يخضع الفرد منذ بدايات وجوده لتأثيرات, لضغوطات , لإغراءات ,لصدمات ,لتشريطات,من كل الجهات ,تصوغه, تقولبه, تحوله لكي تصوغ منه كائنا ثقافيا , بهذا المعنى يمكننا التكلم عن «هلعة» تطور فردية (من الهلع), هذه اللفظة تحمل فكرة العدوانية الشديدة والعنيفة (بيار ايرني- اثنولوجيا التربية). إن كثيرا من الأفراد والمتعلمين يعانون مشاكل عنيفة قاسية في بيئتهم وبين أسرهم وليس هناك من يستطيع أن يزيل عنهم أعباء هذه المشاكل سوى في وجود مؤسسة تربوية بأساتذة ومربين يمتلكون مقاربات بسيكولوجية و بيداغوجية ملائمة تأخذ في حسبانها الحاجات التي تحقق لهم النضج النفسي والعقلي والثقافي والاجتماعي . إن الضغوطات النفسية والعقوبات البدنية تعطل قدرات التلميذ على تحديد أولوياته وترتيبها , لان التفكير والتذكر يتأثران بشكل سلبي تحت الضغوطات النفسية وتحت التهديد , وإنهما يكبحان ويثبطان الذاكرة المستديمة ,,,بل إن التهديدات , والخوف من العقاب والضغوطات النفسية تجعل التلميذ أكثر عرضة لأمراض نفسية وعضوية . وحسب الأطباء النفسانيين أننا إذا نظرنا إلى مراكز الأعصاب في الدماغ وتتبعناها لوجدنا أن تفرعات الخلية العصبية للشخص المتوتر متقلصة وتشعبها اقل وعلى العكس بالنسبة للشخص غير المتوتر وهذا يؤثر بلا شك على قدرة الاتصال وفعاليته فيما بين الخلايا العصبية – (إيريك جونسون) فما الذي يتسبب – كذلك – في هذه التغيرات الهائلة ؟ 1 – إن التغيرات الاجتماعية تغير في سلوك الأشخاص وتصرفاتهم وبالتالي فإن الدماغ يستجيب لهذه التغيرات مما ينتج عنه تغير في الخلايا العصبية . وقدم فرويد نظرية حول تأثير الحياة العائلية والاجتماعية , واظهر كيف تؤدي العواطف والصراعات المتولدة عن علاقات الفرد بابيه وأمه وإخوته ومعلميه , إلى تبلور مواقف ومشاعر معينة إزاءهم , هذه المواقف والمشاعر تستمر في الذاكرة واللاوعي وتطبع الحياة اللاحقة للفرد في علاقاته مع الآخرين. 2 – المجتمع المدرسي المتوتر في ابسط صوره وأشكاله يساعد في خلق ظروف الفشل والإخفاق بالنسبة للتلميذ : فالاكتظاظ والعلاقات بين التلاميذ ومدرسيهم ونوعية التجهيزات وفضاء القسم والإضاءة كلها عوامل لها تأثيرها في إخفاق التلميذ وفي توتره وتشنجه واضطراباته وانفعالاته: فالإضاءة مثلا قد تسبب في حدوث توتر, وقد أكد احد الاختصاصيين في عالم البصريات (جوتليب) أن الضغوطات المدرسية تتسبب في مشكلات بصرية تؤثر سلبيا على التحصيل الدراسي وتقدير المتعلم لذاته , وأنها أي الضغوط المدرسية تقلص عملية التنفس وتؤثر على تركيز المتعلم مما يؤثر في نهاية المطاف على التحصيل الدراسي : فتحت الضغوط تصبح العين أكثر يقظة وحساسية لمتابعة ما يجري بمجال الإبصار مما يكون معه شبه مستحيل تتبع الأمور الصغيرة بدقة- (اريك جونسون) 3 – هناك عوامل اجتماعية خاصة تكون مصدرا للضغوط النفسية من بينها أن تضع بعض الأسر والعائلات التوقعات العالية في تأهيل وتكوين أبنائها وبشكل صارم , وهو ما لا يتوافق أحيانا مع القدرة والمقدرة والواقع العملي للأبناء/ التلاميذ،مما ينتج عنه فشل وخيبة أمل وعدم رضا , فظروف التنشئة التربوية لا تسير دوما كما يريد الآباء أو ألأسر ولا بد من منغصات تعترض حياتنا الاجتماعية والتعليمية من حين لآخر (الاكتظاظ – المحيط المدرسي – العلاقات بين أفراد المجتمع المدرسي – المردودية الداخلية والخارجية للمؤسسة….) كلها عوامل لها تأثيرها , ولذا في مثل هذه الأوضاع فالدماغ يعتبرها بمثابة تهديد مباشر له تقود إلى بيئة غير مناسبة للتعلم … لذا لابد أن ندرك جميعا أننا نستجيب للتهديد والتخويف بشكل مختلف , فالبعض قد لا يكترث به مهما كان الموقف . والبعض الآخر يتفاعل معه ويعتبره تحديا يجب مواجهته ببسالة وبعضهم يعتبره أمرا مهددا للبقاء ومحطما للحياة …وعلى كل حال فان الدماغ يستجيب للتهديد بشكل متوقع . 4- موقف السخرية والتهكم يتسبب في توتر حاد لكل من يتعرضون لمثل هذه المواقف. إن المتعلم عندما يتعرض لنعوت سلبية أو عقوبات معينة ،سواء كنت لفظية أو جسدية أو نفسية لا يستطيع السيطرة عليها، فإن ذلك الموقف يفضي إلى صدمة عنيفة , وتجاهل المتعلم أو الاستهزاء منه من المحرمات التربوية لذا على المربي والمدرس أن يتفادى أي أسلوب أو خطاب أو موقف استهزائي منه، لأن من شأن ذلك أن يدفعه إلى التحدي والمواجهة , كما أن على المربي والمدرس (أن يتساءل عن كنه – هذا الانفعال – ليعرف حقيقة البواعث ويكتشف دوافعها، فهي قد ترجع إلى انحراف في التلميذ او إلى عارض مرضي أو إلى تكثيف تحدي انفعالاته النفسية …) (محمد بن عبد العزيز الدباغ) فالمعلم الذي يرشد وينصح التلميذ على انفراد مهما كان الموقف تكون نصيحته ذات مردود جيد على التلميذ، والعكس اذا كان معلم يصرخ في وجه تلميذه او حتى ينصحه ولكن في حضرة الاخرين وبأسلوب عقيم تحيط به الصرخات ونبرات الصوت العالية 5- إن التهديد والتخويف يؤثران على التوازن النفسي وبالتالي على المشاعر و التصرفات , فإذا انخفض منسوب المركب ألأميني، أثر ذلك على التوازن الكيميائي للمشاعر والتصرفات،فالتلاميذ معرضون للتهديد والضغوط النفسية العالية خصوصا من تربى منهم في بيوت معروفة بالعنف الأسري يكونون أكثر الأشخاص صعوبة في الإصغاء للآخرين ويميلون للعنف وتراهم دائما يتحينون الفرص للقضاء على الخصم ليثبتوا وجودهم وتراهم دوما أكثر عدوانية (إيريك جونسون)- عن مجلة المعرفة- العدد52 6- التهديد والتخويف والاستهزاء والعنف لها مضار أخرى كثيرة فهي تولد العجز وعدم الرغبة في العمل والمواظبة عليه أو حتى التفكير فيه،فيتأثر التحصيل الدراسي للمتعلم , ويصبح التلميذ في هذه الحالة أكثر ميلا إلى الانطواء أو التردد عوض أن يتحلى بالرغبة في التعلم والاستعداد الفطري لبلوغ درجات من النجاح والتوفيق في الدراسة . انه كلما زادت الضغوط النفسية انخفض إنتاج التلميذ . لذا فإن الضغوطات والتهديدات وكل مسببات العجز يجب أن تبتعد عن التلميذ وعن محيطه وبيئته لتحقيق اكبر درجة من التحصيل الدراسي . إن المدرس أو المربي لا يمكنه أن يفرض وجوده عن طريق القسر والعقاب وإنما يفرض وجوده عن طريق التفاهم والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن , فالأفكار إذا حاول الأستاذ فرضها وحاول أن يعاقب من ناقشه فيها فهو أستاذ فاشل – كما يشير الى ذلك الأستاذ محمد بن عبد العزيز الدباغ . إن أحسن وسيلة لتربية الطفل أو المتعلم تأتي عن طريق إشعاره بوجوده وعن إنماء وعيه بذاته وعن فتح عينيه على أخطائه ليتسنى له اخذ اختيارات تبعده عن الزلل وتنزهه عن المزالق وترفع قيمته وتجعله حكما على نفسه . حلول ومقترحات إذا كان التعسف في استعمال السلطة التربوية مع التهديد النفسي والعنف المادي والرمزي,يؤدي إلى نشوء أنواع من الشذوذ والعاهات النفسية التي تشوه إنسانية الإنسان , فإن جميع فلاسفة التربية اجمعوا على رفض كل سلطة تربوية تمارس بشكل تعسفي قاهر، لأنها لن تؤدي إلا إلى حدوث أضرار تربوية ونفسية وعضوية على مستوى سلوك الأطفال والمراهقين. وعليه فعلى الآباء أولا , والمدرسين ثانيا التضحية بأنانيتهم والعمل على تنمية قدرات أبنائهم وتلامذتهم على كفاية ذاتهم بأنفسهم من خلال خفض حدة الضغوطات النفسية عليهم وإزالة كل المواقف المسببة والمثيرة للضغط النفسي , ومن المقترحات التي يمكن الاستئناس بها في هذه الوضعيات التربوية : على المربي مساعدة تلامذته للتعرف على المواقف المفضية إلى الضغوط النفسية وكيفية علاجها والتعامل معها حال حدوثها , فوظيفة المربي آو المدرس لم تعد قاصرة على القيام بعملية التدريس فقط , بل تتعداها إلى الدعم النفسي , والنصح و الإرشاد والتوجيه ومراعاة جانب العلاقات الإنسانية. تدريب التلاميذ على بعض الأساليب الفاعلة في هذا المجال متمثلة في إدارة وتنمية مهارات العلاقات الإنسانية وكيفية الحصول على مساعدة الآخرين . هذا البعد من العلاقات داخل القسم أو في المؤسسة التربوية ينمي الطابع الوجداني والإنساني ويركز على دينامية الجماعات وتفاعل عناصرها وأدوارها . ممارسة الأنشطة الرياضية والألعاب المدرسية وتقويتها لما لها من اثر كبير وفاعل في تخفيض حجم الضغوطات النفسية . تعزيز ثقافة الحوار والمناقشة مع مجموعة الفصل أو أفراد المؤسسة اعتبارا لمبدأ الإيمان بالديمقراطية كسلوك إنساني وأسلوب في التعامل البشري . وكذا تشجيع القراءة الحرة والكتابة الإبداعية لتخفيف حدة الضغوط وإبعاد أسباب الانحراف والعنف عنهم . استعمال وسائل تعليمية حديثة تشوق التلاميذ وتجعلهم راغبين في المعرفة زاهدين في الشغب , فكثيرا من الفوضى داخل الفصول ليس ناتجا عن سوء أخلاق التلاميذ , ولكنه ناتج عن سوء تصرف المربي وعن عقم طرقه في التدريس .(محمد بن عبد العزيز الدباغ) ضرورة إلمام المدرسين بالدراسات والعلوم التربوية النفسية منها و البيداغوجية حتى تساعده وتدله على معرفة أعماق تلامذته وعلى الترابط بين تكوينهم النفسي وتكوينهم الجسدي و عندئذ تستغل تلك المعرفة لإحداث الملائمة بينهم وبين طرقه التعليمية ومواقفه التربوية. حسن الاقتداء بالمدرس في سلوكه وأخلاقه , فالعلاقات الإنسانية التي يبنيها المدرس تحقق له الفعالية وتعود على المتعلم بالنفع والإيجاب وبهذه العلاقة الإنسانية يبني صرح الثقة بينه وبين الآخرين , وتتحول الى علاقة ارتباطيه بينهما والى نوع من الانجذاب وزيادة الترابط فيتمثلها التلميذ ويسعى لاكتسابها والتحلي بها (ضبط النفس – الاتزان – عدم القلق – تقبل الرأي الآخر- روح المرح – الفكاهة – مكارم ألأخلاق) إن علينا أن نسعى جادين لإزالة كل الضغوطات النفسية التي تؤدي إلى أمراض عضوية والى عدم التركيز وعدم الانتباه وتشتت الذاكرة. وعلينا آن لا نسمح لتأثير التهديد والمؤثرات المحيطة أن تشكل عائقا في مجريات حياتنا التربوية. *مدير ثانوية