جاءت المتعة في شريط المخرج الأمريكيّ سكوت سبير (1982) المعنون ب»Midnight Sun» إنتاج 2018)، كرافعةٍ لقصّته، وعنصرًا أساسيًا فيه، ما يعني أنّها، بشكلٍ أو بآخر، الجزء الذي منحه سبير القدر الأكبر من اهتمامه باعتبارها، أوّلًا، مسألةً حاسمة لجهة تحديد نجاح شريطه هذا أو فشله. وثانيًا، لأنّ أحداث الشريط التي سلكت خطًّا متعرِّجًا يَصعد ويَهبِطُ بمشاعر المشاهد، صوِّرت بطريقةٍ تضمن لسكوت سبير إثارة هذه المتعة التي جاءت مصحوبة بمسحة خفيفة من الخوف؛ الخوف الذي لا نقصد به الرعب هنا، وإنّما ذلك الذي من شأنه أن يُثير تعاطف المشاهد مع ما يراه أمامه. نقف في فيلم «Midnight Sun» أمام قصّة بأحداثٍ قليلة ومتَّزنة. إنّها قصّة لم يُبذل أي جهدٍ يُذكر في سبيل صناعة أحداثها أو صياغتها، ذلك أنّ أحداثها جاءت مُلتقطة من الحياة الشخصية لبطلة الفيلم كاتيا برايس (بيلا ثورن). والحياة التي تعيشها كاتيا، بدت منذ الدقائق الأولى للشريط حياةً رتيبة ومملّة. إنّها ليست حياة بقدر ما هي مجرّد روتين اعتادت الفتاة الشابّة على ممارسته يوميًا في غرفتها الصغيرة، والتي جاءت في الفيلم بديلًا عن الحياة التي يعيشها البشر خارجها، غير أنّها ظلّت بديلًا ناقصًا لا يفي بالغرض، ولا يصحّ أساسًا اعتباره بديلًا. يجول بنا سكوت سبير بكاميرته في غرفة كاتيا التي يبدأ يومها فيها مع غروب الشمس، وينتهي مع شروقها. هنا، نعرف أنّ الفتاة تُعاني مرضًا وراثيًا نادرًا يمنعها من التعرّض لأشعّة الشمس التي سوف تحرق جلدها سريعًا، وبالتالي، إصابتها الحتمية بسرطان الجلد. ما يمنعها أيضًا، وبطبيعة الحال، من الخروج من المنزل نهارًا. نتعرّف إلى هذا كلّه من خلال كاتيا نفسها التي تسرد في الدقائق الأولى من الشريط تفاصيل ذات أهمّية في حياتها؛ تفاصيل جاءت مصحوبةً بمشاهد بصرية قصيرة على شكل استعادات أراد منها سكوت سبير أن تُضفي على ما تسرده الفتاة طابعًا حميميًا من شأنه أن يكوّن لنا انطباعًا أوليًّا عن حياتها وسلوكها. هكذا، تُخبرنا أنّ والدتها توفّيت في صغرها، وأنّ والدها كان مصرًّا بعد حادثة الوفاة على التفرّغ لرعايتها، والانصراف عن فكرة الارتباط بامرأة أخرى بعد زوجته. هنا، تتوقف قليلًا قبل أن تبدأ بسرد حكاية إعجابها بتشارلي (باتريك شوارزينغر)، الذي تقول إنّها اعتادت منذ صغرها على مراقبته من نافذة غرفتها أثناء مروره بجوار منزلها، ليصير الأمر، شيئًا فشيئًا، حبًّا خالصًا ومستحيلًا في الوقت نفسه. أخيرًا، نعرف أنّ لديها صديقة وحيدة تُدعى مورغان (كوين شيبارد)، وأنّ الأطفال في صغرها كانوا مصرِّين على أنّها فتاة مخيفة وغريبة الأطوار، ولربّما تكون مصّاصة دماء أو وحشًا يخرج ليلًا فقط. عند هذا الحد، تنتهي كاتيا برايس من تقديم نفسها للمشاهد، مُشكِّلةً عنده انطباعًا كافيًا عن سلوكها الذي يظهر هادئًا أو لنقل متعايشًا مع ما فُرض عليها رغمًا عنها. وأيضًا، انطباعًا كافيًا عن صورتها كفتاة مُنعزلة تسير حياتها المملّة وفقًا لما يريده لها مرضها، وأقصى ما تتمناه أن تحظى ببضعة دقائق قليلة تُمضيها خارج غرفتها نهارًا. هكذا، تؤهِّلنا كاتيا لدخول عوالمها البسيطة، وتفتح الباب شيئًا فشيئًا للأحداث التي تشكّل النصف الثاني من «Midnight Sun». الأحداث التي تبدأ بلقائها – كاتيا – تشارلي صدفةً في محطّة القطار، حيث كانت تُمارس هوايتها المفضّلة التي ورثتها عن والدتها، وهي العزف على الغيتار. أربك هذا اللقاء السريع والسريع جدًا كاتيا. وفتح الباب على مصراعيه أمام حياة جديدة وصاخبة سوف تعيشها برفقة تشارلي، إذ تحوّل خجل اللقاء الأوّل إلى علاقة حب متبادلة، ما لبثت أن تحوّلت هي الأخرى إلى خلاص ونجاة من هول ما عايشته في غرفتها لسنواتٍ طويلة من ملل وبؤس بدأ ينسحب لصالح الليالي التي كانا يقضيانها معًا في شوارع المدينة. وهكذا إلى أن بدأت كاتيا ترى في هذه العلاقة ردّ دين مؤجّل، أو لربّما تعويضًا صريحًا عمّا كابدته في حياتها. لذا قرّرت أن يظلّ مرضها سرًّا كيلا يُفسد علاقتها تلك، ولكنّ ما حدث فجأة جاء على عكس ما خطَّطت له: لقد تعرّضت لأشعّة الشمس أخيرًا دون قصد.