفي ذات السياق، «كانت هناك زيادات كبيرة لا سيما في أفريقيا والشّرق الأوسط، بينما ما زالت تداعيات سياسات التقشف ملموسة في أوروبا، وظلت الولايات المتحدة أكبر منفق عسكري في عام 2013، تتبعها من على مسافة ما دولتا الصين وروسيا». في هذا الصدد يرى محللون، أنّ السبب الرئيسي الذي دفع إلى ارتفاع نسبة التسلح بالنسبة إلى بلدان الشرق الأوسط، خاصة الإمارات والسعودية، منوط بالتداعيات التي انجرّت عن الأزمة السورية واستتباعات ظهور ما سمّي بتنظيم «الدولة الإسلامية» والخطر الذي أضحى يمثله «جهاديّوه» على المنطقة عموما، باعتبارهم طارئا إرهابيا وجب التنبّه إليه والاستعداد الحثيث لمجابهة تهديداته المحتملة، هذا بالإضافة إلى محاولات التوسع الإيرانية التي تريد هذه الدول أن تكون جاهزة لردعها في أية لحظة. ما الذي أدى إليه تغير مستوى الإنفاق؟ من جهة أخرى، كشف القائمون على التقرير أنّ الإنفاق العسكري العالمي أضحى يتّبع اتجاهين مختلفين: اتجاه تراجع في الغرب، وكان مدفوعا بالتقشف والجهود المبذولة للسيطرة على العجز في الموازنات وإنهاء الحروب الطويلة من جهة، واتجاهات نحو الزيادة في بقية بلدان العالم، نتيجة لمزيج من النمو الاقتصادي والمخاوف الأمنية والطموحات الجيوسياسية، وفي كثير من الأحيان العوامل السياسية الداخلية من جهة أخرى. في حين أن الاتجاه الأول ربما يستمر خلال السنوات القليلة المقبلة، ممّا سيُؤدي إلى إنفاق مستقر أو زيادات متجدّدة، لا يظهر كذلك على الاتجاه الثاني أيّ مؤشر على التراجع. وقد استمر نسق الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة متراجعا، وفق التقرير، وهو ما يعزى إلى كلّ من الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من العراق نهاية عام 2011، وتأثير قانون مراقبة الميزانية عام 2011 على (أساس) موازنة الدفاع، في حين استمر الجمود في الميزانية خلال معظم فترات عام 2013، وشمل الإغلاق الحكومي لفترة وجيزة، وموافقة الكونغرس في نهاية العام الماضي، الذي سمح في نهاية المطاف بتمرير ميزانية كاملة تشمل ميزانية الدفاع لعام 2014 . في ذات السياق، وعلى الرغم من أنّ ميزانية عام 2014 التي تمت الموافقة عليها، ستخفف من آثار قانون الرقابة على الميزانية، سيستمر تراجع إجمالي الإنفاق العسكري الأمريكي بالنظر إلى الانسحاب من أفغانستان. من جهة أخرى، نوه التقرير إلى أنّ الإنفاق العسكري في الصين أدّى إلى ارتفاع كبير في إجمالي الإنفاق العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادي لبعض الوقت، حيث تزامن هذا في السنوات الأخيرة مع توترات متزايدة بسبب النزاعات الإقليمية في بحار جنوبي وشرقي الصين، معتبرا في ذات الوقت أنّ تركيز الولايات المتحدة على آسيا، يلفت الانتباه إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، بينما يستمر صعود الصين بغاية إعادة تشكيل المحيط الأمني. ورغم المخاوف بشأن صعود الصين، غير أنّ هذه الأخيرة تعتبر المحرّك الرّئيسي للإنفاق العسكري بالنّسبة إلى بعض الدول الداخلة معها في نزاعات إقليمية بحرية، ولا تزال القضايا البحرية عاملا رئيسيا للدول الأخرى التي ترتبط بعلاقات أفضل مع الصين. من جهة أخرى، انعكس تراجع الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة وغرب أوروبا على تراجع المبيعات العسكرية المرتبطة بأكبر 100 شركة منتجة للأسلحة والخدمات والعسكرية في جميع أنحاء العالم، باستثناء الصين، التي تراجعت بنسبة 4 بالمئة سنة 2012، ورغم ذلك، كانت هناك زيادة كبيرة في مبيعات الشركات الروسية من الأسلحة، التي تعكس مجددا برنامج إعادة التسليح الرئيسي المتبع حاليا من قبل روسيا. كما كانت هناك زيادات كبيرة في الشركات الكبرى في عدد من الدول الناشئة الأخرى مثل البرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا، وبوجه عام، فإن وتيرة السنوات الأخيرة تظهر انتشارا تدريجيا لصناعة الأسلحة، في ظل مسؤولية المنتجين التقليديين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية عن التقلص البطيء لحصص أكبر 100 بائع للأسلحة، وتزايد حصص اللاعبين الجدد، ورغم ذلك، تستمر هيمنة المنتجين التقليديين على نحو كبير. كيف تطورت عمليات نقل الأسلحة؟ زاد حجم عمليات النقل الدولية للأسلحة الكبرى بنسبة 14 بالمئة في الفترتين الممتدّتين بين عامي (2004 و2008) و(2009 و2013)، وكان أكبر خمسة موردين بين عامي (2009-2013) هم؛ الولايات المتحدة، روسيا، ألمانيا، الصين وفرنسا، بنسبة 74 بالمئة من حجم الصادرات، مع استثناءات قليلة من مناطق أخرى. وقد هيمن مورّدو الولايات المتحدة وأوروبا على الطبقة العليا من الموردين على مدى السنوات العشرين الماضية، ورغم ذلك، أثبتت الصين نفسها باعتبارها أحد كبار الموردين، حيث كانت بين عامي 2009-2013 رابع أكبر مورد. ووفقا للتقرير، لا تكشف بيانات عمليات نقل الأسلحة (المبيعات والمشتريات) عن قيمتها المالية الحقيقية، ورغم ذلك، فإنّ عددا من الدول تنشر أيضا أرقاما عن القيمة المالية لصادراتها من السلاح. وبناء على هذه البيانات، يقدّر المعهد أنّ قيمة صفقات تجارة الأسلحة العالمية في عام 2012 (التي تمكن المعهد من حصرها) كانت 58 مليار دولار على الأقل. من جهة، أخرى، فقد ترتّب على الأزمة المالية التي شهدتها الدول المنتجة للأسلحة في أوروبا وأمريكا الشمالية وأماكن أخرى من العالم، تراجع الميزانيات العسكرية. كما أسفر التّراجع الناتج في المشتريات المحلية عن ضغط إضافي على الدول المنتجة للأسلحة لكي تزيد بشكل كبير حصّتها التصديرية من إجمالي مبيعات الأسلحة عن طريق توسيع أسواق التصدير الحالية أو البحث عن أخرى جديدة. وبينما تدعم الحكومات صادرات الأسلحة عبر صناعتها الوطنية، يوسّع كثير من الموردين الرئيسيين دعم المبيعات في شكل من أشكال الترويج الحكومي وتسهيل الصادرات، أو تخفيف القيود على تصدير الأسلحة، بحسب التقرير. وكانت النتيجة الأخرى لتراجع الميزانيات العسكرية، انخفاضا ملحوظا في تدفقات الأسلحة الدولية على دول في أوروبا بين عامي (2004-2008)، و(2009-2013)، في المقابل، زادت التدفقات على آسيا وأفريقيا. كما تلقت دول في آسيا وأوقيانوسيا 47 بالمئة من إجمالي واردات الأسلحة الرئيسية بين عامي 2009- 2013 ، وكان أكبر ثلاثة متلقين للأسلحة جميعهم من آسيا: الهند والصين وباكستان. ويمثل نصيب البلدان الثلاثة معا 24 بالمئة من جميع الواردات. بينما عادت اثنتان من دول الشرق الأوسط إلى قائمة أكبر 5 متلقّين، وهما الإمارات والسعودية. في سياق آخر، يسود اتجاه ملحوظ بين المتلقين الرئيسيين لامتلاك صواريخ «أرض- سطح» موجهة بدقة بعيدة المدى، باعتبارها أسلحة تحسن قدرة الدولة على تهديد أو مهاجمة أهداف صغيرة في عمق أراض معادية، في حين تقلل خطر تعريض عناصرها العسكرية أو منصات الإطلاق عالية القيمة للضرر. وفي الفترة بين عامي (2004-2013)، تلقت 16 دولة أو طلبت شراء صواريخ موجهة ذات مدى أكثر من 200 كلم من الخارج، بينما صدّرتها 8 دول. وبناء عليه، لفت التقرير إلى أنّ «انتشار الصواريخ الموجهة بعيدة المدى يثير العديد من المخاوف، حول قدرتها على تعطيل الاتفاقيات الإقليمية وتوازن السلاح النّووي، وإشعال سباقات التسلح، ما يؤدي إلى التصعيد العسكري، والأزمات بين الدول وزيادة احتمالات الحربّ. كيف جرت المعاملات؟ تعدّ البيانات الرسمية والمتاحة للجمهور بشأن عمليات نقل الأسلحة، ذات أهمية لتقييم سياسات تصدير الأسلحة، وشرائها وسياسات الدفاع للدول، ورغم ذلك فإنّ نشر البيانات حول مبيعات الأسلحة وحيازتها تمثّل قضيّة حسّاسة بالنسبة إلى جميع الدّول تقريبا. وفي هذا الإطار، فإنّه على غرار عام 2012، كان عام 2013 مخيبا للآمال بشأن تحقيق الشفافية في عمليات نقل الأسلحة، حيث وعلى الرغم من أنّ عدد الدول التي تعلن عن صادراتها ووارداتها من الأسلحة إلى سجل الأممالمتحدة للأسلحة التقليدية قد زاد عام 2013، إلاّ أنّه يظلّ منخفضا. وقد شملت قائمة الإنفاق على التسليح عام 2013، قارة أفريقيا (44.9 مليار دولار) بزيادة 8.3 بالمئة (شمال أفريقيا 18.7 مليار دولار بزيادة 9.6 بالمئة، منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية 26.2 مليار دولار بزيادة 7.3 بالمئة)، الأمريكيّتين 736 مليار دولار بتراجع 6.8 بالمئة (وسط أمريكا 9.6 مليار دولار بزيادة 6.0 بالمئة، أمريكا الشمالية 659 مليار دولار بتراجع 7.8 بالمئة، أمريكا الجنوبية 67.4 مليار دولار بزيادة 1.6 بالمئة)، آسيا وأوقيانوسيا (407 مليار دولار) بزيادة 3.6 بالمئة (وسط وجنوب آسيا 63.7 مليار دولار بزيادة 1.2 بالمئة، شرق آسيا 282 مليار دولار بزيادة 4.7 بالمئة، أوقيانوسيا 25.9 مليار دولار بتراجع 3.2 بالمئة، جنوب شرق آسيا 35.9 مليار دولار بزيادة 5 بالمئة)، أوروبا 410 مليار دولار بتراجع 0.7 بالمئة (شرق أوروبا 98.5 مليار دولار بزيادة 5.3 بالمئة، غرب ووسط أوروبا 312 مليار دولار بتراجع 2.4 بالمئة)، الشرق الأوسط 150 مليار دولار بزيادة 4 بالمئة. وكانت قائمة أكبر 10 شركات منتجة للأسلحة في عام 2012 كالآتي: لوكهيد مارتن (أمريكية) بمبيعات 36 مليار دولار وأرباح 2.745 مليار دولار. بوينغ (أمريكية) بمبيعات 27.61 مليار دولار وأرباح 3.9 مليار دولار. بي إيه إي سيستمز (بريطانية) بمبيعات 26.85 مليار دولار وأرباح 2.599 مليار دولار. رايثيون (أمريكا) بمبيعات 22.5 مليار دولار وأرباح 1.9 مليار دولار. غنرال ديناميكس (أمريكية) بمبيعات 20.94 مليار دولار وخسائر 0.332 مليار دولار. نورثروب غرومان (أمريكية) بمبيعات 19.4 مليار دولار وأرباح 1.978 مليار دولار. إي إيه دي إس (أوروبية) بمبيعات 15.4 مليار دولار وأرباح 1.58 مليار دولار. يونايتد تكنولوجيز (أمريكية) بمبيعات 13.46 مليار دولار وأرباح 5.2 مليار دولار. فينميكانيا (إيطالية) بمبيعات 12.53 مليار دولار وخسائر 1.010 مليار دولار. إل ثري كوميونيكيشنز (أمريكية) مبيعات 10.84 مليار دولار وأرباح 0.782 مليار دولار. كما جاءت في قائمة أكبر دول مصدرة للأسلحة، وفقا لحصتها العالمية: الولايات المتحدةالأمريكية ب29 بالمئة، روسيا ب27 بالمئة، ألمانيا ب7 بالمئة، الصين ب6 بالمئة، فرنسا ب5 بالمئة، المملكة المتحدة ب4 بالمئة، أسبانيا ب3 بالمئة، أوكرانيا ب3 بالمئة، إيطاليا ب3 بالمئة، إسرائيل ب2 بالمئة. كما شملت قائمة أكبر دول مستوردة للأسلحة، وفقا لحصتها العالمية: الهند ب14 بالمئة، الصين ب5 بالمئة، باكستان ب5 بالمئة، الإمارات ب4 بالمئة، السعودية ب4 بالمئة، الولايات المتحدة ب4 بالمئة. ومن جهة أخرى، قال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، في تقرير سابق له، إن الولايات المتحدة ظلت أكبر قوة عسكرية في العالم متفوقة بفارق كبير، إذ أنفقت نحو 600 مليار دولار سنة 2013 أي حوالي 38 بالمئة من مجمل الإنفاق العالمي. عن العرب اللندنية