احتفل نادي القراءة والكتابة الذي يوجد مقره بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم الخميس 2 ماي 2019 بتقديم وتوقيع الرواية الأخيرة للناقد والكاتب حسن بحراوي»بنات ونعناع». اللقاء الذي استهله المشرف العام على النادي الأستاذ والدكتور محمود عبد الغني ، نوه خلاله محمود عبد الغني بالجهود التي يبذلها طلاب وطالبات الكلية الذين انخرطوا بالنادي في سبيل سنّ وترسيخ تقاليد القراءة الجادة، والاحتفاء بجديد المنشورات التي تدخل في نطاق الآداب والعلوم الإنسانية ليكونوا على مقربة دائمة ومتواصلة من عوالم الإبداع والفكر في المغرب والعالم العربي، وذلك في أفق تطوير الحس الفني والارتقاء بالذائقة الإبداعية لدى الأجيال الصاعدة وتحفيزهم على القراءة الهادفة والتلقي المنتج. وفي جلسة مفتوحة تولت تسييرها الطالبة الباحثة مريم الهادي واستمرت زهاء الثلاث ساعات، تعاقب على المنصة عدد من المتدخلين والمتدخلات بين باحثين طلاب ونقاد متخصصين حاولوا ،كل من زاوية نظره وأسلوب مقاربته، التطرق إلى هذا الإصدار الجديد الذي دبّجته يراع الكاتب حسن بحراوي، ونشرته مؤخرا دار أبي رقراق بالرباط بدعم من وزارة الثقافة والاتصال.. وقد دشّنت المداخلات الباحثة كوثر جلايلة بعرض جعلت له عنوانا عريضا هو «صورة المرأة في الرواية المغربية: من واقع الحياة إلى عمق المخيلة» وسعت فيه إلى إثارة جملة من القضايا ذات الصلة بواقع المرأة كما تشخّصه هذه الرواية ، والذي يمثل بالنسبة لها جملة من التحولات والانبعاثات التي تتقلب فيها الأنثى في مجتمع محافظ يجترّ معتقدات بالية، غير أنه يتطلع بأمل إلى تجاوز هذه اللحظة الراهنة وتصحيح الأوضاع لتسير نحو الأحسن والأفضل، وعندها أن الرواية المدروسة تمثل اختبارا أو محكّا لقدرة المرأة المغربية على تحقيق هذا الرهان الوجودي بكل اقتدار. وفي أعقاب ذلك تدخل الناقد والروائي عبد القادر الدحميني ليقدم مداخلة بعنوان «آليات اشتغال المتخيل الشعبي في رواية بنات ونعناع»، والتي حاول فيها التركيز على البعد الاجتماعي الذي ارتادته الرواية باختيارها النزول إلى القاع الذي تتسيّد فيه الثقافة الشعبية وتجد المناسبة سانحة للتعبير عن مكنوناتها بمختلف الوسائل، كالأمثال الشعبية التي تجد سبيلها إلى الاندماج في المتن السردي أحيانا باتخاذها مظهرا فصيحا بعيدا عن التقعر، ووصف المحافل الشعبية مثل مواسم الأولياء، واستعراض فاتح ماي وطقوس العيطة والهدية وسوى ذلك مما يُتيحه توظيف الكاتب لمعرفته السوسيولوجية بالمجتمع المغربي، كل ذلك باستعمال تقنيات الميتاسرد التي تقوّي من أثر الحكاية وتكشف عن خلفياتها التعبيرية والجمالية. وبعد ذلك أخذ الكلمة الناقد فؤاد أزروال، الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مركزا في قراءته على الحمولة الاجتماعية لرواية «بنات ونعناع» وخاصة سعيها إلى اختراق جماعة مغلقة تتشكل من النساء «سيئات السمعة»، وعلاقتهن الشائكة مع المحيط الاجتماعي وممثلي السلطة مما جعلها حسب الباحث أشبه ما تكون بحفر سوسيولوجي الغاية منه هي تصوير معاناة (البنات) من الاستئصال الاجتماعي، وتعرّضهن للاستغلال والامتهان، ممّا يفتح أعيننا ثم وعينا على نوعية الحياة الداخلية التي تعيشها هذه الفئة من المواطنات حيث يسود الولاء المتبادل وتشيع (الديموقراطية الداخلية). مداخلة الباحثة فاطمة أحرار تناولت موضوعة طريفة هي (سرديات العوالم السفلية) حيث سيجري رصد بعض الأحداث السياسية والانتفاضات الشعبية في الرواية، ومحاولة الكشف عن تأثيرها على الأوساط الاجتماعية الدنيا وخاصة معاناة الناس مع السلطة، وميلهم الفطري تقريبا إلى فضح مظاهر الفساد والارتشاء فيها. أما الطالب صلاح أحداد فقد تقدم بعرض اختار له عنوانا دالا هو « رواية بنات ونعناع وإعادة الاعتبار لسلطة الحكي»، أراد من خلاله تبيان ما أسماه تظافر بنيات حكائية سردية وشعبية ومتشظية لتشييد بنية الرواية، بمراعاة أسلوب متدرّج يميل إلى الاستبطان والبوح أكثر مما يلجأ إلى التعبير الصريح ،مستلهما على الخصوص خرافات الكائن وأحلامه حتى أكثرها إفراطا وجموحا..و أنهى الباحث مداخلته بالإشارة إلى أن طباعة الرواية تخلو من علامات الترقيم الاعتيادية التي تنظم عملية القراءة.. وقد تولى تقديم العرض الأخير في هذه الجلسة التقديمية، الطالب الباحث أيوب حمينة وجاء تحت عنوان «البنية السردية في رواية بنات ونعناع»، حيث اختار المتدخل تطبيق بعض المفاهيم الباختينية، أي العائدة إلى عالم السرد الروسي ميخائيل باختين، مثل مفهوم الحوارية والكلمة الغيرية والصوت الاجتماعي، ونقل السارد للجدل الداخلي بين الشخوص وظاهرة التعدد اللغوي لدى مجتمع الرواية الذي ينتج تعددا دلاليا ، ويقدم صورة عن الإنسان في مختلف أوضاعه الذهنية والمزاجية، وخاصة عن معاناته مع إكراهات المحيط وسلطة المعتقدات البالية. الأستاذ حسن بحراوي الذي بدأ بتوجيه التحية والشكر لجمهور الحاضرين من أساتذة وطلاب وصحفيين، اختار الحديث عن أسباب اختيار تبئير هذه الرواية على القاع الاجتماعي في حقبة قديمة نسبيا هي ستينات القرن الماضي التي تُعرف في الأدبيات المغربية بسنوات الرصاص، والانكباب على تصوير حياة فئة من النساء اللواتي يوصفن ظلما ب»سيئات السمعة» مع أن لا واحدة منهن اختارت هذا المصير عن قصد، بل نتيجة ضغط الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي حكمت عليهن بالتهميش والإقصاء، ومن هنا جاء تركيزه كذلك على فضح القيم المزيفة التي كانت تكبّل مجتمعنا بقيود أخلاقية ، وتحدّ من قدرة أفراده على المناورة والخلاص. وأخيرا، وعلى سبيل الختم يمكن القول بأننا نلمس كذلك في هذه الرواية ذات الموضوع الاجتماعي نكهة فانطاستيكية عبر تقديمها لأحداث أخرى عبثية أو ناقصة الجدية بحيث لا تكتسي أهمية كبرى في النص، ولكنها ضرورية لتأثيث الفضاء العام للمحكيات المتقاطعة التي تشترك فيها شخوص الرواية بنصيب متفاوت ،وتدفع بالوقائع إلى لحظات من الاحتدام والاحتقان غير المتوقع تقريبا. أما القيمة المضافة الأساسية لرواية (بنات ونعناع) في رأينا فتكمن في كونها تقترح على قارئها نوعا من المسح الطوبوغرافي لمجتمع صغير يعيش على السمك والصبر، ويكابد فداحة السلطة في سنوات الستينات التي كان فيها الإنسان المغربي يتطلع بكل أمل إلى انبثاق فجر جديد..ويمنّي النفس بالخروج من النفق مقدما من أجل ذلك ثمنا باهظا..