إن تطور وتجدد مجالات وأنماط عيش الإنسان وتراكم المعارف العامة والخاصة يتأسس معها عرف يؤطر وينظم ويضبط العلاقات والأنشطة، كما تقتضي الضرورة أحيانا وضع قوانين وتشريعات ملزمة تقوم الدولة بضمان تنفيذها،، واعتبارا إلى أن من خصائص القواعد القانونية أنها مجردة وعامة فإنها في علاقتها بالواقع تصبح مشخصة وذات موضوع إذا توافرت شروطها، ولكي تكون عملية ومنتجة لآثارها المفترضة فلابد من تحقق وتوفر الخبرة والتجربة والفهم والإرادة، حتى تحظى بثقة المعنيين بها وتحقق المصلحة العامة.. وهذا له علاقة خاصة بحال غالبية المنتخبين الترابيين الذين يتعاطون للشأن المحلي ومنهم من هم أبعد عن فهمه وعن القيام بالمتعين على كل المسويات… إن أكثر المؤسسات هشاشة هي الجماعات الترابية التي تدرجت ما بين 1960 و 2018 . بين عدة تشريعات وصفت من مسؤولين بأنها تحدث تبعا لمستوى متلقيها وقدراتهم، فتقدمها بالتجزيئ «جرعة جرعة» إلى أن تبلغ – المؤسسات ومسيروها – سن الرشد وتكون مؤهلة للقيام بالمهام الانتدابية كاملة في علاقة باختصاصاتها، وتمثيلياتها الإقليمية والجهوية، وفي علاقة مع الإدارة المركزية وسلطة الوصاية الإدارية والمالية، ومن الإشكاليات المطروحة في موضوع نقل الإختصاصات وتوسيع سلط الجماعات الترابية نتساءل: – هل سياسة الدولة منذ الاستقلال كانت متحفظة وغير مقتنعة بدمقرطة الحياة السياسية والتدبير المحلي لعدم توفر شروط ذلك ، أو لتخوفات؟ – أم أن المنتخبين ليسوا في مستوى تحمل المسؤولية ولا تتوفر فيهم الأهلية إن لم نقل أنهم ليسوا راشدين قياسا على توصيف المؤطرين التنفيذيين لواقع الحال؟ – وهل المؤسسات المنتخبة الترابية في حاجة لتصل سن الرشد السياسي إلى ما يقارب 60 سنة ما بعد استقلال المغرب حيث تم اعتماد القوانين التنظيمية والمراسيم ذاث الصلة بإدارة الشؤون الترابية والتي ما إن شارفت على الإستكمال سنة 2018 حتى ظهر بالممارسة الميدانية أنها تحتاج إلى تصحيح وتقويم عملي وإصلاحات جديدة نتمنى ان تكون القاعدة القوية المرنة للدخول في إصلاحات عميقة بنفس استراتيجي بعيد المدى تنزيلا وصلاحية وعطاء تتجه نحو اعتماد منظومة «الحكومات» الترابية المحلية والجهوية، حتى يكون لمبدأ وقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة معناها ومصداقيتها..؟ – وهل كل الجماعات الترابية بالمغرب قادرة فعليا ومؤهلة لتكون في مستوى اللحظة والانتظارات ، ولتدخل عوالم جوهر فلسفة تمثيل المواطنين والمواطنات في علاقة بالتنمية الحقة وبناء دولة المؤسسات ترابيا…؟ أم أن هناك ضرورة لعقلنة وترشيد وتفعيل مهام ودور سلطة الوصاية والمراقبة والإرشاد والتوجيه والإستشارة والمواكبة اليومية والتقويم والتقييم المستمر من أجل ضمان تثمين الوقت، وتجنب تبديد الزمن السياسي والإنتدابي، وللتغلب على التخلف الكبير والجهل المنتشر في مجالات المعرفة بالتشريع والتدبير والإبداع والإنتاج، وفي تكامل مع قيام الأحزاب السياسية بمهامها الواجبة لتأطير مناضليها ومرشحيها ومنتخبيها الذين يفترض أن يخضعوا لمراقبة هيئاتهم التي منحتهم التزكيات كي تتحمل المسؤولية بالتشارك معهم عند نجاحهم أو تقصيرهم أو سكوت على انزلاقات وأخطاء، وإعمال مبدأ النقد والنقد الذاتي والمساءلة والمحاسبة الحزبية؟ إن اصدار وزير الداخلية المغربي لمذكرات بعدما يقارب نصف الولاية الإنتدابية 2015 . والتي منها ماكان يصدر سابقا بشكل متجدد مثل : – مذكرة اعداد الميزانيات ../ – الدورية رقم D4790 المتعلقة بضوابط التعيين في المناصب العليا بالجماعات الترابية والتي فتحت تباينا وتناقضا في مناقشة وفهم دواعي تنزيلها / – وضع دوريات ومذكرات تتضمن ضوابط وتوجيهات تربط بين القرارات التي تتخذها الجماعات سواء بدوراتها أو من الرئاسة والمفوض لهم ، أو طريقة تنفيذ الميزانية وبرامج العمل …إلخ ، حيث وقفت الوزارة وكل المتتبعين للشان المحلي على ما كان موضوع احتجاجات واستنكارات وبيانات وصراعات بالعديد من الجماعات ، ووقوف السلطات المحلية والإقليمية أحيانا بما يسمى بالحياد والموقف السلبي تجاه سلوكات وتجاوزات المسؤولين الترابيين وحتى بعض المنخبين من الأغلبيات المسيرة والذين ليسوا أعضاء بالمكاتب والذين يمنعهم القانون من القيام بأعمال الرئاسة والمكتب ..، وبوجود تداخل وخلط تعسفي وغير مقبول بين العمل الإنتدابي والعمل الحزبي بمفهومه الضيق حتى داخل المؤسسات العمومية ..، ولعل الدولة تختبر كفاءة وقدرات المسؤولين الترابيين وتنتظر تحول النتائج السلبية في التدبير إلى واقع ملموس مع ترصد القرارات والخلفيات ونتائج كل ذلك ، وانتظار ردود أفعال المعارضات والرأي العام المتتبع .. ، لتتدخل وفقا للضرورة المحققة للصلح العام وحماية المؤسسة من الإنزلاق والإنحراف عن أدوارها ومهامها النبيلة .. وهكذا نسجل : * أن العديد من الجماعات بمجرد تشكل مكاتبها شرعت في تهميش وإقصاء الأطر والكفاءات المتمرسة واليد العاملة الماهرة بل وانتهجت أساليب لمضايقة البعض منهم .. *المساس بقاعدة استمرارية المرفق العمومي ، وتعطيل تنفيذ وإنجاز واستكمال العديد من البرامج والأوراش التي قامت بها مجالس ما قبل شتنبر 2015. * اتسام الإدراة الترابية بسبب بعض مسيريها ونقصد هنا المنتخبين والمنتخبات بسلوكات تكون خارج سياقات التغير والتطور والتواصل الإيجابي مع المواطنين ، ويكون البعض منهم أحيانا أكثر رجعية من بعض البيروقراطيين المتسلطين في الإدرات التقليدية القديمة .. * قيام الأغلبيات المسيرة في العديد من المكاتب الجماعية بتعطيل الدور الدستوري للمنتخبين باعتبارهم ممثلين للساكنة و مواطنين تعلق الأمر بالحق في المعلومة ، أو إعمال قواعد التشاور والتشارك والشفافية ، أو تثمين مهام ودور المعارضة.. *ظهور العديد من الشركات والمقاولات الجديدة في العديد من المناطق مباشرة بعد انتخابات شتنبر 2015 والتي أصبحت تحظى وتنافس بالمزاحمة من له تجربة وخبرة وجودة في العمل ويحتمل أن لايكون لهم أي علم أو دراية أو حتى علاقة بالمجال الذي يشاركون فيه وينالون الأمر بالتنفيذ .. *تشكل لوبيات من الأغلبيات المسيرة تنعكس خلافاتهم وصراعاتهم وتحكمهم على قطاعات مختلفة ، وعلى الساكنة ومصالحها ، وكذا تاثر السير العادي لقطاعات حكومية محليا بذلك… *ظهور بعض الجمعيات في مجالات مختلفة بعد استحقاقات 2015. تابعة للأغلبيات المسيرة تعطل وتحجب دور وفعاليات الجمعيات التاريخية والفاعلة ، حيث يتفرغ البعض منها لمهام نصرة جماعاتها بالجماعات الترابية … *التعامل مع الجماعات وإمكانياتها وكأنها ملك خاص لبعض الأغلبيات والتي قد تصطبغ وتختلط بالعلاقات الشخصية والحزبية و العصبية المسيئة للعدالة الترابية وقواعد التسيير الديمقراطي التشاركي الشفاف … *تعطيل مبدأ استمرارية المرفق العمومي وعدم احترام التزامات وقرارات وبرامج الجماعة مما عطل وجمد اعتمادات مهمة في الثلاث السنوات الماضية في العديد من الجماعات الترابية … إلخ ..ولن نفصل في الموضوعات التي تتبعها الرأي العام على مستوى الجماعات والأقاليم والجهات والتي توضحت وانكشفت بعض جوانبها ببيانات وتوصيات ندوات ولقاءات ، أو مقالات في مختلف أنواع الإعلام الجاد ، أو وقفات احتجاجية للمعارضة أوالساكنة والمجتمع المدني تهم إختلالات وإكراهات طالت مجالات مختلفة من اختصاصات الجماعات ماليا وإداريا وتنظيميا وتواصليا .. ، ويدعم كل هذا وغيره بملاحظات وتوجيهات ومذكرات ودوريات صادرة من الجهات المكلفة بالتقويم والتصحيح والمراقبة .. إن المتتبعين للشأن المحلي كانوا ينتقدون أعطاب الإدارة المركزية من البطء و البيروقراطية ، وعدم الفعالية والمردودية ، إلى عدم استيعاب خصوصيات كل جماعة على حدة وإكراهاتها ، إلى الإنفراد باتخاذ القرارات واعتماد امتلاك سلطة القرار كآلية للإلزام ، إلى سوء تدبير الزمن العمومي .. ليتحول كل ذلك بعد عقود من الإصلاح إلى المنتخبين المسيرين للجماعات الترابية اليوم بمختلف مستوياتهم حيث أصبحوا في حالات مثل البعض ممن سبقهم أو أسوأ مما زاد الوضع تعقيدا ، ووسع دائرة فقدان الثقة عند المواطنين والمواطنات الذين أصبح العديد منهم لايبادرون إلى تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية ، وإتجاه نسبة مهمة من الناخبين والناخبات نحو مقاطعة الشأن العمومي الترابي .. إن المشرع عندما يضع تشريعات يستحضر أساسا اعتبار المواطن والمواطنة هما جوهر وجود الدولة واستقرارها وبنائها ، وذلك من أجل جعل العمل والمبادرات العمومية ترعى وتخدم مصالحهم وتنميتهم وأمنهم ، و باعتبارهم أصحاب السيادة الفعلية و مستقبل وقاعدة لنهضة الأمة .. ، وفي هذا السياق تنص المادة 2 من دستور المغرب 2011 على : (السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالإستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالإقتراع الحر والنزيه والمنتظم.) .. و ليكون الشعب كذلك مشاركا بشكل مباشر وغير مباشر في اقتراح سياسات وقرارات الدولة ، وكذا الجماعات الترابية التي تعنيه في حياته اليومية … فأين نحن من كل هذا ؟