كما كان متوقعا، نزل المتظاهرون بكثافة إلى الشارع في الجزائر، أمس الجمعة، رافضين التركيبة التي خلفت عبد العزيز بوتفليقة في الرئاسة، والتي يعتبرونها جزءا من النظام ويطالبون برحيلها. وكان ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوا إلى التظاهر مجددا تحت الشعار المتداول منذ أسابيع «يتنحاو كاع!»، وتعني باللهجة الجزائرية «ليرحل الجميع!». وحدد رئيس الدولة للمرحلة الانتقالية عبد القادر بن صالح (77 عاما)، وهو أحد وجوه نظام بوتفليقة، موعد الانتخابات الرئاسية في الرابع من يوليوز، أي في ختام المرحلة الانتقالية من تسعين يوما التي ينص عليها الدستور. وللمرة الأولى منذ 22 فبراير، تاريخ بدء الاحتجاجات ضد بوتفليقة والتي نجحت في دفعه إلى الاستقالة، يحول طوق من عربات الشرطة دون الوصول إلى ساحة البريد المركزي في وسط العاصمة، ملتقى كل التظاهرات التي تحصل عادة. واتسمت التظاهرات التي جرت حتى الآن إجمالا بالطابع السلمي، مع بضعة حوادث في بدايتها لم تتكرر، ومن دون تدخل كبير من قوى الأمن. ومنذ تعيين بن صالح رئيسا للدولة بحكم الدستور، انتقلت الشعارات من استهداف الرئيس المستقيل إلى مهاجمة بن صالح. ويصرخ المتظاهرون بصوت عال «حرة حرة-ديموقراطية»، و»بن صالح إرحل!». وبالنسبة للمتظاهرين، لا يمكن أن تكون هذه الانتخابات الرئاسية التي تنظم بعد ثلاثة أشهر، حرة ونزيهة، لأنها ستنظم في إطار قانوني وضعته المؤسسات والشخصيات الموروثة من حكم بوتفليقة، والتي وجهت إليها اتهامات على مدى العشرين السنة الماضية بالتزوير، بحسب ما تقول المعارضة. ويطالب المتظاهرون وبعض أصوات المجتمع المدني بإنشاء مؤسسات مخصصة لعملية انتقال حقيقية للسلطة في مرحلة ما بعد بوتفليقة. وتقول السلطة الحاكمة إنها تريد البقاء في الإطار المنصوص عليه في الدستور: أي تنظيم الانتخابات الرئاسية في أجل أقصاه 90 يوما. ويحظى بن صالح بدعم ضمني من الجيش الذي عاد إلى محور اللعبة السياسية الجزائرية منذ أن تخلى رئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح، عن بوتفليقة، ما جعل استقالته حتمية. وحذر رئيس أركان الجيش الجزائري الأربعاء من حصول «فراغ دستوري» في الجزائر، معتبرا أنه من «غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية» خارج المؤسسات. وذكر أن الجيش سيرافق عملية التحضير للانتخابات الرئاسية»، و»سيسهر على متابعة هذه المرحلة (…) في جو من الهدوء وفي إطار الاحترام الصارم لقواعد الشفافية والنزاهة وقوانين الجمهورية». وحاولت الشرطة، أمس الجمعة، إخلاء ساحة البريد المركزي التي تحولت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى نقطة تجمع تقليدية للمحتجين في الجزائر العاصمة، لكنها فشلت في ذلك وفق مراسلة فرانس برس. ولأول مرة خلال ثمانية أيام جمعة من الاحتجاجات، اصطف عشرات من رجال الشرطة يرتدون الخوذات ويحملون الدروع منذ الصباح لمنع المحتجين من الوصول إلى ساحة البريد في قلب العاصمة. ووصلت عناصر الشرطة في حوالى الثامنة صباحا (7,00 ت .غ) فاستقبلهم بضع مئات من المتظاهرين بالصفير وقد تجمعوا منذ الفجر على السلم الكبير للمبنى حيث كان أمضى بعضهم الليل. بعد ساعات قليلة، أحاطت الشرطة بهؤلاء المتظاهرين وحاولت إبعادهم عن درجات السلم، لكن المتظاهرين وهم أكبر عددا، أحاطوا بهم وراحوا يهتفون «سلمية سلمية». وأخيرا تنحى المحتجون للسماح للشرطيين بالانسحاب من الساحة من دون عنف، فيما انطلقت حناجر النساء بالزغاريد. وقال بعضهم للشرطيين: «انتم أولادنا نحن ضد نظام المافيا». وصاح البعض باتجاه عناصر الشرطة «يا بوليس، اخلع خوذتك وتظاهر معنا».