حل الدولتين مات. معظم حلول الدولة الواحدة غير مقبولة للطرف الآخر. ومع ذلك، هناك خطة سلام قابلة للتطبيق، والتي تروق لكلا الطرفين. بين الاضطرابات والفوضى على حدود غزة والنزعات الانتصارية الأميركية-الإسرائيلية، يصبح من المستحيل تخيل عملية سلام جادة بين إسرائيل والفلسطينيين، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق في أي وقت قريب. لكن أيا من هذا لن يصرف الفلسطينيين عن سعيهم إلى التحرر. ويعني ذلك للإسرائيليين صراعا مستمرا لن يصل إلى نهاية حقيقية أبدا. أعلن العديد من المعلقين موت حل الدولتين، في حين يتشبث آخرون بالمفهوم بعناد. وعلى الجانب الإسرائيلي، تبدو إمكانية تحققه أكثر من بعيدة. وكان الزعيم الإسرائيلي الذي يخدم منذ وقت طويل، بنيامين نتنياهو، قد عمل بثبات على إحباط أي حل على أساس الدولتين لسنوات. قبل نحو عقد من الآن، ألقى نتنياهو خطابا واحدا أعلن فيه عن دعم افتراضي ومحدود لهذا المفهوم. ومنذ ذلك الحين، ترأس مفاوضات فاشلة وفاترة. وأصر على أن القدس لن تقسم، وأنها لن تكون هناك دولة فلسطينية في عهده. كما أن أحد شركائه الحاليين في الائتلاف الحاكم، حزب البيت اليهودي، معارض عنيد للفكرة. ولن يقود الجمهور الإسرائيلي أي جهود في هذا الاتجاه أيضاً. وفي استطلاع استهدف إسرائيليين وفلسطينيين كنت قد أجريته في كانون الأول (ديسمبر) 2017 مع المستطلع الفلسطيني خالد الشقاقي، أيد أكثر بقليل من نصف الإسرائيليين -52 في المائة- المفهوم الأوسع لحل الدولتين، في هبوط ثابت من أكثر من 70 في المائة الذين أيدوه في العام 2010. وشمل هذا الرقم مستجيبين من العرب الإسرائيليين الذين يدعمون حل الدولتين بنسبة 83 في المائة؛ بينما لم يدعم هذا الحل بين اليهود الإسرائيليين سوى 46 في المائة. وإذا عرضت على المستجيبين تفاصيل خطة حل الدولتين التقليدية التي تم تطويرها في العقد الأول من الألفية، فإن الدعم يهبط إلى أقلية ملحوظة على كلا الجانبين. عندما يأتي الأمر إلى الأرض التي ربما تقام عليها دولة فلسطينية، فإن الصورة تصبح أكثر تعقيدا. فإسرائيل تسيطر مباشرة على 60 في المائة من الضفة الغربية، بما في ذلك محيط سميك متصل بسلسلة من الخطوط التي تقطعها من وسطها. هذه هي المنطقة (ج)، حيث الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن الأمن والشؤون المدنية لما يقرب من 400.000 مستوطن إسرائيلي (لا يشمل ذلك القدس الشرقية)، وما بين 200.000 إلى 400.000 فلسطيني، وفقاً لبيانات مجمعة من مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم»، ووكالات الأممالمتحدة، والمصادر الفلسطينية. ويتم حكم هذه المنطقة بموجب الأحكام العرفية؛ وتحكم السلطة الفلسطينية المناطق المتبقية (أ) و(ب)، لكن الجيش الإسرائيلي يتمتع بالسيادة المطلقة على كامل الضفة الغربية. كانت فكرة ضم الضفة الغربية ستعتبر ذات مرة متطرفة وغير عملية. أما اليوم، فيتم إضفاء الشرعية باطراد على الضم التدريجي للضفة بدءا بالمنطقة (ج). ويدعو نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، إلى الضم الكامل للمنطقة (ج). وفي العام 2017، مرر البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، قانونا لإضفاء الشرعية على المستوطنات المقامة على أراض مصادرة من أصحابها الفلسطينيين. كما مرر حزب نتنياهو، الليكود، قرارا حزبيا غير ملزم، وإنما مؤثر، يدعو إلى ضم مناطق المستوطنات في الضفة الغربية. وفي أواخر أيار (مايو)، نشر عضو بارز في حزب العمل الإسرائيلي الحمائمي مقالة مثيرة للجدل، والتي جادل فيها لصالح ضم الأراضي نفسها في معظمها. إذا أصبحت المنطقة (ج) جزءا من إسرائيل، فلن يتبقى سوى بقع مجوفة متفرقة بين مناطق السيطرة الإسرائيلية لدولة فلسطين المستقبلية. وتفقد آفاق العيش في دولة تحت هذه الشروط الدعم بين الفلسطينيين في الضفة الغربيةوغزة أيضا: فمثل اليهود الإسرائيليين، أيد 46 في المائة فقط من هؤلاء الفلسطينيين مفهوم حل الدولتين في نفس استطلاع كانون الأول (ديسمبر) المذكور. وأخيرا، يقول الخبراء في شؤون حل الدولتين إن هناك، في الحد الأدنى، أكثر من 160.000 مستوطن يهودي (ليس هناك إجماع أصيل على العدد)، سيكون عليهم الانتقال حتى يمكن أن تتمتع فلسطين المستقبلية بتواصل أساسي في الأراضي. وقد نقلت إسرائيل 8.500 مستوطن فقط من غزة في العام 2005؛ ومنذ ذلك الحين فصاعدا، كرس اليمين الإسرائيلي نفسه لمنع أي تكرار لما يسمونه «الطرد». كان النشطاء والباحثون والمثقفون من كلا جانبي القسمة السياسية –خاصة أولئك الذين راقبوا التغييرات في المناطق عن كثب- يبحثون عن رؤية جديدة منذ عدة سنوات. وقد رسموا خرائط لمسارات، مثل الطرق البديلة التي يقترحها نظام تحديد الموقع الجغرافي العالمي، نحو وجهات ما تزال خلف الأفق، والتي لم تظهر ملامحها بعد. في مسعى البحث عن بدائل لحل الدولتين التقليدي، يتم طرح العديد من المصطلحات، والتي تنجب الارتباك في معظم الحالات. ولا يعني مفهوم «الدولة الواحدة» الكثير، إلى أن يعرف المرء ما إذا كانت هذه الدولة ستكون ديمقراطية مع مساواة قانونية لكل المواطنين، أم أنها ستكون دولة فصل عنصري، والتي تكون فيها إحدى المجموعات محرومة من الحقوق أو أنها تعيش في ظل قوانين مختلفة. و»الدول المتوازية»، كما هي موصوفة في كتاب مثير للاهتمام صدر في العام 2014، تعني في الحقيقة دولا مختلطة. ويتم استخدام مصطلحي «كونفدرالية» و»فيدرالية» بشكل تبادلي، أو غير دقيق، أو كليهما؛ وربما يشيران إلى إسرائيل وفلسطين أو إسرائيل والأردن. ولتوضيح الخيارات، من الضروري فحص المبادئ الجوهرية التي ترشد اليمين واليسار في إسرائيل باسم السلام. ما يزال الهدف المشترك لليمين الإسرائيلي هو تكريس السيطرة اليهودية الإسرائيلية، من أجل تحقيق الهيمنة الثقافية والوفاء بالواجب الديني. وكان هناك ذات مرة سبب آخر أيضاً. ففي العام 2003، قال رئيس الوزراء في ذلك الحين، آرئيل شارون، أنه «ليس من مصلحتنا أن نحكم» الفلسطينيين، وأن «خطة فك الارتباط هي تدبير أمني». لكن اليمين الإسرائيلي خلص اليوم بدلا من ذلك إلى العكس: أن استمرار سيطرة إسرائيل هو شأن ضروري للأمن المادي أيضا. على النقيض من ذلك، يتمثل الهدف الأساسي المشترك لليسار –بما في ذلك اليهود والفلسطينيون- في إنهاء نصف قرن من الاحتلال العسكري من خلال تحقيق الاستقلال السياسي للفلسطينيين. أما إذا كان ذلك سيحدث من خلال دولة واحدة أو دولتين، فموضوع للخلاف الداخلي؛ وكذلك هي مسألة مطالبة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مناطق 1948. لكن الجميع يتفقون على الحاجة إلى إنهاء الاحتلال العسكري والحصول على الحقوق السياسية. ومع وضع هذه الاختلافات في الذهن، يصبح من السهل تشخيص الخطط المختلفة التي تقترح بدائل عن حل الدولتين. تتضمن إقامة اتحاد كونفدرالي أو فيدرالي بين إسرائيل والأردن سيطرة إسرائيلية على كل المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن؛ وهي رؤية يمينية تطالب بسيطرة إسرائيلية يهودية على الأرض التي يطالب بها الفلسطينيون لتكون دولتهم. وينطبق الأمر نفسه على نموذج الدولة الواحدة التي تضم إسرائيل والضفة الغربية، والتي يكون فيها الفلسطينيون غير مساوين للإسرائيليين. وقد تم اقتراح خطط أو إعلانات مفصلة تؤيد الضم بينما يتم حرمان الفلسطينيين من المواطنة الكاملة بالتفصيل من جهة برلماني يميني متطرف من حزب «البيت اليهودي، هو بتسلئيل سموتريتش، وهو أيضا نائب رئيس الكنيست. واقترح النائب من حزب الليكود، ميكي زوهار، أفكارا مشابهة في مقابلة تلفزيونية. وحتى إيتان كابيل من حزب العمل، الذي دافع عن ضم الكتل الاستيطانية في أيار (مايو)، اقترح في مقابلة أن الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق لن يُمنحوا المواطنة؛ وقد تراجع في وقت لاحق عن هذا التصريح عندما أثار حزبه عاصفة. لكن الحادثة تظهر كيف أن هذا النهج الذي كان متطرفا ذات مرة، أصبح يزحف الآن إلى وسط الاتجاه السائد. من جهة أخرى، أثارت فكرة دولة واحدة يفتقر فيها سكان معينون إلى الحقوق بعض القادة السياسيين والأمنيين الإسرائيليين من الاتجاه السائد، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك والراحل مئير داغان، الرئيس السابق لجهاز الموساد، واللذين وصفا الخطوات في هذا الاتجاه بأنها سياسة «فصل عنصري». وقد حذرت حتى بعض الشخصيات من اليمين من الأبارتيد في هذه السيناريوهات، مثل موتي أوهانا، عضو الليكود الوحيد الذي صوت ضد قرار الحزب الذي يؤيد الضم. كما أعرب الرئيس ريوفين ريفلين، من حزب نتنياهو، الليكود، عن قلقه من أن إسرائيل ستبدو كدولة فصل عنصري إذا تم تطبيق القانون الجديد الخاص بالاعتراف بالمستوطنات. (الآن، يواجه القانون الطعن في المحكمة العليا). مع ذلك، وباستثناء الخطط غير المقروءة كثيرا التي نشرها بينيت وعضو حزبه، سموتريتش، كان اليمين متكتما بشكل ما بشأن برامج الضم الرسمي، وركز أكثر على الشعارات السياسية. ومفهوم «السيادة»! وهي ملصق شعبي تمكن رؤيته في كل أنحاء مستوطنات الضفة الغربية. وعلى مدى أربع سنوات، اجتذب مؤتمر سنوي مخصص للسيادة الإسرائيلية ويقوده المستوطنون، طيفاً من اليمينيين، بمن فيهم وزراء في الحكومة. وهناك ثيمة مشتركة في هذه الدوائر، هي التأكيد على أن «الأردن هو الدولة الفلسطينية»، والذي يتم التلويح به كذريعة للمزيد من إنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربيةوغزة. وفي زيارتي الأخيرة للمجتمع اليهودي في الخليل، عرض اثنان من المستوطنين خلافا طفيفا حول ما إذا كان يجب أن يكون للفلسطينيين الحق في التصويت إذا أصبحت إسرائيل ذات سيادة في المنطقة، ففضل أحدهما أن لا يكون لهم الحق في التصويت، في حين شعر الآخر بأنه على ثقة من السماح لهم به–لكنه مقتنع بأن معظم الفلسطينيين لن يمارسوا ذلك الحق. بل إنه ليس من الواضح ما إذا كانت لدى نتنياهو رؤية واضحة، لأنه ظل صامتا معظم الوقت حول ما ينبغي أن يحدث مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن سياساته تقوم على الضم الزاحف بحكم الأمر الواقع للمنطقة (ج) وتعميق تقسيم الأراضي والمجتمع الفلسطينيين. وتلمح إشاراته العرضية إلى فكرة «دولة-ناقص» إلى طبيعة نهجه؛ وهو ليس واحدا يمكن أن يرضي الفلسطينيين على الإطلاق. تضم خطة اليسار، مدفوعة بهدف الاستقلال الفلسطيني، قيام دولة واحدة بمواطنة متساوية، أو دولتين متوازيتين، أو فيدرالية أو كونفدرالية بين إسرائيل والفلسطينيين. وتعترف هذه الخطط كلها بوجود واقع معقد، حيث أفضت التطورات على الأرض إلى خنق الحيز المادي للفلسطينيين وقسمت مجتمعهم، لكنها خلقت أيضا اعتمادية جغرافية واقتصادية متبادلة. ومثل قطع الأحجية التي تتراكب إحداها مع الأخرى، فإن الخطوط موجودة، لكن القطع يجب أن تتراكب معا حتى تظهر صورة متماسكة. يتضح ذلك بشكل خاص في القدس، التي تشكل النموذج المجهري للوضع. فبتقدير بلدية المدينة نفسها، تعمل ما يصل إلى نصف القوى العاملة الفلسطينية للقدس الشرقية في القدس الغربية، وفي المستوطنات في الشرق، أو في أجزاء أخرى من إسرائيل. وسوف يشكل تقسيم المدينة ضربة اقتصادية هائلة. وقد قاطع الفلسطينيون في القدس الشرقية الانتخابات البلدية، تقليديا، منذ العام 1967 كتعبير عن رفضهم السلطة الإسرائيلية هناك. لكن الوصمة السياسية الفلسطينية ضد التصويت في القدس أصبحت تتلاشى عند الأجيال الأصغر. والآن، يحب الكثير من الفلسطينيين الشباب في القدس ارتياد الحانات والفضاءات الفنية في غرب المدينة؛ والبعض يرسلون أولادهم إلى المدارس ثنائية اللغة وإلى الجامعة العبرية؛ وقد أعلن نحو ثلث الفلسطينيين أنهم سيشكلون قوائم لخوض الانتخابات البلدية المقبلة في تشرين الأول (أكتوبر) –أما إذا كانوا سيواصلون الطريق في الانتخابات، أو ربما يندمجون، فهو ما سنراه في ذلك الحين. ويريد قلة من كلا الجانبين تقسيم المدينة. وتقبل نسبة حول 25 في المائة فقط من الجمهور على كلا الجانبين تقسيم القدس، كما سُجل في استطلاع كانون الأول (ديسمبر). بناء على ذلك، ما تزال الأفكار الأحدث لليسار ذي الميول السلمية تسعى إلى اكتشاف الجرعة الصحيحة من الفصل، في مراعاة للهويات الوطنية. لكنها تعترف بالمخاطر الاقتصادية والاجتماعية، أو استحالة فصل الأطراف عن بعضها البعض، كما أنها تختبر جرعات من العمل الجماعي المشترك. وتروج بعض الخطط للتكامل الفيزيائي والسياسي، في حين تحتفظ أخرى بهيكل الفصل. الفيدرالية هي خطة للتكامل. والولايات المتحدة وألمانيا فيدراليات: دول وحدوية بحكومة مركزية هي الهيئة الوحيدة التي تنخرط في العلاقات الخارجية. ويمكن أن تشهد فيدرالية إسرائيلية-فلسطينية منطقتين قوميتين –مثل مفهوم الاتحاد ثنائي المنطقة/ ثنائي الطائفة في قبرص –لكن الشعبين سيجلسان في مجلس تشريعي واحد ويتقاسمان السلطة في هيئة تنفيذية. ومن الصعب تخيل مثل ذلك لأمتين كانتا في صراع مرير على مدى 70 عاماً. وبدلاً من ذلك، فإن الحكومة الوحيدة المشتركة بين القبارصة اليونانيين والأتراك استمرت ثلاث سنوات فقط قبل انهيارها في العام 1963. وقد فشلت المفاوضات في قبرص، والتي بدأت في العام 1958، على مدى 50 عاماً. وأدى العجز عن الاتفاق على صيغة جديدة لتقاسم السلطة في حكومة واحدة إلى إعاقة التوصل إلى أي حل. تسمح فكرة «الدولتين المتوازيتين» –التي اقترحها ماتياس موسبيرغ ومارك ليفاين في كتابهما الصادر في العام 2014 «أرض واحدة، دولتان»- بتكامل جغرافي كامل. ويستطيع أي شخص أن يعيش في أي مكان، لكن إسرائيلياً أو فلسطينياً يسكنان في طابق واحد في نفس المبنى سيخضعان لقوانين منفصلة، وتبدو فكرة «الدول المختلطة» أكثر مناسبة من «المتوازية»، التي تتضمن الحفاظ على خطين لا يتلامسان أبداً. ويثير هذا النهج مشكلات قانونية وأخلاقية وعملية كبيرة. ولكن بالإضافة إليها، لا يرغب أي من الطرفين حقاً في مزج الناس والثقافات في حيز فيزيائي واحد. على النقيض من ذلك، سوف تبدأ كونفدرالية فلسطينية-إسرائيلية بوضع اللبنات لدولتين مستقلتين منفصلتي الأرض ومحددتين. والفكرة التي تطرحها مجموعة المجتمع المدني «أرض للجميع»، من بين آخرين، هي أن تكون هناك حكومتان، ورئيسا دولة، وحدود وفق أو حول قسمة ما قبل 1967، المعروفة باسم الخط الأخضر. وسوف تكون كل من الدولتين سيادية وحرة في تعريف شخصيتها الوطنية. لكن الكونفدرالية سوف تفترق عن نموذج الدولتين السابق بوجود اتفاق لتقاسم عناصر محددة من سيادتهما. سوف تكون الحدود مسامية، مصممة لتسهيل العبور في الاتجاهين أكثر من تقييده. وسوف تكون حرية الحركة –للسياحة، أو العمل، أو الدراسة- هي الوضع السائد، والذي يُقيد فقط حركة الأفراد الذين يشكلون خطراً أمنياً محددا. اليوم، العكس هو السائد. فكل الناس مقيدون عن عبور الحدود؛ ويحتاج الجميع، نظريا، إلى تصريح للدخول إلى مكان ما. وفي الممارسة، يعيش الفلسطينيون مقيدين بحدة في حياتهم اليومية. ويحتاج سكان الضفة الغربية إلى تصريح للتنقل في أي مكان داخل إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات والقدس، أو بين غزةوالضفة الغربية؛ كما لا يمكن الحصول على تصريح لدخول مطار. وشروط منح التصاريح بيزنطية ومصممة لتمنح بطريقة انتقائية، ونقاط التفتيش والجدار الأمني تحول المسافات القصيرة إلى رحلات طويلة مضنية لكل الفلسطينيين. والغزيون عالقون تماماً تقريباً في داخل غزة. وسوف تطلقهم الحدود المسامية من القيود الخانقة المفروضة على حركتهم الفيزيائية. في المقابل، يواجه اليهود الإسرائيليون القليل من قيود التنقل اليوم. وهم يحتاجون، نظريا، تصريحا لزيارة المنطقة (أ) الصغيرة التي يديرها الفلسطينيون، حيث لا يرغب معظم اليهود في التواجد. وفي الحقيقة، ليس هناك حاجز حقيقي يعيقهم سوى شاخصات التحذير –وهم يستطيعون الانسلال عبر نقاط التفتيش المخصصة للمستوطنين في طريق العودة. لكن الحرية الكاملة للحركة تزود اليهود الإسرائيليين، خاصة المتدينين منهم، بشيء ربما لا يمتلكونه في خطة تقليدية لحل دولتين: الوصول إلى العديد من الأماكن المقدسة داخل الضفة الغربية، مثل كهف البطاركة في الخليل، وقبر راحيل بالقرب من بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس –والأخير لا يستطيع اليهود الوصول إليه تقريبا اليوم. وفي حل دولتين تقليدي، سوف تكون هذه الأماكن بعيدة داخل فلسطين التي يمكن أن تغلق حدودها؛ وهذا واحد من الأسباب العديدة التي تجعل للإسرائيليين، خصوصاً إذا كانوا متدينين، القليل من الاهتمام بالتوصل إلى حل. وسوف يعتمد نموذج الكونفدرالية على الوصول المفتوح. بدلاً من تقسيم القدس، سوف تبقى المدينة موحدة تحت سيادة مشتركة وكعاصمة للدولتين. وسوف تكون الأماكن المقدسة محكومة بنظام خاص، ربما بدعم دولي، تماماً كما كان الحال في الخطط السابقة لحل الدولتين. لكن النسيج الحضري الدقيق للقدس سوف يبقى تماسكاً، مع عاصمة فلسطينية إضافية في الشرق. ويمكن أن تدور الحدود بين الدولتين بشكل عريض حول المدينة بدلاً من المرور من وسطها. ويمكن أن تقوم بلدية مظلة من الإسرائيليين والفلسطينيين بإدارة شؤون الأحياء الشرقية والغربية. سوف تتطلب حرية الحركة وقدس موحدة إجراءات أمنية متقدمة. ويمكن أن تتأسس مثل هذه الإجراءات في مبدأ التعاون الأمني القوي، القائم على النظام الذي وضعته اتفاقيات أوسلو وما يزال موجوداً اليوم. وفي الوقت الحالي، تستشهد أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتعاون مع قوات السلطة الفلسطينية باعتباره السبب الرئيسي في الحد من العنف خلال العقد الماضي. وبعيشهم اليوم تحت نير الاحتلال، يعرب الفلسطينيون عن استيائهم الشديد مما يتعتبرونه تعاوناً، أو «إسناد» دور إسرائيل إلى قواتهم الأمنية الخاصة. ولكن، إذا كانت فلسطين حرة في ظل حكومتها المدنية الخاصة، فإن الأمن المنسق سوف يحمي الترتيب نفسه، ويخدم الناس بدلاً من أن يسيطر عليهم. سوف يكون حجر الأساس في نهج الكونفدرالية هو السماح للناس من أحد الجانبين بالعيش كمقيمين دائمين في مناطق الطرف الآخر، بينما يصوتون في الانتخابات الوطنية في بلد جنسيتهم فقط. سوف يستطيع المستوطنون الإسرائيليون الذين يحبون أن يعيشوا على الأرض المقدسة أن يظلوا هنك طالما كانوا مقيمين ملتزمين بالقانون تحت السيادة الفلسطينية؛ ويستطيعون المشاركة في الانتخابات المحلية، لكنهم سيصوتون للتمثيل الوطني في إسرائيل فقط. وسوف لا يعجب هذا المستوطنين الذين يصرون على السيادة الإسرائيلية –لكنه يمد يداً للمستوطنين الأكثر اعتدالاً الذين كانوا مستائين دائماً من توقعات اليسار لوجوب اقتلاعهم جميعاً من منازلهم بشكل تلقائي. تشكل هذه المادة نفسها تنازلاً خلاقاً للفلسطينيين، بما أنها ستسمح لبعض اللاجئين من مناطق 1948 بالعودة إلى إسرائيل تحت نفس الشروط: الإقامة الدائمة، شريطة أن يكونوا ملتزمين بالقانون، ربما بعد فحص أمني إسرائيلي. وسوف يصوت هؤلاء المقيمون في الانتخابات الوطنية في فلسطين فقط، وسيستطيعون التصويت، مثل المستوطنين، في الانتخابات المحلية الإسرائيلية. ويستجيب هذا المفهوم لواحد من المشكلات الأكثر استعصاء في الصراع: إصرار الفلسطينيين على حقهم في أرض الأجداد، في حين يعيش الإسرائيليون في خوف مميت من أن يدمر الفلسطينيون العائدون الدولة اليهودية ديمغرافياً من خلال التصويت على إخراج الحكومة اليهودية من السلطة. في الجولات السابقة من المفاوضات، كانت قضية اللاجئين من بين أكبر نقاط الخلاف، وهي تبقى كذلك في استطلاعات الرأي العام. ووفق اقتراح الكونفدرالية، لا يستطيع أي من الجانبين أن يسيطر على السياسة المحلية للطرف الآخر، بما أنهما يستطيعان التصويت فقط في الدولة التي يحملون هويتها الوطنية. تبقى الأشكال الأخرى من التعاون في البنية التحتية أقل عاطفية، لكنها عملية للغاية. اليوم، يستخدم الطرفان مسبقاً نفس العملة، ويشتريان بضائع بعضهما البعض: في العام 2012، وجد بنك إسرائيل أن 81 في المائة من البضائع الفلسطينية المصدرة بيعت إلى إسرائيل، في حين باعت إسرائيل ما قيمته 4.5 مليار دولار من البضائع للسلطة الفلسطينية. وقد زادت هذه الأرقام فقط منذ ذلك الحين. الآن، شرعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في توظيف المبرمجين الفلسطينيين، بهدوء وإنما بنجاح، مقدمة فرصة للفلسطينيين جيدي التعليم، وإنما العاطلين عن العمل. وسوف يعمل تعميق هذه الروابط من خلال تسهيل الحركة الفيزيائية والروابط المهنية على إفادة كلا الاقتصادين. ويمكن لكل هذا أن يستمر –مرة أخرى، من دون ضوابط حقبة أوسلو الإسرائيلية على الحياة الاقتصادية الفلسطينية من خلال جمع الضرائب والقيود على الصادرات والواردات. ويستطيع مجلس اقتصادي محترف أن يساعد في إدارة صعوبات دمج اقتصاد أضعف باقتصاد أقوى بكثير. وهذا تحد كبير. لكن بديل قيام دولة فلسطينية منفصلة مع حدود صعبة، والقليل من الوصول ومرونة الحركة إلى إسرائيل، يمكن أن يفضي أيضاً إلى مفاقمة الصراع بدلاً من خفض حدته. بالمثل، يبدو ممكناً بالكاد إدارة الموارد الطبيعية والبنية التحتية بشكل منفصل؛ فمسبقاً، تطفو نفايات قطاع غزة إلى شواطئ إسرائيل المجاورة، وتلوث خزانات المياه الجوفية، وقد أجبرت محطات التحلية عن التوقف عن العمل في بعض الأحيان –كل هذا بينما تعيد إسرائيل الآن إحياء حملاتها لتوفير المياه بسبب النقص فيها. وسوف يتطلب حل الدولتين التقليدي التنسيق حول القضايا البيئية أيضاً، لكن نموذج الكونفدرالية يتفوق عليه في الروح والبنية، حيث يُسهل من تنسيق المجتمع المدني والحكومة على حد سواء بدلاً من جعل مثل هذا التعاون استثناءاً. في الفدرالية، يمكن أن يؤدي الانقسام إلى الحرب. لكن النهج الكونفدرالي يتيح لكل جانب الحق القانوني في المغادرة. ويمكن أن يكون الانفصال القانوني سلمياً، مثل الانفصال بين صربيا ومونتينيغرو الذي حدث على أساس استفتاء في العام 2006 أو «بريكسيت» (إذا تم تنفيذه من الأساس). سوف تجعل محاولة دمج سياسات من حل الدولتين بأفكار من حل الدولة الواحدة، من أجل تلبية الحاجات العملية والرمزية معا، من هذا النهج مقبولا لمجموعة صغيرة، وإنما نخبوية من اليسار واليمين الإسرائيليين، وكذلك لبعض المواطنين الفلسطينيين والعرب في إسرائيل. ويؤيد يوسي بيلين، النصير السابق القوي والمفاوض في حل الدولتين، هذا النهج علناً، كما أيد الرئيس ريفيلين الفكرة، ولو من دون أن يوضح بالضبط ما يعنيه. سوف يخبرنا المستقبل فقط عما إذا كان الإسرائيليون والفلسطينيون سيختارون العيش أقرب معا أو أبعد عن بعضهما البعض. لكن من غير المرجح أنهم سيتوصلون إلى اتفاق سلام يفضل أحدهما على الآخر. *محللة سياسية وخبيرة في الرأي العام؛ وهي كاتبة منتظمة في مجلة +972 وزميلة السياسة في ميتفيم –المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية. كما تشارك في تقديم «مراجعة تل أبيب» على راديو «تي. ل. في 1».