صدر حديثا عن « دار القرويين للنشر والتوزيع بالمغرب» ، للدكتور امحمد أمحور كتاب في 251 صفحة من القطع الكبير بعنوان «بلاغة الخطاب عند أبي حيان التوحيدي»، يشكل إضافة نوعية يغني المكتبة الثقافية والعربية ومرجعا جديدا للباحثين المتخصصين وغير المتخصصين في الأدب العربي القديم. ويعتبر الكتاب موضوع أطروحة جامعية،حاول الكاتب من خلالها الإجابة عن مجموعة من الأسئلة،حول كيفية كتابة تاريخ الأدب العربي،والطبيعة الانتقائية لهذا التأريخ الذي غيب بعض الكتابات الأدبية من التداول والانتشار. فما هي الكتابة الكفيلة بتمثيل روح العصر؟ ومن هم الكتاب الذين يمثلون روح العصر؟ أيعد تاريخ الأدب العربي تأريخا لسير الكتاب والمؤلفين على تعدد أنواعهم أم تأريخا للنصوص؟ وشكلت هذه الأسئلة الإشكالية أهم دافع للكاتب للاشتغال على كتابات التوحيدي واستخلاص أهم مكوناتها وبيان علاقتها بمفهوم الأدب في القرن الرابع الهجري،علما بأنّ ما وصلنا من معلومات حول الحياة الشخصية والعامة للتوحيديّ هي معلومات قليلة، أمّا المعلومات المؤكدة فهي ما ذكرها أبو حيان بنفسه في مؤلّفاته؛ وذلك نتيجة تجاهل مؤرخي عصره له، غير أن كثيرًا من المتأخرين في زماننا، قد عرفوا له مكانته وحقه، وراحوا يفردونه بالكتب والمؤلفات والمقالات والدراسات. وتجدر الإشارة الى أن البحث في كتابات أبي حيان التوحيدي ليس ترفا فكريا بقدر ما هو حاجة ملحة يفرضها مفهوم الأدب، كما صاغه من خلال ثراء تجربته الكتابية ، حيث تمكن من قراءة ثقافة عصره بجهاز معرفي وثقافي مستمد أساسا من البيئة العربية، مع انفتاحه على مرجعيات ثقافية ومعرفية أخرى وافدة عليها. لذا ينعت التوحيدي من قبل الكثير من المتخصصين بأديب الفلاسفة أو فيلسوف الأدباء، نظرا لتنوع مواضيع كتاباته،من الأدب والعلوم والبلاغة والفلسفة،ولطبيعة كتابته المتميزة بكثرة الأسئلة الوجودية، حيث يمكن اعتبار أغلبها سيرا ذهنية معرفية تتضمن صورا وقسمات ذاتية وإشارات صوفية . لذلك ، واعتبارا لخصوصية تجربة التوحيدي ، وفي منحى مخالف لبعض الدراسات والأبحاث التي ركزت اشتغالها على موضوعات الكتابة لديه انطلاقا من شخصيته ذات المعارف الموسوعية والشمولية، آثر الكاتب البحث في بلاغة الخطاب لدى التوحيدي،المتميز بالحجاجية والجدال وتبني صيغ التساؤل والاستفهام، وفق نسق تواصلي لغوي مؤثث بفراغات تشكل شفرات ، تحتاج إلى من يعمل على فك رموزها لتيسير قراءة التوحيدي لدى شريحة واسعة من القراء .