الثورات العربية والأدب، الكل يفكر بهذه الآلية. وهناك من لا يفكر أبدا. علينا أن ننتظر كثيرا حتى تظهر آثار هذه الثورات. التاريخ فاعل في الأدب، وآثاره لا تكون دائما ظاهرة ومباشرة، لكنه موجود باستمرار في الأدب، يتسلل إلى الأسلوب ويغلف الأفكار.التاريخ الثورات، التغيرات، الذبذبات التي تسري في المجتمعات، كلها موجودة لكنها غير ظاهرة، إنها تختبئ في النص كالقنفذ، وعندما نمد يدنا يلسعنا شوكه. الشعريون والتأويليون، بل وحتى الشكلانيون، يعون هذه الحقيقة التاريخية/الأدبية. لكن الثورات دائما تنتج شيئا عظيما، تعرف لماذا؟ لأنها تغير الإنسان أولا، وإذا تغير الإنسان تغير كل شيء. درست الناقدة والمنظرة الفرنسية "بياتريس ديديي" في كتابها "كتابة الثورة، 1789-1799) (بوف،1989) التغيير الذي أحدثته الثورة الفرنسية في الأدب والفن الفرنسي، الموسيقى خصوصا. لكنها أكدت أن أدب الثورة الفرنسية ليس معروفا بالشكل الكافي والصحيح، بل إنه من الموضوعات المهملة، ووضعت خطاطة تراتبية للأجناس الأدبية التي تناولت الثورة. إننا من جديد، بعد جان بول سارتر، أمام مقولة الالتزام، وأمام قضايا الكلاسيكية الجديدة. حقيقة ذلك هي التالية: الفكر الثوري (أو فكر الثورة) لا يعبر عن نفسه بالضرورة في الفن الطليعي، في فن الحداثة وما بعدها. وهنا لابد من التأكيد أن سارتر في كتابه "ما الأدب؟" قد نفى عن جنسي الشعر والموسيقى صفة الالتزام. حسب هذا المنطلق، لا ننتظر من الأدب العربي الطليعي، الحداثي وما بعد الحداثي، أن ينقل فكر الثورة. لكن يمكن أن نطبق عليه فكرة شوك القنفذ. الثورات لا ينقلها سوى الأدب الملتزم، والأدب الواقعي. ولنا في الآداب المغاربية مثال الثورة الجزائرية التي أنتجت رواية "نجمة" للكاتب ياسين، ورواية "اللاز" للطاهر وطار. وما زالت الثورة، رغم مرور عقود عليها، تبث شوكها في الأدب، هنا نذكر رواية "البحث عن العظام" (بالفرنسية) للروائي والشاعر الجزائري الشهيد "طاهر جعوط"، وهي عودة إلى الدعوة إلى البحث عن رفات شهداء الثورة الجزائرية. والطاهر وطار نفسه كتب مجموعة قصصية بعنوان" الشهداء يعودون هذا الأسبوع". وواسيني الأعرج عاد إلى الأمير عبد القادر في روايته "الأمير". ولا ننسى الرواية اللبنانية: روايات إلياس خوري، ورواية "عودة الذئب إلى العرتوق" لإلياس الديري، روايات رشيد الضعيف. لننصت أيضا إلى الزجل اللبناني، إلى شعر الجنوب، إنه شيء مدهش إلخ...إننا ننتظر ما ستفرزه الثورات العربية، لابد أن نقرأ شيئا عن ليبيا في روايات قادمة للروائي إبراهيم الفقيه، وروايات مصرية، خصوصا بأقلام الروائيين الشباب الذين يفور دمهم لما يحدث ببلدهم. ولا نستثني اليمن والبحرين وسوريا التي بدأ فيها نبيل سليمان يفكك الخيوط الشيطانية التي تعبث ببلده، والعراق يحدث فيه شيء مهول ومخيف هو نتيجة مؤامرة عالمية. الفلسطينيون يكتبون ثوراتهم منذ عقود. العالم العربي سيكون أيضا موضوعا لروايات سيكتبها كتاب أوروبيون ليصفوا الموت الذي جاء من بلدانهم ليشرب من دمنا.