على الكرسي الهزاز قبيل الفجر ، كنت أُبْحر في وَهْدَةِ اللَّيْل فطاردني خيال أيقظني ؛ خِلتني ، وأنا أُدَقِّقُ في الطيف ، بالإفناء محكوما. كان يَسخَر مني ، وكِدْتُ أختنق من هُوَّتي ، لولا أني لمحتُ من خلف زجاج النافذة ؛ نُور مصباح الشارع ، وسمعتٌ حَفِيفَ ريحِ السحر تعبثُ بأوراق شجيرات الكرم ؛ ريح محملة بندي الخريف على الرصيف. سمعتُ الحفيف خفيفاً ، ولم أَلْحَظْ خلف نافدذتي أثرا لِلُجَيْن بدر هَزَّنِي إليه شوق وحنين. لمحتُ فقط نَجْماً يسبح في كبد السماء ؛ حَسِبْته يتحسَّس أحلامي بغمزات تفيض بسر ؛ وتتلجلج في قلبي بشكل غريب. ابتسمتُ له ، التَقَطَتْهُ يدي و قد هَبَّ لتحيتي ؛ وكرسالة عشق جَمٌوحٍ أطبقْتُ عليه ، فكان بين أحضاني يخبرني بحكايات ألِفْتُها ويقصُّ عَلَيَّ سَخِيَّ ، دقائق ذكريات مبلَّلةٍ بماءٍ صافٍ ، من عيون طفولةٍ وَلَّتْ وأنا على هدير موج البحر ، عنوة ، أسْتَسْلم لنوم هَدَّأ أوصالي من جديد ، على الكرسي الهزاز وقد توارى طيف الخيال بغتة في لُجَّة السَّواد ، قبل أن ينقشع طوفان الليل رويدا ، رويدا ، على شدو شحارير الصباح…