«بوب ديلان»، موسيقي ومؤلف أغان، وليس روائيا أو شاعرا مرموقا ممن يمكن أن يحسبوا على الأدب على الأقل. ومع ذلك نال جائزة نوبل للآداب(2016)، ولكن، ما لا يعرف عن بوب ديلان، أنه ليس مجرد موسيقي ولا فنان، بل علامة ثقافية، ليس في بلاده الولاياتالمتحدة فحسب، بل في أوروبا وإفريقيا ودول شتى. وترجع تلك الأهمية التي استحق بها ديلان نوبل للأدب إلى ريادته، وثورته التي قادها في عالم الموسيقى عبر كلماته كشاعر، وعبر غنائه الذي حرك به الراكد في ذلك العصر من خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
«يعاني الأشخاص أوقاتًا عصيبةً في محاولاتهم لتقبل أي شيء يغمرهم» وصف فان موريسون مرةً بوب ديلان كأعظم شاعر على قيد الحياة، و بما أن الشعر وفقًا لتعريف ميريل روكيسير الجميل: فنٌ يعتمد على «إثارة العلاقة بين وعي الفرد والعالم»، وبإلقاء نظرة خاطفة على قوة ديلان الشعرية نجدها تتعلق بوعي الشخص الخاص و خبرتنا الواسعة في العالم. وذلك تحديدًا كان ما تألق في مقابلة بول زولّو مع ديلان سنة 1991 الموجودة في كتاب الأول مؤلفو الأغاني في تأليفها (متاح في المكتبات العامة)- والذي كان كنزًا ممتازًا و شاملًا من المواضيع التي عرفتنا على بيت سيغر على طبيعته و أحاديث أخرى متصلة مع مشاهير موسيقى آخرين أمثال: سوزان فيغا، ليونارد كوهين، كي.دي لانغ، دايفيد بايرن ،كارول كينج، ونيل يونغ الذي توسعت فطنته الموسيقية إلى حقول أوسع من العمل الإبداعي في مجالات الجماهير . والتقط زولّو عن أثر ديلان الفذّ : تصريح بيت سيغر: «كل مؤلفي الأغاني مرتبطون بسلسلة» بالرغم من ذلك فهناك عددٌ قليل من الفنانين في هذا التيار المتطور الذين يكون تأثيرهم عميقًا كمثل بوب ديلان. من الصعب أن نتخيل فن تأليف الأغاني بالشكل الذي نعرف بدونه. هناك أناقة جلية في كلمات ديلان، جمال مقدس عزز أغانيه خلال هذه السنوات. أحد الجوانب الجوهرية في عملية إبداع ديلان والتي تُناقش مجددًا في المقابلة هو مصطلح اللاوعي والبيئة الأمثل بسبب سيادتها الحرة ، ويخبر ديلان زولّو: «من اللطيف أن تكون قادرًا على وضع نفسك في بيئة حيث يمكنك أن تقبل كل الأشياء اللا واعية التي تظهر لك كأنها من عمل عقلك الداخلي، وتمنع نفسك من التحكم بها عندما تكون قادرًا على ذلك وثم تدونها . وكعددٍ من المبدعين يقدر ديلان أن جانب اللاوعي في الإبداع أعمق بكثير من ذاك المعنى العقلاني المتداول بالحديث عن فكرة أن الإلهام و الوحي لا يمكن أن يكون حازمًا ولكن مرحبٌ به فقط- وهي شهادة بدور المعالجة اللا واعية في الجانب النفسي من العمل الإبداعي وقد أخبر زولّو «أفضل أغنية بالنسبة لي- أفضل أغانيي- هي الأغاني التي كُتبت على عجل. نعم على عجل، على عجل، حيث أن الوقت الذي تمضيه في تدوينها هو نفس الوقت الذي تمضيه في تأليفها بالضبط». وأضاف: للوصول إلى ذلك يجب على الشخص «أن يبقى في إطار دماغي لا واعي ليبلغ تلك الحالة والتي هي حالة عقلية يجب أن تكون فيها بأي طريقة ممكنة». مخالفًا بذلك تأكيد بوكوفسكي القوي حول أن فكرة البيئة الأنسب للإبداع هي وهم في غير محله ، وتحذير إلواين برووكس وايت: «إن الكاتب الذي ينتظر الظروف المناسبة ليعمل سيموت قبل أن يكتب كلمة واحدة على الورق». يؤمن ديلان بأن الإطار الأنسب يمكن أن يُستحث أو على الأقل أن يُساهم بدقة في إيجاده بالظروف المناسبة . «بالنسبة لي بيئة تأليف الأغنية مهمة جدًا، يجب أن تظهر ما يود أن ظهر مني، إنه أمرٌ تأملي انعكاسي .. «. إن البيئة مهمة جدًا، فالأشخاص يحتاجون إلى بيئات هادئة و حيوية، بيئات محمسة ومثيرة. ولتعزيز قابلية واعية كهذه يجادل ديلان قائلًا: «يجب أن تكون قادرًا على استخراج الأفكار من دماغك»، ويشرح ذلك بقوله : «هناك نوعان من الأفكار في دماغك: الأفكار الجيدة وتلك الشريرة، وكلها موجودة في دماغك. بعض الأشخاص محملون بإحداهن أكثر من الأخرى بالرغم من وجود كلاهما، ويجب أن تكون قادرًا على تصنيفها إذا أردت أن تكون مؤلف أغاني وإذا أردت أن تكون مغني. يجب أن تكون قادرًا على التخلص من هذه الأثقال، يجدر بك أن تكون قادرًا على تصنيف هذه الأقكار لأنها لا تعني شيئًا، إنها فقط تدفعك يمنة ويسرة. من المهم جدًا أن تتخلص من أفكارهم . بعدها يمكنك أن تمارس بعضًا من المراقبة للوضع، حيث أن هناك مكانًا يمكنك أن ترى فيه هذه الأفكار ولكنها لا تؤثر فيك، حيث يمكنك أن تجعل جزءً منها ذا معنى بغض النظر عن كون الأمر فقط: خذها، خذها، خذها خذها خذها، كما هو الحال مع حالات عديدة في الحياة اليوم، يدور الأمور حول: خذها خذها خذها فقط. ما فائدتها لي؟ هي المتلازمة التي بدأت في عقد نفسي أيًا كان وقته وما زلنا موجودين فيه مازال ذلك يحدث حتى الآن «.