أفضل وجهة في العالم لقضاء شهر العسل    إسرائيل تؤجل قرار وقف إطلاق النار في غزة    بن غفير يستقيل من حكومة إسرائيل    "الأوغاد" عنوان المواجهة بين الإعلام الفرنسي ونظام تبون    قطر تؤكد بدء وقف اطلاق النار في غزة على خلفية إعلان حماس اطلاق سراح ثلاثة رهائن اسرائيليات    تعليق تيك توك في الولايات المتحدة    قتلى وإصابات في قصف قطاع غزة    د.الحسن عبيابة يتساءل: ماهي الحكومة التي ستشرف على الإنتخابات المقبلة ؟    اتحاد طنجة يدخل الميركاتو بقوة لتحسين وضعه في الشطر الثاني من البطولة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    فقدان ثلاث شاحنات مغربية بين بوركينافاسو والنيجر تضم أربعة سائقين    إسدال الستار على فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    حفل ضخم في "جوي أووردز" بالرياض    شي جينبينغ يجري اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب    ألمانيا والمغرب يطلقان مجموعة عمل لتعزيز التعاون الفلاحي    الاثنين المقبل انطلاق محاكمة المسن "بطل" فيديو الاعتداء الصادم على سيدة وطفلتها    محكمة كورية تصدر مذكرة اعتقال رسمية للرئيس المعزول    أيوب مولوع يرفع قيمته التسويقية    توقيف المشتبه به في طعن نجم بوليوود سيف علي خان    باحثون يدعون إلى تقوية الحماية القانونية لحراس الأمن الخاص في المغرب    اتحاد تواركة يكتسح السوالم بثلاثية    توقيف شابين بطنجة بعد استعراضات خطيرة في الشارع العام    إيقاف 3 أشخاص بشبهة التورط في السياقة بطريقة استعراضية وتعريض مستعملي الطريق للخطر    أحرار الحسيمة يحتفلون بالسنة الأمازيغية الجديدة    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    بحضور مضيان.. حزب الاستقلال الحسيمة يحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة    مسؤول ألماني يؤكد أن المغرب "شريك مهم" لألمانيا والاتحاد الأوروبي    بركة يدشن التسخينات الانتخابية بالشمال وميزان تطوان في دينامية مستمرة    البطولة... اتحاد تواركة يعود لسكة الانتصارات من بوابة شباب السوالم    توقيف شخص وحجز مواد محظورة بدوار "لبوير" نواحي تطوان    إنريكي يكشف سبب غياب أشرف حكيمي ضد لانس    بنواحي: صنداونز يلعب تحت الضغط    "بنك المغرب" يكشف تقلبات الدرهم    بنيعيش: الاحترام يوحد المغرب وإسبانيا    الموت يفجع النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز    ائتلاف هيئات حقوق الإنسان يدعو للمشاركة في مسيرة الأحد ضد "قانون الإضراب"    الوزير نزار بركة يطلق مشاريع تنموية استراتيجية بإقليم العرائش    بنكيران: الحكومة لا تبالي بالشعب وأخنوش اعتدى على الأرامل عندما حرمهن من الدعم    حزب "العدالة والتنمية" يجدد مطالبه بالإفراج عن النقيب زيان ونشطاء حراك الريف    نقابة الصحافيين بتطوان تنظم بشفشاون "الملتقى الأول للإعلام والقضايا الوطنية"    إسبانيا تُخصص 2.6 مليون أورو لترميم المستشفى الإسباني في طنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إقليم صفرو يشجع إقبال الاستثمار    المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات من قلب واقع التمريض .. حقنة بألف درس : 19
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 05 - 2019

الممرض .. العمود الفقري لكل المؤسسات الصحية بمختلف مستوياتها، «الدينامو» المحرك للعملية الاستشفائية، الذي يقوم بالعدد الأكبر من المهام لفائدة المرضى، ويتعامل مع مختلف الفئات والأشخاص، أحيانا حتى ما قبل ولادتهم، عندما تكون المرأة حاملا وتقوم بالوضع، وبعدها في مرحلة الرضاعة، فالطفولة، ثم الشباب، وعندما يبلغ المرء أشدّه، وبعد ذلك أثناء مرحلة الكهولة. طيلة هذه المسيرة العمرية، يحضر الممرض والممرضة، لتقديم حوالي 80 في المئة من الخدمات الصحية.
الممرضون والتقنيون يشكلون نسبة 56 في المئة من مهنيي الصحة، يقومون بمهام جسيمة، قد تنال اعترافا من طرف البعض، وقد تواجه بالجحود والنكران من طرف البعض الآخر، خاصة من الذين ينظرون للممرض نظرة تقليدية، نظرة «الفرملي»، انطلاقا من منظور «تقزيمي»، ممن لا يزالون سجناء زمن مضى وولى، ولا يعلمون بأن الممرض إطار بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وساعد من سواعد النهوض بالمجتمع وبنائه.
الممرض ليس دائما عنوانا للرشوة، للتسويف واللامبالاة … والممرضة ليست هي تلك الشابة التي تهتم بأظافرها، وتضع فواكه في جيب وزرتها، المشغولة بهاتفها النقّال .. وهي الصور النمطية التي تحاول بعض التصنيفات تكريسها وتعميمها، باعتبارها قاعدة وليست استثناء كما هو حال مختلف القطاعات.
الممرض قصة ليست كباقي القصص، يومياته ولياليه حكايات تستحق أن تروى، هو جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، بإيجابياته وسلبياته، وبالتناقضات التي يحبل بها.
للتقرب أكثر من الممرضين والممرضات، تفتح «الاتحاد الاشتراكي» صفحاتها في فسحة رمضان، لعدد من المنتمين لهذه الفئة، لكي يحكوا عن طبيعة الأقدار التي ساقتهم لاختيار هذه المهنة، أو ينقلوا إلى القراء تفاصيل واقعة من الوقائع التي عاشوها والتي تركت وقعا خاصا عليهم، للكشف عن وجه آخر للممرض/الممرضة غير ذاك المتخيّل في كثير من الأذهان.

عسوي نادية :
خلال مزاولتي لعملي كممرضة لمدة ثلاثة عقود ونصف، عشت مواقف مفرحة وأخرى حزينة، التقيت خلالها أناسا طيبين ورائعين، تعلمت على يدهم فنون المهنة، وغرسوا في نفسي معنى جميلا للعطاء بلا حدود دون انتظار المقابل، وعرفت كذلك أناسا من نوع ثاني، تبيّن لي من خلال اختلاطي بهم أنه لا مكان للمبادئ ولا القيم داخل مجتمع تنخره التناقضات، وبأنه في أغلب الأوقات يكون البقاء للأقوى.
من بين المواقف الكثيرة، أتذكر موقفا أتقاسم معكم تفاصيله دون أن أدعي أنني منزهة عن الأخطاء، فكلنا نخطئ، ولكل منا هفواته في أداء عمله، لهذا فموقف اليوم يمكن أن نسميه خطأ مهنيا أو إهمالا في أداء الواجب، لكن الأهم من ذلك هو معرفة هاته الهفوات وتصحيحها مهما كان الثمن.
في سنة 1987 كنت أشتغل بالمستشفى الجامعي للأطفال ابن رشد، في القسم الطبي. كان القسم كبيرا جدا به 60 سريرا، كنت أعمل بنظام المداومة الليلية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة الثامنة صباحا، وكان هذا القسم مخصصا لحالات مرضى القلب، ومرضى الجهاز الهضمي، والجهاز المناعي، والسكري، ومرضى الكلي، ومرضى السرطان وغيرها، وكانت القاعة الأولى والثانية بها للعناية المركزة للحالات التي تحتاج للعناية عن قرب، علما بأننا كنا كذلك نستقبل الحالات الطبية المستعجلة ….
كنا ممرضتين لستين سريرا، وفي بعض الأوقات لأكثر من ذلك، فحين كانت تمتلئ عن آخرها كنا نقترض أسرّة من الأقسام الأخرى، فقد كان القسم يتكلف بجميع الأطفال المرضى، من الولادة إلى سنّ 15 سنة، وهو ما يعني أن معظم الأسرّة كان بها رضع محتاجون للعناية بنظافتهم وتغيير حفاضاتهم، وإرضاعهم أو إعطائهم وجبة المساء والفطور، إلى جانب العلاج من محاليل وريدية أو حقن عضلية أو علاجات كيميائية، مع ما يتطلبه ذلك من عناية، دون أن أنسى استقبال الحالات المستعجلة التي تتطلب تدخلا طبيا وتمريضيا، كحالات الربو، وحالات المواليد الخدج، وحالات غيبوبة مرض السكري أو حالات النزيف، أو بعض الأمراض الجرثومية التعفنية عند الأطفال وغيرها …
كنا نبتدئ العمل بالدورة الأولى لكامل القسم في السادسة مساء بحضور الممرضة المداومة في الفترة المسائية، لمعرفة عدد المرضى وللاطلاع على حالة النزلاء القدامى وعلى الوافدين الجدد على القسم، بعد ذلك نعد ونسخن الحليب استعدادا لدورة ثانية ننظف فيها الرضع ونغير حفاضاتهم ثم نتكلف بإرضاع الصغار وتقديم وجبات العشاء للكبار وغيرها… بعدها نعد ما نحتاجه لإعطاء العلاجات التمريضية، فنقوم بدورة ثالثة لإعطاء الأدوية والحقن والمحاليل وغيرها… كنا نكمل الدورة إلى غاية التاسعة أو العشرة مساء حسب درجة امتلاء القسم ثم نأخذ قسطا من الراحة نستغلها لاحتساء الشاي أو «القهوة السوداء» ونتناول عشاءنا، فنقوم بدورة أخرى نعاين فيها المرضى في حدود الثانية عشر ليلا، ثم نقتسم الليل كل واحدة منا ترتاح ساعتين ثم نتبادل بعدها الأدوار، لا ننام ولكن نستريح، نتفرج على التلفزيون أو نقرأ كتابا أو نستمتع بالبرامج الإذاعية، التي على فكرة تكون أكثر متعة من برامج النهار. كنا نعطي لكل دواءه حسب وصفة الطبيب كل ساعتين أو كل أربع ساعات، وهكذا دواليك إلى حدود الثامنة صباحا حين يلتحق فريق المداومة الصباحية، فنستعرض عليهم المرضى حسب الحالات وعددهم.
ذات ليلة كان هناك رضيع بالعناية المركزة عنده حالة تعفن جرثومي، غيرت حفاضته وأعطيته رضعته ثم حقنته بحقنة عضلية، بعد ذلك ذهبت للمريض التالي لأتمم دورتي على باقي المرضى وعند رجوعي للاطمئنان عليه بعد ساعة وجدته يئن، كشفت عليه فوجدت أن مكان الحقنة العضلية ينزف كثيرا، ناديت الطبيب الذي كشف عليه فشخّص حالته بأنه عنده حالة هبوط بسبب نزيف مكان الحقنة، وهو محتاج لنقل دم فوري. تألمت كثيرا وأحسست أنني السبب، وأنه كان علي أن أتأكد من عدم وجود أي نزيف مكان الحقنة قبل الانتقال إلى مريض آخر، وخلال ذلك أخذ الطبيب عينة من دم الرضيع وحقنه بمحلول وريدي لحين أن يجهز الدم، فانتقلت بسرعة إلى مركز التحاقن، الذي كان لا يبعد عن المستشفى إلا ببضعة أمتار، لجلب الدم الذي يحتاج إليه الرضيع.
بعد فحص عينة دم الرضيع تبين أنها من النوع النادر 0 سالبة، ولسوء الحظ لم تكن يومها متوفرة بالمركز، عدت إلى القسم، وهناك أكّد الطبيب أن الحقن بالدم هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذه وان المحلول الوريدي لن يفي بالغرض المطلوب لأنه نزف كثيرا، فقلت في نفسي لو قدّر الله ومات هذا الرضيع فسيكون ذلك بسبب إهمالي لأنه كان يجب علي أن أكون أكثر حرصا وأن أتأكد من عدم وجود نزيف مكان الحقنة العضلية قبل الانتقال إلى المريض الموالي. كان علي إصلاح ما أفسدته، أخذت أفكر في الوسيلة التي تمكنني من ذلك، فتذكرت أنني من نفس نوع فصيلة الرضيع 0 سالبة، فأخبرت زميلتي في القسم وأوصيتها أن تهتم بالأطفال المرضى إلى حين رجوعي من مركز تحاقن الدم. هناك تبرعت بالدم وأذكر أنني كنت أقول للممرض الذي كان مداوما تلك الليلة، وقد كان زميلا وصديقا عزيزا، خذ ما يكفي من الدم فلا يهم المقدار، لأن المهم هو أن ننقذ الرضيع، فكان يضحك ويجيب بالقول «لا تخافي عليه سيكون بخير إن شاء الله ما دامت ممرضة مثلك تسهر على علاجه».
انتظرت بعض الوقت لحين أصبح الدم جاهزا للحقن ورجعت به إلى القسم، فقامت زميلتي بحقن الرضيع به، وبعد وقت قصير صار لونه يبدو أكثر احمرارا وتبدل أنينه إلى صراخ قوي، الذي لم يزعجني لأنه كان بالنسبة لي يومها أن قوة صراخه تدل على انه أصبح بخير، مما جعلني أتصالح مع نفسي لما طمأنني الطبيب وهنأني بنجاة الرضيع. حمدت الله وقررت منذ يومها أن ألاحظ جيدا مكان جميع الحقن سواء كانت وريدية أو عضلية، مهما كان عدد المهام الموكلة إلي أو عدد المرضى الذين أكلّف بهم، لكن يبقى هناك عندي سؤال، هل كنت وحدي مسؤولة يومها أم كانت مسئولية مشتركة بيني وبين إدارة المستشفى التي كانت تعين ممرضتين فقط وتكلفهم بعدة مهام، وتطلب منهم التكفل بعدد كبير من المرضى إضافة إلى الحالات المستعجلة مما يزيد من احتمالات الأخطاء المهنية ؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.