أن يقرركاتب (ة) كتابة قصة قصيرة، لهو في رأيي أنا الموقع أسفله قرار قدري لا يختلف عن الفكرة المتوقدة واليقظة التي قد تنتهي أخيرا بمخاض ثم بيوم يشرق بشمس الخلق المكين. أن تقرر أنت الموقع أسفله كتابة قصة قصيرة، يعني أن تحسم في حياة عالم ميكروسكوبي، مصغر، تشيد له حياة وموقعا في مجرة أقمار الإبداع الحكائي التي تحوم في سماواتنا المبهمة. هذه بعض الأفكار التي عنت لي وأنا أتوقف على رصيف صفحة وورد word عذراء تستفزني ببياضها المغري... فكرت إذن أن أكتب قصة قصيرة بعد سنوات طويلة من الجذب ومن العطالة السردية، بعد أن أيقنت أن أية قصة من قصصي السابقة الحالمة بعرس ربيعها القادم، لم تغيرالعالم في عيني كما كنت أتوهم دائما.. فالعالم ظل هونفسه بعينيه الجاحظتين في عيني بكل وقاحة.. لم يتململ قيد أنملي هذا، أعني سبابتي.. ويقينا لن يتحرك البتة حتى بألف قصة وقصة وبألف ليلة وليلة بل حتى لو إجتمع قصاصوا الإنس والجن (غوغول وزفزاف وبورخيس وشمهروش وعيروض) وغيرهم، فإن أجمل قصصهم وأبلغها تأثيرا.. وأعتاها حبكة وبيانا لن تغيرالعالم قيد أنملة وأنمل معا..! أجمل اكتشاف إذن حصدته يداي وأنا أحصي رصيدي القليل من القصص في مدينة الحكايات البابلية أنني تحللت من ذلك الوهم الدونكيشوطي الذي لازمني منذ أول قصة قصيرة داهمتني في طريق الكتابة... واليوم أعترف بعد كل هذا القحط الإرادي الذي ضرب ربوع خيالي أنني أكتب قصة تحت الطلب، بدعوة من كاتب مخبول يرتع منذ سنين في أوهام الثروة اللامادية لجنة الأدب والأفدح من كل هذا أن كاتبنا المخبول هذا يكتب خلف إسم مستعاريجمع الأدباء كلهم على أن نبرته مقرفة ومقززة في السمع هههههههه. أقول لأول مرة أكتب قصة قصيرة بطلب منه، كما لوأن قصتي القادمة تحت الطلب سيدة فلبينية تعتاش على عرض رحمها للتخصيب الإصطناعي نزولا عند رغبة كل الزيجات العقيمين. المهم أن هذه القصة القصيرة اليوم سوف تحمل بعضا من ملامح صديقي الكاتب وأهمها لونه الإفريقي الخلاسي القمحي . لماذا ؟ ببساطة لأنها بطلب منه. صباح هذا اليوم ووفاءا لوعدي ومن دون تحديد خطاطة أولية لقصتي تحت الطلب فتحت حاسوبي المتلفع في معطفه الغوغولي الرمادي.. حاسوبي الذي بات منذ عشر سنوات مأواي الإفتراضي وملاذي للهروب من قرف مسوخ الواقع إلى سراب العوالم الإفتراضية... فتحت نافذة وورد عذراء وكتبت هكذا كالأبله ومن دون التفكير في عواقب ما سوف يقترفه عنواني من جرم وتلبس وشبهة : متى يأتي الربيع؟ فجأة ومن حيث لم أدر إستلقى حاسوبي على قفاه وانفجر ضحكا (كا.. كا.. كا.. كا.. كا) .. كانت ضحكات مجلجلة تطفح شماتة حين فطن إلى أن عنوان قصتي القادمة موثق في الأرشيف الرقمي للعفريت محرك البحث غوغل وأنه قد يجرني إلى فضيحة السرقة الأدبية الموصوفة إذ أن هذا العنوان الجميل المومض (متى يأتي الربيع) بحسب السيد غوغل يوجد في إحدى كتب التلاوة الإبتدائية القديمة، وهو من دون شك قد قفز من دهاليز لاشعوري الطفولي باعتباره إقرارا صارخا بحالة التصحر والجدب التي تحدثت لكم عنها قبل قليل. قلت لابأس، مادام أنه من حقي الأدبي والطبيعي أن أختار عنوانا لقصتي القصيرة القادمة أتساءل فيه بكل وضوح وحرية شخصية: متى يأتي الربيع؟ تزاحمت على حين غرة أسماء الأشجار والأزهار والطيور والأنهار وتدفقت الشلالات الصقيلة من حولي وهاجمتني الفراشات من ورائي وأمامي... أخذت قطعة من الشمس الدافئة والناعمة وثبثتها بدبوس جملة إسمية في ناصية النص وسحبت برفق بساطا مزركشا من فقرة وصفية من تحت الشمس ونفخت بجملة أمرية نسيما عليلا ، وسرعان ما لمحت الأزهاروالورود والأغصان تتمايل أمامي ومويجات النهر الخالد تتلاحق بعضها ببعض في توأدة رائقة... وكما هي عادتي كلما شرعت بوابة الطبيعة في وجهي إلا وأعود لأغبط آدم وحواء على تلك الهنيهة البدء في تاريخ البشرية.. تلك النعمة الأزلية العذراء التي إستفردا بها لوحدهما في خلوتهما المهيبة في خلاء الكون وهما ممددان على ظهريهما جنبا إلى جنب بعد أن اكتشفا بالغريزة نشوتهما الجنسية الأولى في دهشة وحيرة أزلية.. من دون خجل ومن دون أن تشغل فكريهما رقابة طابوهات مخلوقات مثلهم ومن دون إهدائها صداقا غير صداق السكينة التي يلتحفان بها.. وفي لحظة وقبل أن أقفل الحاسوب وأؤجل إتمام لوحة (ربيعي) القصصية تناهى إلى مسمعي جلبة وضجيج يهزالشارع.. فتحت النافذة السفلى فلمحت جحافل وحشودا من الشباب رافعين الشعارات واللافتات وشارات النصر... أطللت برأسي ثم تمهلت إلى أن مرق شاب من تحت الرتاج، فنقرت بسبابتي على رأسه الملتهب بحرارة الشمس وبعد أن رفع عينيه قلت له: ما الحدث وما خطبكم!؟ رد علي من دون أن يتوقف كأنه لم يعرني إهتماما إنه الربيع العربي.. الربيع العربي. رددت في نفسي باندهاش. الربيع العربي ... !! وماذا لو استفاق آدم وحواء اليوم وشاهدا بأم أعينهما ما اقترفه ويقترفه حفدتهم منذ قابيل وهابيل عبرملايين السنين من تقتيل وتدميروفتك وذبح .. إلخ ألن يتأسفا على تلك الهنيهة الأولى الجميلة وهما مستلقيان على ظهريهما جنبا إلى جنب ينتشيان بربيع لذتهما الشبقية رقم 1 في تاريخ البشرية...؟؟ بعد أسبوع أرسلت قصتي القصيرة هاته (متى يأتي الربيع ؟) إلى صديقنا الكاتب الذي يكتب خلف إسم مستعار، لعله يقرأها أو يمزقها أويمسح بها مخاطه، لكن ما سرني كثيرا قبل وبعد كل هذا أنني تخلصت بعدها من طلباته .