حلت يوم 13 من الشهر الماضي الذكرى 40 لرحيل الموسيقار الكبير المرحوم عبد السلام عامر، الفنان المبدع المتميز الذي يعد خزانة من اﻷنغام الموسيقية، والذي أعطى إضافة للأغنية المغربية ويعتبر فلتة من تاريخ الفترة الزاهية لهذه اﻷغنية، أبهر المهتمين بالمجال الفني، بإبداعاته الخالدة، وكان يعتبر مدرسة قائمة الذات، كان له قلب بصير رغم فقدانه حاسة البصر، وله إحساس عميق، صادق في عمله، متعدد المواهب، واستطاع بكل ذلك أن يفرض ذاته وسط كبار ورواد الموسيقى واﻷغنية المغربيتين، من أمثال أحمد البيضاوي، عبد القادر الراشدي، عبدالنبي الجراري، عبد الرحيم السقاط، محمد بنعبدالسلام.. وكان أصغرهم سنا إلى جانب آخرين. ولد عامر في فاتح أبريل 1939 بمدينة القصر الكبير، فقد والده في أولى سنوات عمره، ليصاب بالعمى وهو في ربيعه الثاني، إلا أنه تحدى اﻹعاقة البصرية بامتلاك العزيمة والعصامية، ليحلق عاليا وطنيا وعربيا، دخل الكتاب القرآني وكان يعتمد على حاسة السمع، حفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة اﻹبتدائية، ثم التعليم الثانوي، ورغم العمى وداء السل فقد تمكن من الحصول على الشهادة الثانوية، وكان يتمتع ببصيرة خارقة..، في تلك الفترة ظهر ميوله للغناء والموسيقى بواسطة الاستماع والحفظ واحتكاكه بالموسيقيين والمطربين، كما تأثر بالتراث الجبلي من طقطوقة وأهازيج، ومنها استعار ألحانه، كما كان ملما بالميدان المسرحي كتابة وتمثيلا وإخراجا. ظهرت أولى أغانيه أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، منها، مابان خيال، حبيبي الغالي، التي كتبها ولحنها وأداها، ثم الساقية والبير.. ارتبط عامر بالشاعر محمد الخمار الكنوني ولازمه منذ فترة الطفولة وتوطدت علاقاتهما. غادر عامر مدينته القصر الكبير نحو الرباط يحمل معه إنتاجاته من اﻷغاني التي أداها وطريقته في التلحين، وهناك أخذ دروسا نظرية بالمعهد الموسيقي، اصطدم بعراقيل حالت دون ولوجه دار اﻹذاعة لعدة اعتبارات، إلا أن هذا لم ينل من عزيمته، فانتقل إلى فاس ليلتقي بالفنانين، عبد الوهاب الدكالي، عبدالحي الصقلي، أحمد الشجعي، كان ذلك في مطلع الستينيات، وهناك وضع اللحن لقطعتين حبيبتي وآخر آه، وهما قصيدتان كتبهما رفيق دربه محمد الخمار، وأداهما الدكالي، يقول مطلع اﻷولى، حبيبتي عدت فهل ترى ليالينا تعود.. ملء يدي سوسن و ياسمين وورود، والثانية، لم يعد قلبي ولا فكري معك .. لم تعد كل المنى أن أسمعك عاد عامر إلى الرباط ووجد هده المرة معينا ومساعدا له، إنه الشاعر عبد الرفيع جواهري، الذي أدخله إلى اﻹذاعة، حينها قدم ألحانا نالت إعجاب أفراد الجوق الوطني، وتوطدت علاقة عامر بجواهري، فكتب هذا اﻷخير قطعة ميعاد، لحنها عامر وأداها عبد الهادي بلخياط، استهلت بدقات الساعة، وتضمنت مقطعا أدته المذيعة فاطمة الزياني، لتأتي الرائعة القمر اﻷحمر لنفس الشاعر والتي أبدع عامر في تلحينها أيما إبداع، وكان لها صدى كبير جدا، وأداها بلخياط، وكانت متميزة في كل شيء، وقبل أدائها كان جواهري قد نشرها في مجلة آفاق، مجلة اتحاد كتاب المغرب، وعندما تقرر تحويلها إلى أغنية، وزعت إلى مقاطع، استهلت بمقدمة موسيقية للأوركسترا السمفونية للمعهد الموسيقي بالرباط برئاسة الفرنسي ماريتون، تلتها مقدمة نثرية بصوت المذيعة لطيفة الفاسي، مقدمة كان من محاورها، أسوار شالة الأثرية، نهر أبي رقراق، السياحة، الورد والعطر والمجد.. وفي القطعة تم توظيف المؤثرات الصوتية الطبيعية واﻹصطناعية، فمقطع موسيقي، ليأتي دور صاحب القصيدة ليردد، – غلالة ورد تلف المروج وموجة عطر المسا تبحر -لتروي للغد كل الحكايا يعانقها سحرها اﻷعطر -لتحكي أن غلالة ورد يهفهفها القمر اﻷحمر – لتزجيها لبلادي هدايا عطايا هوى بالضيا تزخر. رافق هذه المقاطع سكب الماء من القارورات وخرير الموج مع تقاسيم على العود، فجاء دورعبد الهادي بلخياط لأداء القطعة التي يقول مستهلها: – خجولا أطل وراء الجبال وجفن الدجى حوله يسهر – ورقراق ذاك العظيم على شاطئيه إرتمى اللحن والمزهر. قصيدة أدت منها المطربة بهيجة إدريس وغنت أربعة أبيات . ولتغيير اﻷجواء، والبحث عن فضاء أنسب لطموحه، غادر المغرب سنة 1965 رفقة بلخياط وعبد الحي الصقلي، في اتجاه القاهرة مرورا بمحطتي الجزائر وتونس، ليواصلا الطريق نحو أرض الكنانة، هذه اﻷخيرة التي احتضنت عاصمتها القاهرة فنانين مغاربة سابقا، هاجروا إلى هناك من أجل التكوين الفني، منهم الدكالي، المزكلدي، أكومي، إسماعيل أحمد وعدد آخر، وبواسطتهم فرضت اﻷغنية المغربية ذاتها بضفاف النيل. تمكن عامر ومرافقوه إلى جانب حسن المفتي المتواجد آنذاك بالقاهرة من دخول إذاعة صوت العرب وسجلوا مجموعة أعمال، وتم لقاء مع الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي استقبلهم، حيث استمع لقطعة القمر اﻷحمر وأعجب بها كثيرا، فسأل، لمن هذا الكلام، فكان الرد لشاعر مغربي، والملحن، مغربي الحاضر هنا، والفرقة، مغربية، فكان رده لي عظيم الشرف أن أضع هذه اﻷسطوانة في خزانتي. والتقى عامر بأم كلثوم، وربط علاقات صداقة فنية مع فريد اﻷطرش، عبد الحليم حافظ، بليغ حمدي.. كما جالس شعراء مصريين كمططفى عبد الر حمان، فاروق شوشة.. إلا أن حرب يونيو 1967 حالت دون بقاء عامر بمصر وبلوغ مبتغاه الفني، فكانت العودة صحبة رفاقه إلى المغرب. إلى جانب اﻷغاني السالف ذكرها، لحن العديد من القطع اﻷخرى الخوالد، منها، الشاطئ من شعر مصطفى عبد الرحمان، واحة العمر للشاعر فاروق شوشة، أداهما عبد الهادي بلخياط، تقول مقدمة الشاطئ -أين يا شط لياليك النديات الحسان –أين غابت أين وراها عن العين الزمان، أما محمد الحياني فقد لحن له راحلة التي يقول مطلعها، وأنت قريبة، أحن إليك، وأظمأ للعطر للشمس في شفتيك، وحين تغيبين.. فقصيدة قصة اﻷشواق وهما من شعر عبد الرفيع جواهري، كما تعامل مع مطربين آخرين، من بينهم عبد الحي الصقلي، من خلال قطع نذكر منها، أنا محتاج لك من كلمات حسن المفتي، الغائب لمصطفى عبدالرحمان… عانى من اﻷمراض التي صارعها إلى أن أسلم الروح لباريها يوم 13 ماي 1979، في سن مبكرة وفي وقت لازالت الساحة الفنية في حاجة إليه، ودفن بمقبرة الشهداء بالبيضاء، تاركا أعمالا خالدة لن يمحوها الزمن تشهد على عبقريته، ناقشا اسمه بين فطاحلة الفن الموسيقي.