اختتمت يوم أمس الأربعاء 3 يوليوز 2013 ، أشغال المناظرة الوطنية الثانية حول الصحة المنعقدة بمراكش تحت الرعاية السامية لجلالة الملك ، تحت شعار « من أجل حكامة جديدة لقطاع الصحة » . وشكلت المناظرة فرصة لتشخيص نواقص النظام الصحي بالمغرب و مستويات الخصاص التي يعانيها و تأثيراتها على جودة الحياة للمواطن المغربي . فرغم أن شبكة العلاجات تطورت خلال الثلاثين سنة الأخيرة ، حيث وصل عدد المستشفيات العمومية حاليا إلى 144 مستشفى تقدر طاقتها ب 22000 سرير ، و 373 مصحة خاصة توفر 10300 سرير ، إلا أن 20بالمائة من ساكنة المغرب توجد على بعد 10 كلم على الأقل من أقرب مؤسسة صحية . كما أن معدل استعمال الخدمات العلاجية يظل ضعيفا ، حيث لا يتجاوز سنويا 0.6 حالة جديدة لكل فرد . و معدل الاستشفاء لا يتجاوز 5 بالمائة ، مما يؤكد ضعف استعمال المؤسسات الصحية بالمغرب . و يشير «الكتاب الأبيض» الذي أنجزته وزارة الصحة ، إلى« أن هذا الوضع مرتبط بالنقص في الموارد البشرية و إشكالية الأدوية و عدم ملاءمة العرض الصحي و الطلبات الحالية ، و خاصة في ما يتعلق بالأمراض المزمنة . فالنقص في الموارد البشرية يشكل سلبية أساسية تسم القطاع الصحي بالمغرب، حيث أن كثافة الأطباء بالقطاعين العام و الخاص لا تتجاوز 0.62 طبيب لكل ألف نسمة . علما بأن 40 بالمائة من الأطباء الأخصائيين يشتغلون بالقطاع الخاص في الأوساط الحضرية . و الجزء المتبقي محسوب على القطاع العام ، لكنه يشتغل بشكل مزدوج بالقطاعين الخاص و العام ،رغم أنه يتعارض مع القانون. و يشكل النقص في الموارد البشرية أحد التحديات الكبرى بالقطاع الصحي بالمغرب ، و يتجلى في أعداد العاملين بالقطاع ، و الشيخوخة و التوزيع حسب مصالح الموظفين بدل حاجيات الساكنة . و إن توفرت الموارد البشرية ، فإن ملاءمتها مع الحاجيات تظل مطروحة . و من المشاكل التي يعانيها المغرب و تؤثر على نسبة استعمال الخدمات العلاجية ، غلاء الأدوية ، حيث أن أثمنة الأدوية تضاعفت مرتين أو ثلاث مما هو عليه بالدول المجاورة . و هو أمر مرتبط بتجزئة التموين من الأدوية و غياب المنافسة من خلال الأدوية الجنيسة الجيدة التي لا يتعدى توافرها 30 بالمائة . كما أن مصاريف الصحة تمثل 32 بالمائة من مجموع مصاريف الصحة . و تشير المؤشرات التي قدمها تشخيص القطاع الصحي بالمناظرة الوطنية الثانية للصحة ، و التي يؤكدها الكتاب الأبيض ، إلى أن النفقات المالية المخصصة للصحة تزايدت بشكل تدريجي . إلا أن القطاع حاليا لا يعبئ سوى 7.6 من المائة من مجموع النفقات العمومية و 53 بالمائة من هذه النقات يأتي من مساهمات الأسر . و يلاحظ الكتاب الأبيض أن ارتفاع نسبة الأداءات المباشرة سيزيد من حدة الفوارق و يعرض الأسر إلى التفقير و مخاطر الإصابة بالأزمات المالية . و انكب المشاركون في هذه المناظرة التي قاطعتها خمس نقابات مهنية على تدارس العوامل المؤثرة في تنمية القطاع و تجويد خدماته و ضمان حق العلاج لكل المواطنين ، و تشخيص نواقص المنطومة الصحية و البدائل الممكنة التي ينبغي اعتمادها لتجاوز حالة العجز الواضحة في العرض الصحي. وعكف المشاركون ، و هم من أطياف مؤسساتية متدخلة في القطاع أو مرتبطة به ، على تعميق الرؤية الوطنية لسؤال الصحة و الإشكاليات التي ينبغي مواجهتها بصراحة و وضوح من أجل تحديد الإصلاحات الناجعة و الفعالة التي ينبغي إدخالها على القطاع . و تمحورت أشغال اللجان و الندوات المنعقدة في إطار المناظرة الوطنية الثانية للصحة حول الحق في الصحة من خلال الدستور الجديد وسبل ضمان المناصفة في الولوج إلى الرعاية الصحية للجميع؛ ودراسة التحديات الموضوعة أمام تحقيق التغطية الصحية الإجبارية الأساسية وسبل تمويل القطاع الصحي العمومي، بين الصعوبات والإمكانات المتاحة؛ و الحكامة الجيدة للنظام الصحي الوطني والمسؤولية المجالية للصحة بالنظر إلى متطلبات الصحة الجهوية والأدوار التكميلية بين القطاعين العام والخاص؛ ورهانات السلامة واليقظة الصحية وأدوار الدولة؛ و نقص الموارد البشرية في قطاع الصحة وتحديات الموارد البشرية وخيارات إصلاح القطاع الشبه الطبي. و حسب المعطيات المقدمة خلال المناظرة ، فإن التحول في طريقة الحكامة المعتمدة في تدبير القطاع الصحي يجد مبرره ، في المقتضيات التي جاء بها الدستور الجديد المصوت عليه في فاتح يوليوز 2011 و الأهمية التي أولاها لحقوق الإنسان وللديمقراطية التشاركية ، و التي يجب أن تدفع بالسلطات العمومية إلى تغيير المقاربات ومنهجية العمل لتتمكن من إدماج روح ومقتضيات هذا الدستور في سياساتها وبرامج عملها. كما تجد مبررها في التحولات الديمغرافية والوبائية والغذائية التي عرفها المغرب وكذا التحديات العالمية الجديدة التي يتعرض لها والتي لها علاقة وطيدة بالصحة كالأمن الصحي العالمي، قلة الموارد البشرية، التغطية الصحية الشاملة...الخ. هذه التحديات الجديدة تستوجب التفكير في وضع برامج استباقية تخص الأنشطة والموارد في إطار متعدد الاختصاصات تعتمد نفسا طويلا أكثر مما هو محدد بالنسبة للبرامج الحكومية. إذ تبين أن تحسين الحكامة بالقطاع الصحي يحتاج اليوم إلى تنسيق جدي بين مختلف المتدخلين، مؤسساتيين وغير مؤسساتيين، لوضع إطار عملي يساعد على الحوار والتشاور في اتخاذ القرار وفي نجاعة العمل. حيث تعتبر الجهوية الموسعة حافزا إضافيا لتجسيد هذه الآلية التشاورية على المستوى الجهوي والإقليمي. و حسب الجهة المنظمة ، فالمناظرة الوطنية الثانية حول الصحة ، تعتبر محطة أساسية وحاسمة. فبقدر ما تهدف إلى طرح الإشكالية الصحية الوطنية في مفهومها الشامل، فهي في نفس الوقت تسائل السلطات العمومية و المنتخبين و ممثلي مختلف الهيئات والمنظمات و جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في الميدان الصحي. و تتمحور رهانات إصلاح المنظومة الصحية ، كما عكستها مناقشات المشاركين في المناظرة ، حول تركيز العلاجات حول قضايا و انتظارات السكان و محاربة الإقصاء و الارتقاء بالصحة ، و الاستباقية في الإجابة عن التحديات المطروحة نتيجة التحولات الاجتماعية ، و بناء منظومة صحية دائمة و ناجعة متوافق حولها .