راهنية الصحة يطبعها في 2014 عزم الحكومة المغربية على تحرير الاستثمار بالمصحات الخاصة. المبادرة ترتدي باسم محاسن المنافسة حلة الرفع من الجودة والتحكم في تكلفة العلاج ولأنها تندرج ابتداء من 2012 على الخصوص في مسلسل يتسم بتسارع للأحداث المؤطرة لتشييئ الخدمات العمومية، فإنها تطرح سؤال وقعها على النظام الصحي جملة وتفصيلا. لذا فإن التجاوب معها لا يقتصر على الأقلية القادرة على الولوج للمصحات الخاصة. فبما أنها ترتبط بالآلية المتأخرة والمكلفة والمتفاوتة الجدوى في التصدي للمرض. فإنها تؤسس لاحقا لتكريس نظام العرض والطلب على حساب تلبية الحاجات الأساسية. ولنفس السبب لا يحق فصلها عن الاستراتيجية السارية المفعول عموما، وبصدد منظومة العلاج على الخصوص. وهذا ما يدل على أن التجاوب معها لا يقوم على الافتراضات المتعددة- وإلى حد التنافي - والمتغيرة بقدر ما يقوم على تشريح جسدها السياسي. في هذا السياق يفتح الاتحاد الاشتراكي ابتداء من 2 دجنبر 2014 ، برحاب المؤسسة التشريعية، الحوار الرامي إلى تنسيق المواقف المرتبطة بمصير النظام الصحي. ويقينا منه بقيام كسب الرهانات على تكامل وانسجام الأدوار ضمن مشروع مجتمعي مشترك، عادل ومنصف، واقعي وقابل للإنجاز يمنح لتبادل الرأي أهمية أبرز روافع الأفضل. ولكي تتوفر شروط إنعاش الصحة الموثوقة، يضع بعض ملامح النظام القائم على أنظار سائر الفرقاء. فكما تنص عليه »الحسابات الوطنية للصحة« في نسختها الخاصة بسنة 2010، لا تتجاوز النفقات الإجمالية للصحة 1450 درهما للفرد في السنة، ومما تجدر الاشارة أن : أولا: تجاوز المساهمات الاجتماعية المباشرة من سقف المستطاع (53,6% من النفقات الإجمالية بالإضافة لواجب الانخراطات في صناديق استرجاع المصاريف. ثانيا: انتقال عدد المندمجين في النظام الإجباري على المرض من 25% إلى 33% بين 2005 و2010 ،واسترجاع المصاريف خلال نفس الفترة من 17% إلى 18,3% من النفقات الإجمالية للصحة. ثالثا: تخصيص ما يناهز 90% من الميزانيات المرصودة للاستهلاك الطبي. رابعا: الثبات على اتساع الفوارق المجالية والإجتماعية في الولوج للخدمات الأساسية بتزامن مع تكاثر المخاطر المرضية من جراء الضغط المضطرد على الموارد والأوساط البيئية، سواء بالقرى أو الحواضر. خامسا: استمرار الارتفاع الصاروخي للفاتورات سواء بالمصحات الخاصة أو بالمستشفيات العمومية. ولابد بهذا الصدد من الإشارة لعجز *حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وصلت فيها النفقات الإجمالية للصحة في 2010 إلى 8534 دولارا للفرد في السنة، عن ضمان الولوج للعلاج لسدس مواطنيها. هذه المؤشرات وغيرها تلتقي في الحكم على البحث عن سد الثغرات في منطق إثارتها، مسبقا بالفشل. وهذا ما خلص إليه الرئيس الأمريكي السيد أوباما عندما رفع شعار التماسك الإجتماعي في حملاته الانتخابية ابتداء من 2008 من أجل إنعاش الصحة بأكبر دولة اقتصادية في العالم. وتأكيدا على تنافي التشييء مع الولوج للخدمات العمومية، وبالتالي مع رافع التنمية الأساسية، يحق الاستئناس ببعض المعطيات الدولية. فبلبنان الذي يعد بلدا رائدا في التشييئ، تتجاوز النفقات الإجمالية للصحة ضعف ما تنفقه سريلانكا التي تتبنى منظورا اجتماعيا لمشروعها التنموي، بالمقابل تصل وفيات الأمهات عند الولادة ووفيات الأطفال الرضع في لبنان مقارنة مع سريلانكا على التوالي لثلاث مرات ومرتين. وفي الشيلي الذي غزاه نظام السوق، فإن الولادة بالعملية القيصرية تعرف أعلى نسبة في العالم. وهذا ما دفع حتى بالبنك الدولي إلى توجيه نداء يحث فيه الدول الفقيرة على وضع نظام ضريبي خاص بتمويل الخدمات الصحية العمومية كشرط تنموي أساسي. أما المنظمة العالمية للصحة فلقد استبقت الأحداث عندما وجهت في تقريرها السنوي منذ 1993 نداء »الاستثمار في الصحة« باعتبار المردودية اجتماعية وتنموية، ومن نفس القناعة أكد تحالف يضم 50 منظمة مهنية وحقوقية كندية في مونريال بتاريخ 02 يونيو 2010 رفضه لكل أشكال التعامل التجاري مع الصحة. وهذاما هو وارد كذلك في البيان الصادر في 29 شتنبر 2013 عن الشبكة الأوربية للدفاع عن الحق في الصحة. هكذا، وفي الوقت الذي تتراجع فيه حتى الدول الرأسمالية الرائدة عن التوجهات المتداولة ابتداء من سقوط جدار برلين في 1989 على الصعيد الإجتماعي، تبقى الحكومة المغربية متشبثة بالتوصيات البائدة والصادرة في الأخير عن اللوبيات المالية المتعددة الجنسيات. بل هناك ما يدل على تجاوز سقف تلك التوصيات. ونكتفي بهذا الصدد للاشارة إلى أن أجرأة »نظام المساعدة الطبية للمعوزين« ابتداء من 2012، تستند لميزانية معدلها 350 درهما للمنخرط في السنة (ربع المعدل الوطني، ودرهم مقابل 160 بالولاياتالمتحدةالأمريكية) وحيث أن الفئات المندمجة في »النظام الإجباري على المرض لا تتجاوز ثلث المواطنين، نظرا لعدم تجاوب الباقي مع شروط الانخراط، فإن تعويض ما كان قائما ولو في الشكل فقط (مجانية العلاج) ينطوي بجلاء على تراجع الدولة عن التزاماتها السابقة. أما النصوص التطبيقية السارية المفعول »للنظام الإجباري على المرض، فإنها تخلص، كما هو واضح أعلاه، إلى معاكسة الأهداف والمبادئ الواردة في »مدونة التغطية الصحية الأساسية (القانون 65-00 المعتمد في 2002) على أساس المعطيات السابقة، يؤكد الاتحاد الاشتراكي على تشبثه أكثر من أي وقت مضى بهويته وبمبادئه الإجتماعية في التعاطي مع الخدمات العمومية، ومن خلالها مع مشروعه التنموي. لذا فإنه يرفض التجاوب مع الجزئيات، ومن بينها المبادرة الحكومية الأخيرة، بانفصال عن الكليات المتحكمة في مصير النظام الصحي الوطني. وحيث أن الحكومة الحالية تكتفي في »الاستراتيجية القطاعية للصحة 2016/2012« بالبحث عن سد الثغرات، فإنه يلتزم عاجلا بطرح البديل. في نفس الوقت يوجه لكافة الفرقاء نداء للانتقال من الدفوعات المساندة أو المعارضة لشتى المبادرات إلى التعاطي الشمولي والمندمج مع إنعاش الصحة. وما تحرير الاستثمار بالمصحات الخاصة سوى مناسبة للمضي قدما نحو تحمل مسؤولية الاختيارات بالدرجة الأولى على الصعيد السياسي. ويقينا منه بضرورة التكامل والتنسيق، يتطلع الاتحاد الاشتراكي من خلال تبادل الآراء إلى المساهمة في إنتاج فوائض القيمة المفروضة في إنعاش الصحة. (*) عضو المكتب السياسي