التحق الرئيس السوداني عمر البشير، بزميله في الرئاسة السيد عبد العزيز بوتفليقة الرئيس السابق للقطر الجزائري وغادرا المؤسسة الرئاسية في نفس السنة. فبعد مقاومة شديدة نجم عنها مقتل العديد من المواطنين، اضافة إلى الكثير من الجرحى، لم يجد البشير سوى أن يخضع للأمر الواقع، ويتنازل بعدما لم يجد الجيش سوى حل الانقلاب لعل النظام يتمكن من السيطرة على الوضع . رحل الرئيس البشير مرغما، وقبله أجبر عبد العزيز بوتفليقة على ترك كرسي الرئاسة، في وقت ظن فيه الجميع أو الأغلب الأعم أن الربيع العربي قد انتهى أمره وخمدت رياحه الهوجاء، التي عصفت بكراسي رؤساء عمروا سنينا طويلة، ولن تتكرر التجربة. ما خلفه الربيع العربي من ويلات ومشاكل مازالت قائمة في العديد من البلدان حتى الآن، جعلت بعض المتتبعين السياسيين يعتقدون أن الربيع العربي كان مجرد فلتة تاريخية أخطأت طريقها نحو المنطقة العربية ، هذا بغض النظر عن اتهام أياد خارجية في التخطيط لهذا الربيع ، الذي انتهى خريفا لم يحقق حتى الآن لا الانتقال الديمقراطي ولاالاستقرار المنشود في كل البلدان التي قلب فيها الأنظمة. المهم أن الشعب السوداني ثار أخيرا على حاكمه وسقط البشير ورحل .الرجل حكم لثلاثة عقود من .فترة طويلة جعلت السودان وهو من الدول الإفريقية الكبيرة ، والتي تملك ثروات طبيعية لا يستهان بها يأتي النفط على رأسها . لكن هذه الثروات المهمة لم يعرف النظام كيف يستغلها، ولا كيف يجعل منها أساس اقلاع اقتصادي ناجع يبوئ السودان مصاف الدول العربية التي تتمتع برخاء اقتصادي وتقل فيها نسبة البطالة إلى أقصى الحدود. كل هذا لم يتحقق، لأن نظام البشير لم يكن شعبيا، ولم يكن لديه لا الرغبة ولا التصور لانقاذ البلاد من الأزمة المستشرية فيها في كل القطاعت . وككل ثورة يكون الجيش الحاضر القوي،والفاعل الأساس فيها، وقد لعب الجيش السوداني بدوره دورا رائدا في هذه الأزمة، بل إن خروج عمر البشير وطرده من سدة الحكم، يعتبر انقلابا مدبرا من قبل رئاسة أركان الجيش والرئيس السوداني نفسه، بغية الحفاظ على النظام مع تعديل بسيط، وهو تراجع الرئيس السوداني إلى الخلف ليتقدم رجاله ، لعل هذا السيناريو يرضي الشارع ويجعل الجمع ينفض. لكن الجيش كشف نفسه وكشف مخططاته حين أعلن قائد الجيش عوض بن عوف عن فترة انتقالية تدوم لمدة سنتين، يظل فيها الجيش يمسك بزمام الأمور إلى أن يهدأ الشارع، حينها وبعد أن يتم ترتيب الأوضاع على هوى النظام السابق والذي تعتبرقيادة الجيش جزء منه، حينها يتم تحديد التاريخ الملائم لاجراءالانتخابات الرئاسية . رحيل الرئيسين الجزائري والسوداني لم يخمد احتجاجات المواطنين ،ولم يعدهم إلى منازلهم . فالشعب الجزائري مثلا الذي أظهر وعيا متميزا وطالب بالتغيير بشكل سلمي، رفض انهاء احتجاجاته ما لم يرحل رموز النظام السابق ،أي رجال الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة الذين أفقروا البلاد والعباد. نفس المطلب يتبناه المواطنون السودانيون والذين لا يخفى عليهم المناورة الأخيرة التي يحاول النظام أن ينقذ بها نفسه، ويعود بها إلى الحياة من جديد كأنه طائر الفنيق يخرج مرة أخرى من الرماد. فهاهو الشعب وعلى الرغم من حضر التجوال يصر على الخروج إلى الشارع مطالبين برحيل جميع رموز النظام ، واقامة سلطة مدنية، وتحديد تاريخ قريب لاختيار رئيس منتخب بشكل ديمقراطي. السلطة الجديدة في السودان أمامها تحديات كبيرة، أولها كيف ستنقنع المواطنين بأن النظام تغير، وأن الجيش الذي أخذ مكان الرئيس السابق ليس هو النظام ذاته لكن بوجوه جديدة قديمة. الشعب يريد انتقالا ديقراطيا فعليا، ولا يعترض أن يكون للجيش دورا فيه، لكن على أساس أن يساعد في نقل السلطة ألى المدنيين .لكن أن يغتال الجيش الديمقراطية ، من خلال إعادة نفس سيناريو ما حدث في مصرمثلا ، حين أسقط الجيش حكم الرئيس مورسي ،وسيطربزعامة الجينرال السيسي على السلطة، مما أعاد لحظة الرئيس السابق حسني مبارك وجعل نظامه يستمر في حلة أخرى وبوجه رئاسي جديد ، وكأن البلاد لم تشهد ثورة ولا هم يحزنون . بقيت الإشارة إلى مصيرالرئيس السوداني، فالبشير مطلوب لدى محكمة العدل الدولية، وأقد أصدرت في حقه مذكرة اعتقال دولية، بسبب اتهامه بجرائم ضد الإنسانية. هل سيضحي الجيش بقائده الأعلى السابق دون أن أن نسى أن قائد الجيش بدوره مطلوب لنفس المحكمة ، أم أن الجيش سيسعى لابرام اتفاق مع الولاياتالمتحدة كي يجنب البشير والجنرال مقصلة العدالة. إذا ما وافق الغرب على الصفقة ،فلا شك أن ربحه من الصفقة سيكون كبيرا.