عرفت الدارالبيضاء، إلى حدود منتصف الثمانينات، نقاشا مثيرا، داخل المؤسسة التشريعية والصحف الوطنية، حول الأزمة الحادة التي يواجهها البيضاويون أثناء رغبتهم في دفن موتاهم, والسبب يعود إلى قلة القبور في المقابر المرخصة؛ وهو أمر ناتج عن اختلال ضبط النمو الديمغرافي إلى جانب انتهاء مدة صلاحية المقابر؛ مما كان يدفع أهالي الأموات، آنذاك، إلى البحث عن أي «حفر»-ولو لم تنطبق عليها مواصفات «مقبرة» -ليواروها أمواتهم؛ وكانت أصعب لحظة يواجهونها هؤلاء هي الوصول إلى وسيط (نافذ) للتدخل لدى رئيس جماعة أو رئيس دائرة أو برلماني أو عامل عمالة ليجيز له الدفن بمقبرة «مرموشة» أو «الشلوح» أو «سيدي مومن» أو «سيدي مسعود» أو زناتة..إلخ. أما الدفن بمقبرة «الشهداء» أو «سباتة» فكان بمثابة حصول على «فيزا» مفتوحة، أو فوز في «اللوطو».. هذا الواقع الصعب الذي طرح نفسه بقوة على السلطات العمومية والجماعية أفضى إلى بذل مجهودات في هذا الباب من أجل الخروج من الأزمة بما يستجيب لمقتضيات القانون، والتحرك للبحث عن مواقع جديدة يضمن فيها الميت حق الدفن ما دام «إكرام الميت دفنه»، بدءا من محاولة تجاوز هذا التساؤل: «هل يعود اختصاص إحداث المقابر وإدارتها إلى وزارة الأوقاف التي تشرف على الأحباس العامة (من ضمنها المقابر) أم يعود إلى الجماعات اللامركزية التي أوكل لها القانون مهمة صيانة المقابر وتعهدها دون أن يمنحها الحق في امتلاكها وإدراجها ضمن الممتلكات العمومية؟ وقد أسفر هذا التحرك عن تقسيم ولاية الدارالبيضاء إلى حوضين. الأول يستقبل أموات عمالات: الحي الحسني، عين الشق، آنفا، وهؤلاء يتم دفنهم ب»مقبرة الرحمة» (طريق مولاي التهامي-الحي الحسني)، بينما يتم توجيه أموات الثاني إلى «مقبرة الغفران»(لهراويين- جماعة المجاطية) التي تستقبل أموات بن امسيك- سيدي عثمان-عين السبع- الفداء- البرنوصي. وقد تم خلق المقبرتين في إطار ما ينص عليه قانون الجماعات في الشق المتعلق ب»النقابات بين الجماعات» (تكتل مجموعة من البلديات والجماعات القروية لتمويل وتسيير النقابة بالمكلفة بملف الدفن)؛ وهو ما ساعد على حل المشكل وتأمين هذا الحق إلى حدود 2040. غير أن ذلك لم يمنع بعض المواطنين من دفن موتاهم بالمقابر العشوائية: (الشلالات- عين حرودة- بوسكورة..)، إما بداعي القرب، أو رغبة الميت، أو عدم توفر وسائل النقل لبعد المسافة وعسر المسالك. مقبرة «الغفران» أقيمت على بقعة بتراب المجاطية استرجعتها الدولة من المعمر «سانشيز»، وتقع على مساحة حوالي 128 هكتارا، وتم الشروع بالدفن بها بتاريخ 30 يوليوز 1989، بمعدل 20 جثة يوميا. وتقدر الطاقة الاستيعابية للمقبرة بحوالي 40 ألف قبر (391430 قبر تحديدا)، وهذا معناه أن عمرها الافتراضي لن يتعدى 53 سنة، بمعدل دفن يصل إلى 7385 جثة سنويا. وحسب وثائق نقابة التعاون الاجتماعي، فقد تتبع أشغال البناء وقام بالتصاميم المهندس عز الدين الديوري، بتنسيق مع الجماعات المحلية والقسم التقني التابع لعمالة بنمسيك مديونة تحت إشراف الوكالة الحضرية للبناء والتعمير بمدينة الدارالبيضاء» والمقبرة تتوفر على مسجد «الغفران» ( تمت إقامته على مساحة مجموعها 1184 مترا مربعا)، وموقف للسيارات عند المدخل الرئيسي، إلى جانب مجموعة من الحدائق مجهزة بكراسي بمظلات واقية لاستراحة الحوامل والمسنين والأطفال، كما تم تشييد 3 مكاتب وأرشيف ومستودع وقاعة استقبال على مساحة 82 مترا مربعا، إضافة إلى المخفر الذي تم بناؤه على مساحة 40 مترا مربعا؛ وهو يعمل بدوريات منتظمة ومجهز بكيفية تضمن احترام نظام المقبرة التي تنص فصوله التنظيمية (7-10-11-12) على مراعاة الآداب العمومية والحشمة والاحترام الواجب للأموات. ولتذليل الصعاب أمام الزائرين وتسهيل تحديد أمكنة دفن موتاهم، تم تقسيم الأجزاء الخاصة بالدفن داخل المقبرة إلى قطع أرضية، وضعت لكل قطعة علامة تضم اسم الممر ومجموع القبور الموجودة بها ثم السنوات التي تمت خلالها عملية الدفن. إلى جانب ذلك، تم الحرص على بناء خزان للمياه (صهريج)، وحفر آبار مزودة بمضخات، وإحداث ورشة لصنع «شاهدات القبور» أما مقبرة «الرحمة»، فتمتد على مساحة 130 هكتارا، وتستقبل حوالي 20 جثة في الأيام العادية، وهذا الرقم قد يرتفع إلى 40 جثة في أيام رمضان وفصل الخريف. خريطة مقابر الدارالبيضاء.. في بداية القرن الماضي، كانت مقبرة الدارالبيضاء تقع قرب ضريح «سيدي بليوط»(على مشارف المدينة القديمة- في الرقعة التي يحتلها ملتقى شارع هوفييت بوانيي والجيش الملكي)؛ وقد توقف الدفن بها في سنوات 40 لفسح المجال أمام بناء العمارات؛ ذلك أنها أضحت بفعل التوسع العمراني توجد وسط المدار الحضري ومحاطة من كل الجهات بالمباني والإدارات العمومية، بل أصبحت تحاذي الشوارع وتعرقل السير. في نفس الفترة (أوائل القرن)، أُقيمت مقبرتان صغيرتان بساحة الأممالمتحدة (محمد الخامس سابقا)، إحداهما كاثوليكية، والأخرى بروتستانتية أنجليكانية، بينما احتضنت المدينة القديمة مقابر كانت تنبت بمحاذاة الأضرحة: (سيدي بوسمارة- سيدي الركراكي- سيدي مبارك بوكدرة..) والزوايا: (الزاوية القادرية- الزاوية الدرقاوية، الزاوية الحمدوشية..)، وكلها طمست أو تم إيقاف الدفن بها. أما مقبرة «الشهداء» فلم يتم افتتاح الدفن بها إلا في سنة 1949، فيما انطلق الدفن بمقبرة «سباتة» في سنة 1954. وتقع مقبرة «الشهداء» بحي المقابر قرب مقبرتي «اليهود» (الميعارا) و»النصارى»؛ وهي تابعة لمقاطعة «الصخور السوداء». وقد تم «إيقاف» الدفن بها منذ 1983، غير أن أموات عائلات محدودة!، إلى جانب رجالات المدينة من قادة الأحزاب ورموز المقاومة والكتاب والمثقفين والفنانين، ما زالوا يُدفنون فيها. وفي يناير 1983، تم افتتاح مقبرة «سيدي الخدير» Sidi Boukoubaa التي تقع بغرب المدينة بالقرب من مقبرة «الشلوح» على بعد كيلومتر واحد من حي «الألفة»، على الطريق المؤدية إلى أزمور، أو طريق «مولاي التهامي» بمحاذاة شارع (ف) بالألفة؛ وقد أقيمت هذه المقبرة على مساحة 53 هكتارا من الأراضي الفلاحية؛ واستقبلت إلى حدود 1988 حوالي 6151 جثمانا، بمعدل 512 ميت في كل 17 يوما. والجدير بالذكر أن مقبرة «سيدي الخدير»- ضدا على ظهير 29 أبريل 1983- لم تكن تتوفر على مناطق الحماية وغير مهيأة بالممرات، وغير مزودة بالإنارة، ولايوجد بها مسجد للصلاة؛ مما دفع إلى وضع تصميم لتوسيعها على امتداد 200 هكتار، وتزويدها بالبنيات الضرورية حسب ما ينص عليه القانون. أما مقبرة «سيدي مومن»، المقامة قرب «كريان لافارج»، فقد بنيت على أرض صخرية تمتد على مساحة 7 هكتارات؛ وما زال الدفن بها مستمرا حتى الآن، رغم انعدام صلاحية الدفن بها. بالمحمدية، تم بناء مقبرة «سيدي محمد المليح» عام 1945، على مساحة حوالي 6 هكتارات؛ وتقع المقبرة بحي»العالية» على بعد 3 كيلومترات من مركز المدينة؛ وقد جرى توسيعها في تصميم التهيئة الذي أعدته المجموعة الحضرية للدار البيضاء. تصميم التهيئة هذا كان قد حمل معه مشروع إحداث 3 مقابر أخرى على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 360 هكتارا بمناطق: عين الشق- الحي الحسني؛ بنمسيك- سيدي عثمان-المحمدية- زناتة (التقسيم الترابي القديم)؛ وكان الغرض من هذا المشروع هو تلبية حاجيات المناطق التي تعاني من غياب المساحات الفارغة: (أنفا- درب السلطان- الفداء- عين السبع- الحي المحمدي)، وذلك وفق المواصفات التالية: -مساحة كافية لتوفير حاجيات الدارالبيضاء على المدى الطويل. -القرب من المدينة -الدخول السهل -أرضية صالحة - سهولة الحصول على العقار.