تشهد فرنسا منذ أيام حراكا اجتماعيا نوعيا، من أهم مميزاته خروجه عن الإطار السائد والمحدد، بغياب تأطير حزبي ونقابي يوجه المطالب وينظم المظاهرات، وللوجه الجديد الذي يحمله هذا الحراك دلالات. يكرس حراك «السترات الصفراء» أولا شخصية المواطن المتظاهر، الذي صار ينعتق أكثر فأكثر من أي إطار تنظيمي بغية التجرد من جملة المعايير التقليدية، التي رسمت ملامح التفكير الاجتماعي في مجتمعات الدول المتقدمة وعدد من الدول النامية. فما كانت لترفع مطالب اجتماعية إلى الآن حتى تنال «المباركة النقابية»، وأكثر من ذلك، حتى تدور في الكواليس الحوارات المعتادة بين زعماء النقابات والمسؤولين السياسيين – إن لم يكن الوزراء أنفسهم – للاتفاق مبدئيا ومن دون علم من القاعدة – على حد أقصى من التنازلات، لا يمكن أن ينقلها حراك الشارع بأي حال من الأحوال إلى ما فوق السقف محل اتفاق المسؤولين. هذا الواقع، رواه مثلا رئيس وزراء عهد ساركوزي الأسبق فرانسوا فيون في كتاب «يمكن لفرنسا أن تتحمل الحقيقة» مبّرزا كيف أن علاقات تبدو متوترة في الظاهر بين الزعماء النقابيين والمسؤولين السياسيين، قد تخفي صلات لا تغيب عنها حفاوة تصل إلى درجة استخدام تاء المخاطبة (غير اللائقة في فرنسا عندما تتخذ المسافة الضرورية عند معرفة محدودة للشخص) بين الزعيم النقابي والوزير المعني. لكن في المشهد الذي نحن بصدده، القفزة إلى المجهول هي التي تسود. بينما أخط هذه السطور، أقرأ على شاشة قناة BFM TV الإخبارية الفرنسية: «جادة الشانزليزيه تتمترس». لعمري، لم يسبق أن قرأت عنوانا بارزا مماثلا ذات مرة. لقد دخلت فرنسا الآن سيناريو يمكن وصفه بالنفق المجهول ذي السيناريو المعتاد. مقومات السيناريو المعتاد نعرفها: حجز مستودعات الوقود وتداعيات العملية المباشرة على شبكة الإمدادات، عرقلة حركة المرور بامتياز مع قطع متقن للطرق، أما الخطوة المقبلة المجهولة فبعض معالمها الاقتصادية خاصة، قابلة للتحديد منذ اللحظة: إغلاق المتاجر والمحلات الكبرى وتبعات العملية المباشرة على معدل حجم الأعمال، دفع المستهلكين إلى التسوق عبر شبكات التواصل الاجتماعي، توجه السياح نحو إرجاء سفرهم إلى فرنسا.. فرنسا الحالية ماضية في تأزمها، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار أنه لا مخطط أسلوب الرئيس الفرنسي الجديد، ولا أسلوب عمله خارجان عن مستلزمات قيادة فرنسية رشيدة، والسبب ذكره الرئيس الفرنسي نفسه عندما خرق أصول التكتم عن السياسة الداخلية في زيارة له إلى الخارج، شرق أوروبا تحديدا، حين ألحق تصريحاته بإحدى الحقائق عسيرة الاستساغة عندنا، «الشعب الفرنسي، عند ذكر الإصلاحات، يحرن»، يحرن مثل الفرس. وعالم الإصلاحات عالم الكبوات لا محالة. وللكبوات هنا أسماء تعد وتحصى: الظرفية الدولية، صعوبة التواصل، وفوق هذين استعصاء الذهنية الفرنسية على تقبل التغيير المجتمعي. الحكومة الفرنسية تبدي استعدادها للحوار أعلنت الحكومة الفرنسية عن استعدادها للحوار مع ممثلي حركة «السترات الصفراء»، في أعقاب المظاهرات التي اندلعت، السبت، بجميع أنحاء البلاد، ورافقتها أعمال شغب في العاصمة باريس. جاء ذلك في تصريح للمتحدث باسم الحكومة، بنجامين غروفو، مع شبكة «بي.إف.إم» التليفزيونية الفرنسية، بالتزامن مع إعلان شرطة باريس إصابة 133 شخصا، وتوقيف 412 آخرين على خلفية الاحتجاجات ذاتها. وقال المتحدث: «الحوار دائما ممكن، ونحن مستعدون بجميع أعضاء البرلمان، والوزارات لذلك». وطالب «غروفو» من يرددون أن الحكومة الفرنسية لا تريد الحوار مع «السترات الصفراء» بالتوقف عن ترديد ذلك. وفي وقت سابق اليوم، نشرت صحيفة «لوجورنال دو ديمنش»، أنّ مجموعة من حركة «السترات الصفراء» بينهم جاكلين مورو، اقترحوا الاجتماع برئيس الوزراء إدوارد فيليب في إطار مقترح للخروج من الأزمة.. غيّر أنّ تأكيدا رسميا من جانب الحكومة الفرنسية بشأن ذلك اللقاء المقترح لم يتم الإعلان عنه. في وقت سابق، صرح وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير ردا على سؤال عن احتمال فرض حالة الطوارئ تلبية لطلب عدد من النقابات والشرطة مساء السبت بأنه مستعد للنظر في إمكانية فرضها من أجل تعزيز الأمن في البلاد. وقال الوزير الفرنسي لشبكة «بي أف أم- تي في» مساء السبت: «ندرس كل الإجراءات التي ستسمح لنا بفرض مزيد من الإجراءات لضمان الأمن.. كل ما يسمح بتعزيز ضمان الأمن. لا محرمات لدي وأنا مستعد للنظر في كل شيء». وكانت حالة الطوارئ فرضت بعد الاعتداءات المسلحة في باريس في 2015. وقبل ذلك فرضت أيضا بعد الاضطرابات التي شهدتها الضواحي في تشرين الثاني/نوفمبر 2005. وقال كاستانير إن المحتجين الذين مارسوا عنفا في باريس السبت هم من «مثيري الانقسام والشغب». وأضاف: «تم التعرف على حوالي ثلاثة آلاف شخص تجولوا في باريس» وارتكبوا مخالفات «ما جعل تدخل قوات حفظ النظام أصعب». وشدد على أن «كل وسائل الشرطة والدرك والأمن المدني تم حشدها» في باريس والمناطق، موضحا أن 4600 شرطي ودركي نشروا في العاصمة. وكانت نقابة الشرطة «أليانس» طلبت مساء السبت فرض حالة الطوارئ الذي اقترحته أيضا نقابة مفوضي الشرطة الوطنية. وقال نائب رئيس ثاني أكبر نقابة للشرطة فريديريك لاغاش: «نحن في أجواء عصيان». وأضاف: «يجب التحرك بحزم». هؤلاء المثقفون يؤيدون نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية تقريرا ذكرت فيه أن الوقوف إلى جانب الغضب الشعبي الذي يهز فرنسا؛ يعد أمرا مشروعا بالنسبة للعديد من أقطاب النخبة المثقفة في فرنسا. وقالت الصحيفة، في تقريرها إن العديد من المفكرين الفرنسيين عبروا، كل حسب طريقته، عن دعمهم لمظاهرات «السترات الصفراء». ولعل من أبرز هؤلاء المثقفين، الفيلسوف ميشال أونفراي والأكاديمي والكاتب، آلان فينكيلكروت، علاوة عن الفيلسوف جان كلود ميشيا. ونقلت الصحيفة ما جاء على لسان الأكاديمي آلان فينكيلكروت خلال حوار له مع قناة «سي نيوز» الفرنسية، حيث أشار إلى «السترات الصفراء» أشخاص يعبرون عن سخطهم وضجرهم بأسلوب محترم. وأضافت الصحيفة أن منتج برنامج «ردود» الذي يذاع على إذاعة «فرنسا الثقافة» قد أجرى عدة لقاءات مع العديد من الفلاسفة، على غرار الفيلسوف ميشال أونفراي والفيلسوف جان كلود ميشيا، حيث عبر كلاهما عن دعمه لحركة «السترات الصفراء». وذكرت الصحيفة أنه خلال مداخلة له في إذاعة «أوروبا» الفرنسية، دعا الفيلسوف لوك فيري، الذي سبق له أن شغل منصب وزير تربية، إلى «التوقف عن مضايقة الفرنسيين» عبر سن الضرائب. كما عبر عن تضامنه مع أصحاب السترات الصفراء معبرا «أنا أدعم السترات الصفراء، لأننا تخلينا عنهم». ونوهت الصحيفة إلى أن بعض المفكرين الآخرين عبروا في المقابل عن عدم اقتناعهم بعد بحراك السترات الصفراء، ولعل من أبرزهم المفكر برنار هنري ليفي الذي أشار في مجلة «لوبوان» الفرنسية إلى أن «تحرك السترات الصفراء لا يزال يتطلب جهدا أكبر، في حال استمراره، من أجل أن يستحق صفة الديمقراطية». وشبه برنار هنري ليفي أصحاب «السترات الصفراء» بأصحاب «القمصان السود»، وهي حركة فاشية عبرت عن غضبها خلال الثلاثينات في إيطاليا». كما شببهم بالحركة النقابية التي هزت فرنسا بداية القرن العشرين تحت مسمى «الاتحاد الوطني الأصفر في فرنسا». وأفادت الصحيفة أن لوك فيري انتقد تصريحات برنار هنري ليفي حيث قال مؤكدا: «نحن نواجه شخصيات محسوبة على نخبة النخبة في البلاد، وهي طبقة منعزلة تماما عما يحصل في الشارع. نحن الآن نعيش ثورة أشخاص ليسوا سيئين. ومن العار تشبيه هذا الحراك «بالطاعون الأسود» (مصطلح استخدم خلال القرن الماضي لوصف انتشار النازية)، بل ومن الغباء أن يقال ذلك، فالمراد به إهانة هؤلاء الناس، ويجب التوقف عن قول مثل هذا الكلام وتشبيه هذا الحراك بما حدث في الثلاثينات». وأكدت الصحيفة أنه بغض النظر عن هذا التشبيه الذي أثار جدالا واسعا، أبدى الكثير من المثقفين الفرنسيين إعجابهم بحركة «السترات الصفراء»، لكنهم لم يخفوا في الوقت ذاته قلقهم. ويتفق بعض المثقفين في عدة نقاط، لعل من أبرزها، الاعتراف بأن فرنسا تمر بأزمة عميقة في مجال التمثيل السياسي والإعلامي، حيث هناك فجوة واسعة تفصل باريس عن باقي المحافظات الفرنسية، وتفصل بين الشعب والنخبة المثقفة، وبين فرنسا العليا وفرنسا السفلى. وفي رسالة له وجهها لمن اعتبرهم «أصدقائه»، فرّق الفيلسوف جان كلود ميشيا بين حركة «السترات الصفراء» وبين حركة «ليلة الوقوف»، التي هزت فترة حكم الرئيس السابق، فرانسوا أولاند. من جانبه، كتب الفيلسوف ميشال أونفراي في مدونة له «تعجبني هذه الجاكية» (نسبة للثورة التي قام بها الفلاحون في فرنسا خلال العصور الوسطى) لأنها حسب رأيه؛ أثبتت أن فرنسا موجودة بعيدا عن الطبقة السياسية التي لا تمثل سوى نفسها. وأضافت الصحيفة وفقا لأونفراي أن هذه المظاهرات أثبتت وجود أشخاص فهموا جيدا أن هناك بديلا عن هذه الديمقراطية التمثيلية التي تفصل البلاد إلى نصفين. ووضح أونفراي أن المقصود «بتفصل» ليس الفصل بين اليمين واليسار، أو بين الاستقلاليين والتقدميين، أو بين الليبراليين ومناهضي الليبرالية، ولكن الفصل بين الذين يمثلون السلطة وبين أولئك الذين تطبق عليهم السلطة». وأوردت الصحيفة على لسان آلان فينكيلكروت تنديده «بالفكر التقدمي الذي لا يرتكز على الأخذ بعين الاعتبار لحالة انعدام الأمن الاقتصادي والثقافي التي تعيشها الطبقة المتوسطة والشعبية في فرنسا». وواصل الأكاديمي حديثه: «لكننا نلاحظ أن تفاعل الطبقة الحاكمة تجاه هذه المظاهرات يرتكز إما على الإنكار أو الازدراء، والذي يعكس حقيقة أن هذه الطبقة غير موجودة، وعندما تكون كذلك فهي إما شعبوية أو معادية للأجانب». وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن الكاتب الليبرالي، لوران أليكسندر، علق على شاشة قناة «لا شان أنفو» الفرنسية قائلا: «نحن أمام مسؤولية جماعية، خصوصا وأن مصانعنا قد أغلقت ومحافظاتنا بصدد الموت. وإذا واصلنا التعامل بأساليب دول العالم الثالث، فسنشهد ملايين السترات الصفراء. وإذا لم يكن لدينا صناعة تنافسية حقيقية، فسيتم سحقنا من قبل دول آسيا». إلى بلجيكا.. وهولندا امتد، السبت، حراك «السترات الصفراء» إلى هولندا، بالتزامن مع تنظيم الحراك ذاته في فرنسا الاحتجاج الثالث له، خلال أسبوعين، اعتراضا على ارتفاع أسعار الوقود وتكالف المعيشة. وتجمع متظاهرون في شوارع عدد من المدن الهولندية، على رأسها لاهاي، ونيميجن، ماستريخت، وألكمار، ويوفاردن إن جرونينجنو، استجابة للدعوات التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج على سياسات الحكومة. وتظاهر نحو 200 شخصا من أنصار «السترات الصفراء» أمام البرلمان الهولندي في مدينة لاهاي؛ ما دفع الشرطة الهولندية إلى إغلاق مبنى البرلمان، حسبما نقلت وكالة «أسوشيتيد برس» الأمريكية. وفي السياق، تداولت وسائل إعلام محلية أنباء تفيد بتوقيف الشرطة متظاهرين اثنين في مدينة لاهاي، وثالث كان يقود مظاهرة في مدينة ماستريخت، جنوبي البلاد. وبدأت احتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا منذ 17 نونبر الجاري، احتجاجًا على سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، وزيادة الرسوم على المحروقات. ثم انتقلت الاحتجاجات إلى بلجيكا، الجمعة، حيث شارك نحو 600 شخص كانوا في تظاهرة بالعاصمة بروكسل، اعتراضا أيضا على ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الضرائب. وتشهد العاصمة الفرنسية باريس موجة من الغضب الشعبي بدأ على إثر زيادة الرسوم على الوقود، لكنها اتسعت لتشمل مطالب تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام. ووصل الغضب إلى الجزر الفرنسية في ما وراء البحار، خصوصا في جزيرة «لا ريونيون» الفرنسية في المحيط الهندي التي تشلها حركة الاحتجاج منذ أسبوعين. وشهدت العاصمة البلجيكية بروكسل، اليوم السبت، احتجاجات رافضة لرفع معدلات الضرائب وغلاء المعيشة، في انعكاس لمظاهرات باريس احتجاجا على رفع أسعار الوقود. وأعلنت الشرطة البلجيكية، السبت، إصابة 12 من عناصرها بجروح جراء اشتباكات اندلعت مع متظاهري «السترات الصفراء» في بروكسل. ونقلت صحيفة «براسلز تايمز» المحلية عن الشرطة قولها إنه تم إلقاء القبض على 74 شخصًا جراء الاشتباكات التي اندلعت بسبب محاولة المحتجين الاقتراب من منشآت حكومية. يتوقعون عن ماكرون تناقل نشطاء فرنسيون صورة للرئيس إيمانويل ماكرون، توقعوا فيها نهاية لحكمه مشابهة لنهاية حقبة الملكية في فرنسا، حيث كانت آخرها الملكة ماري أنطوانيت. وخلّفت أحداث العنف التي تشهدها عموم المدن الفرنسية اعتبارا من 17 نونبر الماضي، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، حصيلة ثقيلة للغاية، حيث توفي شخصان، وأصيب 780 شخصا، بينهم 141 عنصر أمن، ووصل عدد المعتقلين إلى 794 شخصا. وكتب مغردون على الصورة التي تمزج بين ملامح الملكة ماري أنطوانيت ووجه ماكرون، قول الأخير تعقيبا على الاحتجاجات في البلاد على رفع أسعار المحروقات: «فليشتروا السيارات الموفرة للوقود». وبذلك، فإن النشطاء يشيرون من خلال نشر الصورة وتعليق ماكرون إلى ما كان من أمر زوجة آخر ملك لفرنسا حين قالت عندما أخبروها بأن الفرنسيين لم يعد لديهم خبز: «فليأكلوا البسكويت»، وكان الشعب يتضور جوعا. واتهمت ماري أنطوانيت بخيانة فرنسا، وسيقت إلى الإعدام أمام الجموع في باريس إلى ساحة الباستيل، حيث وضعها الفرنسيون في عربة مكشوفة ليراها الجميع، بعد أن شاب شعرها بأكمله، مرتدية رداء أبيض بسيطا. وتم قطع رأسها في 16 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1793، ويقال إن آخر كلماتها كانت «عذرا، سيدي، لم أقصد أن أفعل ذلك»؛ ذلك لأنها دهست ساق الجلاد حين كانت تصعد إلى المقصلة. وماري أنطوانيت هي زوجة الملك لويس السادس عشر، آخر ملوك فرنسا قبل الثورة الفرنسية، وفي نهاية عهده قامت الثورة الفرنسية وأدت إلى الإطاحة بالحكم المطلق. لماذا السترات الصفراء أطلق على مجموعات الاحتجاج هذه «السترات الصفراء» في إشارة إلى السترة الصفراء المضيئة التي يتعين على كل سائق في فرنسا أن يحتفظ بها في سيارته وذلك بغرض جعله في موضع رؤية أفضل في حال حدوث حادث سير. وهي تحتج على زيادة سعر الوقود وفرض رسوم عليها على شكل ضريبة بيئية، وأيضا ضد السياسة «الظالمة» للحكومة التي تمس بالقدرة الشرائية. غير أن أحدا لا يعرف مدى اتساع حركة الاحتجاج، حيث أنها تبدو تلقائية إلى حد كبير. وقال كيفن دوجاردين (27 عاما) وهو أحد المحتجين إن «الحركة غير سياسية وغير نقابية. إنها صرخة عامة لشعب فقد طاقته على الاحتمال». وتراوح رد فعل الحكومة في الأيام الأخيرة بين التهديد والتهدئة وقال وزير الداخلية إدوار فيليب إنه «بالإمكان التظاهر» لكن «ليس مقبولا» إغراق البلد في حالة شلل. وأعلنت الحكومة، الأربعاء، زيادة المساعدات المخصصة للأكثر فقراً حتى يتمكنوا من تغيير سياراتهم أو دفع فواتير المحروقات. وفي اليوم ذاته اعترف ماكرون بشكل غير مسبوق بأنه لم «ينجح في مصالحة الشعب الفرنسي مع قادته» الأمر الذي جعل منه أحد شعارات حملته الانتخابية. «غضب عام» وتأتي حركة الاحتجاج هذه بعد سنة صعبة للرئيس الفرنسي مع تظاهرات ضد برنامج «تغيير» فرنسا الذي طرحه، لكن تلك التظاهرات لم تنجح في وقف عجلة الإصلاحات. في المقابل تراجعت شعبية ماكرون إلى ما دون 30 بالمئة وهو أدنى مستوى لها منذ انتخابه في 2017. في الأثناء تلقت حركة «السترات الصفراء» دعم 73 بالمئة من الفرنسيين بحسب معهد الاستطلاع ايلابي. وأوضح فنسنت تيبو مسؤول الدراسات في المعهد أن «54 بالمئة من ناخبي ماكرون يدعمون أو يتعاطفون مع هذه الحركة. وهذا أمر ليس بالقليل». من جانبه قال جيروم سانت ماري رئيس معهد بولينغ فوكس للاستطلاعات: «هذا يشكل نجاحا لدى الرأي العام». وكتبت صحيفة لوباريزيان: «سواء كانوا بضعة آلاف أو عدة ملايين وسواء تمكنوا من شل البلاد أم لا، لقد نجح أصحاب السترات الصفراء (..) وذكروا قادتنا بان الرسوم البيئية مآلها الفشل إذا تجاهلت الواقع اليومي لمن تخصص لمساعدتهم». ورأى جيروم سانت ماري أن «هذه الانتفاضة أخطر من سابقاتها لأنها تملك القدرة على الاتساع لتشمل أربعة أخماس المجتمع أي كل من يملك سيارة ولديه دخل متواضع». وأوضح الخبير «أن إيمانويل ماكرون يواجه صعوبات كبرى أمام شعب الوسط والفرنسي متوسط الدخل الذي لا يشعر أنه محبوب من ماكرون لأن (الرئيس) يجسد نوعا من النخبة الباريسية والاجتماعية والثقافية». من جانبه اعتبر فنسنت تيبو أن «صورة رئيس الأغنياء لازالت ماثلة بقوة و(ماكرون) يجد صعوبة في النأي بنفسه عنها». وحركة «السترات الصفراء» تجمع بين الغضب والإحباط وهي أيضا «نتيجة اتهامات وتراكم الهفوات» في تصريحات ماكرون عندما تحدث عن الناس العاديين. واعتبر تيبو أن رفع أسعار البنزين ليس إلا «صاعق تفجير (…) فالاستياء عام». من جهته رأى سانت ماري أن «تراجع شعبية ماكرون يستفحل. وهناك أرضية ملائمة ووقود» جاهز للتفجير. وعنونت صحيفة ليبيراسيون اليسارية «ضريبة البنزين: القطرة التي جعلت الكيل يطفح». وكتبت «أن اتساع الحركة يعود لسيبين، أن ماكرون لم يفشل فقط في مصالحة الشعب مع قادته بل انه زاد من الهوة التي تفصلهما».