الغقبات التي تعترض التنمية، متعددة ومتداخلة، على رأسها مشكلة الأمية والجهل، غير أَن هناك عقبة أخرى، يمكن أن تحظى بنفس الأهمية، وتتمثل في انتشار الفساد والرشوة، التي تعرقل السير العادي لقطاعات الأعمال والاقتصاد، وتقضي على مبدإ التنافسية الشريفة، وتدفع بعديمي الكفاءة إلى المقدمة، على مختلف الواجهات. وقد تمكنت بلدان، كانت في الأمس القريب، تدخل في خانة التخلف، من تجاوز هذه المرتبة، بفضل التعليم ومحاربة الفساد، كعامل من عوامل الدفع بالتنمية والتقدم، سواء في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وحققت أرقاما مرتفعة في معدلات النمو، سمحت لها بأن تتبوأ مكانة محترمة بين الأمم الصاعدة. وإذا كان إصلاح التعليم، يتطلب إمكانات ضخمة وسنوات طويلة، لتربية الأجيال، فإن محاربة الفساد والرشوة، لا تتطلب نفس المجهود والمدة الزمنية، كما أثبت العديد من التجارب، التي استندت على إرادة سياسية واضحة ومعلنة، تمت ترجمتها في قوانين وقرارات وإجراءات، تطبق بصرامة ودون مهادنة. وأكد العديد من الدراسات أَن التقدم في محاربة الفساد والرشوة، مرهون إلى حد كبير، بإصلاح الإدارة والقضاء، لأن هذين القطاعين يمثلان المدخل الرئيسي للحكامة ولتثبيت مبادئ الشفافية والنزاهة، باعتباهما ركنين أساسيين في بنية أي نظام سياسي ونموذج تنموي، فبدون مصداقيتهما ونجاعتهما، لا يمكن تصور أي نهضة أو رقي. لذلك، فإن الجدل الدائر، اليوم، حول النموذج التنموي الذي يتعين أَن تسير فيه بلادنا، لا يمكنه تجاهل هذه القضايا، التي تعتبر محورية وحاسمة، في الخروج من دائرة التخلف، وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، الذي شرعت بلدان مماثلة للمغرب، في تحقيقه، بفضل توفرها على دعائم سياسية، سمحت لها بمحاربة آفة الرشوة والفساد، دون تردّدٍ أو معيقات مؤسساتية.