في لقاء احتفى بالشعر والترجمة، وذوّب كل فارق بين الأصل والانعكاس حتى صار الاثنان أصلان، وصارت الترجمة مانحة حياة للنص الأول، التأم الشاعر الهادئ والهادر محمد بنطلحة مع مترجمه الذي يعتمر أكثر من قبعة ، ناصر الدين بوشقيف الشاعر والمترجم والتشكيلي والمسرحي، الذي اختار عن وعي جمالي ورؤية شعرية عميقة ترجمة أعمال الشاعرمحمد بنطلحة ، وتقريب القارئ الفرنسي وقارئ الفرنسية بشكل عام من عوالمه المجنحة ، محافظا لها على نكهتها الخام ورائحتها ونفسها وحرارتها الفوّارة من خلال ترجمة قصائده في كتاب» comme un loup solitaire» اللقاء الذي سيره باقتدار الشاعر عبد السلام الموساوي، على هامش المعرض الدولي للكتاب في دورته 25، انطلق من عتبة الترجمة كجسر لتلاقح الثقافات والمعارف، لافتا الى قيمته المضافة التي تتأتى من كونه يمس منقطة حساسة في جسد الترجمة حين يتعلق الأمر بترجمة الشعر. وفي هذا الصدد عاد الموساوي الى ما أثير من سجال حول استحالة ترجمة الشعر بداية بالجاحظ، ووصولا الى من عارضوها من المحدثين كبول فاليري وألبير كامي أو من عارضوا الترجمة الشعر قبل أن يقدموا عليها أمثال أدونيس وإيف بونفوا وبول فاليري نفسه. وبالنظر الى تجربة بنطلحة الشعرية المتفردة التي تتسم بنكهة مغربية وبعد عربي في آن، فإن ترجمة شعره تطرح على أي مترجم أسئلة كثيرة، أولها كيفية التقدم لهذه النصوص والبحث عن مفاتيح للولوج والنفاذ الى مغاليق النص، قبل أن يعرج على مسار المترجم المغربي ناصر الدين بوشقيف الإبداعي في الشعر والمسرح والرواية. ما العلاقة التي يمكن أن ينسجها الشاعر محمد بنطلحة مع المترجِم ومع نصه المترجَم؟ وهل يمكن للترجمة أن تخون النص الاصلي؟ يؤكد صاحب «كذئب منفرد» و»أخسر السماء وأربح الأرض» و»قليلا أكثر» أن الترجمة هي الأصل وإعادة خلق للشعر. فبدون ترجمة ليست هناك كينونة ولاوجود، لافتا الى أن الترجمة هي انتقال بين ضفتين. وفي هذا السياق تساءل بنطلحة عن التقسيمات التي يمكن أن تثار حول الترجمة بين من يقول بترجمة رديئة وأخرى مثالية، أو البحث عن نص ثالث يمكن القياس عليه، معتبرا أن النص الحقيقي هو ذاك المترجَم لأن المترجِم يكتوي بجمرة الشعر مثله مثل الشاعر ، والنص الأصلي هو فقط نقطة تسرب لشعريات متعددة لا تتناقض ولا تنفي بعضها، كاشفا أن النص الشعري مفضوح لأنه يقول الحقيقة واللاخفاء وهذا هو كنه الشعر. بنطلحة أشار أيضا إلى أن عملية الترجمة في استعاراتها وسيرورتها، تشبه الحلم الذي هو في المحصلة، ترجمة للرموز والإشارات والمترجم في تعامله مع النص الشعري، يقرأ الإشارات والرموز والصور الثاوية خلف الكلمات. وبتواضع الشعراء الكبار، أكد بنطلحة أنه وجد في الترجمة، من الشعر، أكثر مما في نصوصه. وعن لقائه بالمترجم ناصر الدين بوشقيف يقول صاحب «غيمة أو حجر» و»ليتني أعمى»، أن احتكاكه بالفايسبوك جعله ينخرط في تجربة تواصلية جديدة مباشرة، ومنها لقاؤه بالمترجم بوشقيف الذي اكتشف آفاقا واسعة في شخصيته. هذا العالم الافتراضي الجديد جعل بنطلحة يتخلى عن عاداته في الكتابة حيث هجر الورقة واتجه الى التدوينة المباشرة لكل ما تتفتق عنه قريحته الشعرية في لحظة الاحتراق الشعري، قبل العودة إليه للتنقيح ، وهو رهان جعله يتحدى دعاة النقد التكويني، وجعله يصدر ديوانا في سنة بعد أن كان يستغرق ما يقارب السبع سنوات لإصدار ديوان واحد. هذه الفورة الشعرية المتدفقة، اقتنصها المترجم بوشقيف الذي كان مواكبا للحظة الكتابة المباشرة عبر الترجمة المحايثة لكل ما ينشره بنطلحة على حائطه الفايسبوكي ليخرج الديوانcomme un loup solitaire » « الذي هو تجميع ومختارات من ديوان «كذئب منفرد» و»أخسر السماء وأربح الارض» . المترجم والمسرحي والشاعر ، ناصر الدين بوشقيف صاحب «أنطولوجيا الشعر المغربي الفرنسي» و l'enfant de tafoughalte » شدد عند الحديث عن علاقته مع الترجمة والنص المترجم أنه ينطلق من مسلمة لديه مؤداها أن الترجمة هي بمثابة قراءة ثانية للعمل، وهي محاولة لتقريب النص الى القارئ في لغة يفهمها لكن دون أن تفرط في مرجعيات النص الأصلي، أي المرجعيات الثقافية بما تضمنه من عادات ولغات وصور جمالية نابعة من البيئة الأم للشاعر. واعتبر بوشقيف في هذا الصدد ان تجربته الترجمية للشعر صادرة عن رؤية للشعر وتأويلات خاصة، لأنه لا يترجم إلا ما يمس دواخله. ونظرا لخصوصية ترجمة النص الشعري مقارنة بالنصوص المعرفية الأخرى، وحتى يضمن للنص الشعري دفئه وحمولته وبصمته الجينية إن صح التعبير، يلجأ بوشقيف في تعامله مع القصيدة الأصل الى الإحاطة بمناخاتها من استعارات وخلفيات عبر قراءة شخصية تتمثل عناصرها وصورها ومسرحتها ، قراءة متعددة تتجاوز دهشة الاحتكاك والتفاعل الأول مع النص مع مراعاة القارئ المتلقي الذي تخاطبه الترجمة حتى يضمن من هذا الاخير قابليته لرموز وثقافة وهواجس الشاعر صاحب النص.