يقدم حميد الدويب نموذجا بليغا للمبدع غير المكترث، المبدع ذي الإيمان الصلب بمبادئه كتشكيلي لا تحفزه سوى متعة إبداع أعمال أصيلة، تحكمها صور ، إلا أنها صور جوهرية، محتواها بعيد كل البعد – حتى نستعير الصفة الأثيرة لديه – عن دروب مريدي التهاون التي ينظر إليها الفنان بطرف العين. يغتاظ الدويب وهو يتأسى لكون الأروقة « لم تعد تسأل الفنانين إذا كانوا يحسنون الرسم، بل إذا كانت لديهم أفكار». يفسر هذا السلوك حماسة زمن ولى، سنوات الاجتهاد الصبور والحازم؛ حين كان التشكيلي يقتني أصباغه، يعدها هو نفسه، ينتابه إحساس الطباخ الشغوف، حتى الأعماق، بأطباقه، قبل الشروع في العمل، في ظل طقوسه الخاصة به. إنها فترة تأني وتفكير جعلت حميد الدويب يحيط نفسه بالتزام صارم، يقوم على مبادئ أصيلة وانخراط من غير ضجيج، ببروكسيل سنة 1978، في تيار يسبر أغوار تشخيصية نقدية تمجد كامل حرية الفنان، ترفض الصرامة الحصرية، إلا أنها تعامل المجال، نوعية وحرفية، بالاحترام اللائق به. إنها المرة الأولى حيث يشعر حميد الدويب، كما صرح لي هو نفسه، بالانتماء إلى أسرة فنية، أسرة مجموعة فنانين ينكبون بتفان في انساب تخصهم. وبعد مرور خمسين عاما، لا أدري إذا ما كان حميد الدويب قد انتبه أم لا إلى كون التشكيلي – كما لو كانت تدفعه الحاجة لتأسيس أسرة جديدة – يجرب، يتحايل ويمضي في أعقاب الجديد، إلا أنه يظل متمسكا بمبادئه الصلبة المتهكمة من الأسلوب المريح والتكراري. يظل كل شيء جنينيا، بالنسبة للدويب الذي يعتبر المفهوم مجرد محفز للرؤى، أو للهذيان الإيكونوغرافي بالأحرى. سواء تعلق الأمر بالمرأة التي ظلت لوقت طويل لا تحظى باهتمام تفضيلي، باليد السخية والثرية بالتعبيرات وبالرمزية، فإن « الموتيف « الإنساني أو المستمد من اليومي بكل بساطة، مبرر لا غير، إن لم يكن نقطة الانطلاق باتجاه الجرأة، باتجاه الحمق الذي نادرا ما يتنكر له الفنان. فما هو شاذ علامة على الإبداع؛ يحرص الفنان على تأكيده بالصورة المدهشة، غير المألوفة، بدرجة أعلى للرؤى تتاخم الحُلمي. يُطلق حميد الدويب العنان للاعترافات: « إننا لا نصنع سوى الحلم، الهواء إن شئت «. أ هو التواضع المزيف لفنان أم اعترافه الملموس؟ إن الصورة الحديثة الولادة، التركيب غير المستهلك بعد، الرسالة الضمنية التي يفترض أن يثيرها الموضوع، ترسانة بكاملها تشهد على تقصي جموح يشهد، بدوره، على فكر تشكيلي لا يمل الفنان من التصريح به من خلال الصورة والخطاب. أ هو البحث عن نموذج، عن سراب؟ كامل العذوبة! أ هي سعادة العمل التي سرعان ما نهجرها؟ للفنان دوافعه التي لا تخص سواه: « الخطورة الكبرى، بالنسبة لي، هي راحة الاستقرار في أسلوب معين. الراحة تقتل الإبداع «. وعلى الراغب في الفهم أن يجتهد هو أيضا…! مع ذلك، فحميد الدويب ليس لا عدميا ولا نزويا. إنه مقتنع، فقط، بأن التصوير الفني، التشخيصية لم تمت، بأنها تظل أفضل رسالة لتبليغ ما نحسه، بأن « الصورة تظل الناقل الأساسي القادر على التوجه إلينا جميعا، إلى كل واحد من «. رغم نوع من الحساسية المعلنة تجاه أوجه المبالغة التي تطبع الفن التصويري، يرفض حميد الدويب حصر حريته كفنان من غير صرامة تخص المهنة وتناغم المنجز الفني، إلا أنه يُقر بارتباطه اللا مشروط بالتشخيصية. أكثر من ذلك، يعترف التشكيلي، من خلال الفعل، بأوجه القرابة التي تجمعه بالتشكيليين الماضين في الدرب نفسه لإحاطة التشخيصية إياها بحروف نبلها، إلا أن الطريقة مغايرة هذه المرة، بما أن حمضها النووي قوامه: الجرأة، الاختلاف، الابتكار. كل ذلك من خلال صور تشخيصية، تشخيصية يتم تقديمها على نحو مغاير.