طالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمراجعة شاملة لمنظومة آليات تمويل قطاع الصحة، مشددا على ضرورة الإسراع في تطبيق إصلاحات مهيكِلة لتحسين عرض العلاجات واعتماد آلياتِ تمويلٍ مبتكرة. وكشف يونس ابن عكي، الأمين العام للمجلس خلال لقاء نظمته وزارة الصحة بسلا، حول تمويل الصحة ببلادنا ، عن مجموعة من الأعطاب التي تحد من تعبئة ونجاعة التمويلات اللازمة لتدبير المنظومة الصحية. وأوضح ابن عكي أن ميزانية قطاع الصحة، التي تقل عن6 في المائة من ميزانية الدولة، تظل دون المستوى المعياري الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية والمحدد بين 10 و 12 في المائة. وسلط ابن عكي الضوء على عنصر التمويل الذي يشكل العمود الفقري لأي إصلاح منشود، على اعتبار أن ضعف التمويل، هو الذي يقف وراء جزء كبير مظاهر الاختلال التي يشهدها القطاع الصحي، ومن ضمنها عرض العلاجات الذي يظل غير كاف، والحاجة إلى التمويل تظل ماسة لمواجهة قلة الموارد البشرية وإشْكاليّة تعيينها وإعادة انْتشارها، إذ يسجل المغرب متوسّطا يبلغ 7.3 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، وهو ما يمثل معدلات تأطير طِبّي منخفضة نسبيا مقارنة مع الدول المماثلة لبلادنا (11.9 في تونس و 15.4 في تركيا). ونبه ذات المسؤول إلى ظاهرة «الفراغ الصّحّي» وسوء التوزيع الجغرافي للهيئات الطبية وشبْه الطبية والمؤسسات الاستشفائيّة بين مختلف الجهاتِ، وبين الوسط الحضري والوسط القرويّ وكذا إلى وسائل الاشتغال كما هو الشأن بالنسبة للحظيرة العمومية لسيارات الإسعاف التي لا تتوفر سوى على 1066 وحدة، 93 في المائة منها لا تتوفّر على علاجات استعجالية ولا على الإنعاش.. واعتبر ابن كعي في عرضه الذي ضمنه عصارة تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وآخر المناقشات والآراء التي توصل إليها ، أن القانون 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب والذي يسمح بفتح الرأسمال لغير الأطباء لم يؤت أكله، حيث لم تسجل سوى 15 مساهمة فقط من أصل 420 وحدة خاصة حالية، ولم يتمّ تسجيل أية مبادرة خاصة في المدن الصغيرة والوسط القروي. وعرج الأمين العام للمجلس على توسيع مجال التغطية الصحية، مسجلا أنه على رغم التقدّم الملموس لهذا الورش ، إلا أنه قد أثر على الولوج إلى العلاجات الصحية، موضحا أن عملية توسيع نظام التأمين الإجباري عن المرض لم تصاحبها الترتيبات اللازمة لتحقيق إدماج فعلي للمهنيين والمستقلين . ونبه أمين المجلس إلى ما يعرف ب «باقي كلفة» المستفيدين، والتي تبقى مع ذلك ذات قيمة أقل بسبب الممارسات المتعلقة بالفوتَرة الناقصة في القطاع الخاص،حيث إنه، و إلى حدود اليوم، لم يتم تحديد طرق فوترة الخدمات الصحيّة من طرفِ العيادات . وانتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي التدبير المعتمد في تعميم نظام التغطية الصحية (راميد) منذ سنة 2012، والذي أدى إلى استنزاف صناديق العلاجات العمومية، وذلك بسبب ارتفاع عدد المستفيدين، دونَ العمل على التأهيل القبلي للقطاع، مما أدى إلى تدهور جودة العلاجات التي يلاحظها المرضى. وعزا المجلس الضعف المسجل في جودة العلاجات الصحية إلى الارتفاع المتزايِد على طلب العلاجات، الموجه إلى الوحدات الصحية العمومية، دون أن يكونَ ذلك مصاحبا، بالمقابل، بالزيادة في الموارد، مما عمق إشكالية تمديد آجال الانتظار المتراوحة ما بين 3 أشهر إلى 9 أشهر. ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن السياسات المتبعة في القطاع لم تمكن من التخفيف من التقاطب الذي ما فتئ يميز المنظومة الصحيّة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما جعل المواطنين يجدون أنفسهم، اليوم، أمام منظومة صحية ذات سرعة مزدوجة، تتسم بوجود «فجوة صحية» بين قطاعٍ خاص ذي جاذبية، غير أنه مكلف كذلك، سواء بالنسبة للمرضى أو بالنسبة لأنظمة التغطية الصحية الأساسية، وقطاع عمومي متدهور ويعاني من ضَغط كبير،رغْم أن نصف الأطباء وأكثر، الذين يغطون 70 في المائة من الأَسرّة، ينتمون إلى القطاع العمومي، إلا أن 60 في المائة من الخدمات الطبية يتم إنجازها في القطاع الخاص. ومع ذلك فإن العرض الذي تقدمه المنظومة ككل يظل عرضا غير كاف لا يتعدّى 7.3 أطباء فقط لكل 10 آلاف نسمة. وبناء على هذا التشخيص، يطالب المجلس الذي يرأسه أحمد رضا الشامي، بتوفير الحماية الاجتماعية الشاملة للفرد، طيلة حياته وبصرف النظر عن وضعيته المهنية، بإدماج التغطية الصحية و العمل التدريجي على توحيد مختلف أنظمة التأمين الصحي الإجباري الأساسي عن المرض، بهدف إحداث نظام وطني أساسي شامل. كما أوصى المجلس بإدماج النظام العمومي والعرض الخاص في إطار خرائط صحية جهوية حقيقية، وتمكين المستشفيات الترابية من التوفّر على استقلالية فعلية في التّدبير على أساس التعاقد، وكذا إخضاع المؤسسات الاستشفائية العمومية والخصوصيّة لنفس قواعد التفتيش والافتحاص. وشدد المجلس على ضرورة إعادة تنظيم منظومة العلاجات الصحية حول عرض صحي عمومي سهل الولوج وذي جودة، وتطوير نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص.