لست أدري لماذا أقدمت على كتابة هذه الرسالة؟ بكل تأكيد، يأتي تشابه الأسماء في المقام الأول. رغم إختلاف الأمكنة والمواقع، لكن أيضا لأن الراحل كانت له مكانة خاصة في ذاكرتي وقلبي. في الذاكرة، وأنا وقتها طفل صغير، ثم شاب يافع، وبعدها طالب أبحث عن أفق جديد خارج الوطن، كان إسم أحمد الزايدي يرافقني في كل الأمكنة التي عشت تحت ظلالها ومعاناتها. وقتها دوما، كنت حريصا على أن ألتصق بشاشة التلفزة لأتابع نشرات الأخبار التي كان يقدمها الراحل بكل امتياز ومهنية وحرفية عالية. كنت أجد نفسي فيه. كنت أتلمس المستقبل في صورته الأنيقة، في جدية تقديمه للأخبار الرئيسية. لا أخفي أنه علمني الكثير. عبر الصورة، عبرنطق الكلمات، عبر حسه الجدي، عبر ابتسامته اللطيفة وهو يودع المشاهدين وهو ينهي فقرات نشرة الأخبار. لذلك فهو مازال حيا بداخلي وسيظل إلى أن نلتقي عند الرفيق الأعلى. كانت صدمتي كبيرة، حين سمعت حكاية رحيله الأخير من طرف صديق عزيز... استرجعت وقتها جبل من الصور ومن الذكريات، صورة رجل شكل زاويتي المثلى. وتذكرت وقفاته أمام البرلمان وهو يعدد الثقب والانزلاقات ويمسح العيون لترى المستقبل بكل هدوء وبكل اتزان وبالشجاعة المطلوبة. هاهو اليوم هناك، بين السحب النظيفة. وها أحمد الزايدي الخريبكي «الضعيف»، مازال يتسكع بين دروب وأزقة مدينة الغبار (خريبكة)... وحيدا بدون دفء الراحل وبدون بوصلة الاسم، في زمن تعددت فيه الأسماء والعناوين ونشرات الأخبار. لكنها بدون ملح الرجل وبدون وزن الرجل وبدون هيبة الرجل. تسمع الأخبار كل يوم، من أفواه تقرأ فقط ولا تدرك معنى ومغزى القراءة، مغزى الحروف والعناوين كما كان سي أحمد يقرؤها. مع الأسف لم يعد للون لون وللسان قيمة.. هكذا حالنا اليوم في كل دروب وأزقة وحارات هذه الأرض التي أصبحت خالية. لايسعني إلا القول في هذه الأربعينية الحزينة ، إن ألمي كبير وجرحي عميق ولا يسعني في ذكراك؛ إلا التأكيد أنك ستظل معي رفيقا وأخا كبيرا وأكبر. تعازي الصادقة إلى إخوتي وإخواني أبناء الراحل سيدي أحمد وإلى كل أصدقائه وأحبائه.