أكد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، في كلمته بمناسبة افتتاح أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه الحزب، أمس الجمعة بالمحمدية، حول الجهوية واللاتمركز، أن هذا الموضوع بالغ الأهمية في الأجندة السياسية اليوم، مشددا على أن الحزب راهن على إعطاء دينامية نوعية للعمل التنموي بالاعتماد على سياسة فعالة لإدارة التراب الوطني بما يضمن مساهمة إيجابية للمواطنين في تدبير شؤونهم. وشدد إدريس لشكر في مداخلته على أن موضوع الجهوية هو مجال واعد بامتياز استنادا إلى الدراسات والأبحاث التي تمت، كما هو الشأن بالنسبة للحوار الوطني حول إعداد التراب الوطني، وكذلك على الأبحاث المستندة إلى المرجعية الحزبية التي تستند إلى المنظور الخاص للاتحاد الاشتراكي، مبرزا أن الجهوية هي عنصر أساسي لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي وليست مجرد مؤسسات منتخبة بالاقتراع العام المباشر ذات صلاحية محددة بالنصوص التشريعية والتنظيمية، مؤكدا على أنها أبعد من ذلك. الكاتب الأول، الذي كان يتحدث أمام خبراء دوليين ومغارية شاركوا في أشغال هذا اليوم الذي اختير له شعار «مغرب الجهات.. ضرورة تاريخية وطنية وديمقراطية»، شدد على أن المطلوب هو جعل اختصاصات الجهة هي القاعدة العامة وأن يكون تدخل الدولة هو الاستثناء، مبرزا أن الدولة يجب أن تنحصر مهمتها في تحديد الوظيفة الوطنية للجهة وفق ماتسمح بذلك المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبيئية والبشرية، وفسح المجال للمؤسسات الجهوية لوضع البرامج اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة بما يحقق التكامل ويخدم التضامن، مشددا على أن الجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل هي مشروع وطني استراتيجي يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة في شكلها الشمولي، مستعرضا الأشواط التاريخية التي قطعها المغرب في هذا المجال والرؤية التي تخص الحزب في هذا الصدد. (انظر كلمة الكاتب الأول كاملة). اللقاء، الذي سير أطواره عضو المكتب السياسي المهدي مزواري، الذي أكد على أنه افتتاح لأنشطة الحزب السياسية خلال الموسم السياسي الحالي، واختار له موضوعا راهنيا وبالغ الأهمية لكون الجهة من المواضيع والنقاشات الكبرى التي تعرفها بلادنا، تناول خلاله الكلمة كذلك محمد بنعبد القادر، عضو المكتب السياسي ووزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، الذي أوضح على أن مسارات اللاتمركز واللامركزية هي متباينة ومختلفة وإن كانت تشترك في وحدة الدولة كيفما كانت درجة تفويت السلط، مؤكدا أن ثنائية الجهوية واللاتمركز تندرج ضمن الهوية السياسية للاتحاد الاشتراكي كحزب ديمقراطي اجتماعي راهن باستمرار على الربط الجدلي بين الديمقراطية والتنمية، مشددا على أن هذا التكامل هو الإطار الأمثل لاستكمال البناء الديمقراطي للدولة وتعميق الممارسة الديمقراطية في المجتمع، مستعرضا في هذا الصدد انخراط الحزب التاريخي من موقعه، سواء في المعارضة أو في الحكومة، في تطوير هذا الورش والنقاشات المرتبطة به التي توجت بإصدار الميثاق الوطني حول إعداد التراب. كما وقف محمد بنعبد القادر، كذلك، عند نهج الديمقراطية المحلية الذي انخرط فيه المغرب واعتماده اللامركزية الترابية، مسلطا الضوء على الخطوات التي قطعها منذ أول انتخابات جماعية، مشيرا إلى أن النتائج المتوخاة منها لم تتحقق بالكيفية التي كانت منتظرة وفقا لخلاصات عدد من التقارير وضمنها تقرير الخمسينية وغيره، لأسباب أكد عضو المكتب السياسي، أنها تتعلق بالمنظومة الانتخابية والطابع العرضي للتحالفات وتكوين المنتخبين وسوء التدبير وغيرها من العوامل، مشيرا إلى سلسلة من العثرات الأخرى، كاستمرار ثقافة إدارية مقاومة للتغيير والبعد عن المصاحبة الجهوية ودعمها بالشكل الكافي، وتطرق بنعبد القادر أيضا للقانون التنظيمي المتعلق بالجهات،مشيرا إلى كون بعض منها تجد إلى جانبها مصالح خارجية غير ممركزة، مؤكدا أن هناك تطورات سريعة مساعدة لتحقيق تقدم واضح في موضوع الجهوية، مشددا على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وليس فقط نقل السلط للجهات، والحاجة إلى ميثاق يمكن من تجميع مصالح إدارية مختلفة وتحقيق نقلة نوعية في نمط الحكامة العمومية. اليوم الدراسي عرف مشاركة خبراء أجانب ككلاوز بترترايدت من ألمانيا، وفيوليتا باز من إسبانيا، ودانيال ليبان من بلجيكا، والبرتغالي هيندر كونسايكو، الذين قدموا تجارب دولهم في مجال اللامركزية واللاتمركز وتفعيل الجهوية مع الوقوف عند نماذج في هذا الصدد، كما تم تقديم مداخلات لتجارب مغربية، كما هو الشأن بالنسبة لمداخلة ينجا الخطاط، رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، الذي استعرض فيها تجربته في تدبير الشأن المحلي استحضر فيها العلاقة بين الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة، مشيرا في هذا الإطار إلى أن الجهوية ليست فقط مجموعة من القوانين والإجراءات الإدارية، بل هي تعبير أساسي عن تغيير عميق في بنية الدولة وسند لمقاربة عملية في الحكامة الترابية. وأوضح ينجا أن هذا النموذج في التسيير، الذي حمل معه بشرى مستقبل أحسن للأقاليم الجنوبية مكن الساكنة من تدبير شؤونها المحلية بنفسها في إطار الجهوية المتقدمة المستندة إلى الحكامة الجيدة، ومداخلة محمد العلمي، نائب رئيس جهة طنجةتطوان الذي طرح سؤالا عريضا بخصوص مدى تمكن الجهات من القيام بأدوارها كاملة في التنمية المحلية، مشيرا إلى عثرات في هذا الباب، كما هو الحال بالنسبة للتأخير في إصدار المراسيم التطبيقية المتعلقة بالجهات مما أثر على اختصاصاتها الذاتية والمنقولة وإشكالية توفير الحكومة للظروف الملائمة لعملية الأمر بالصرف التي انتقلت من الولاة إلى رؤساء الجهات ومشكل ميزانية الاستثمار وكذا مرسوم التنمية الجهوية إضافة إلى عدد من النقاط الأخرى. من جهته عبد الحميد جماهري، نائب رئيس جهة الدارالبيضاء- سطات، وقف في مداخلة له عند المرتكزات الأربعة للجهوية، المتمثلة في الدولة الموحدة، التماسك بين الجهات، التوازن واللاتمركز، لتقييم تجربة أزيد من 3 سنوات والحكم عليها بشكل علمي وواقعي ملموس، متسائلا عن مآل تنفيذ المخطط المؤسساتي الضامن للجهات، وكذا مخطط إعداد التراب الذي يراوح مكانه، مسلطا الضوء على الاختصاصات الذاتية التي لا يكون فيها مشكل مقارنة بالاختصاصات المشتركة والمنقولة التي تعرف تعثرا بل وتطرح، بحسب عضو المكتب السياسي، إعادة النظر في أسئلة جوهرية، فضلا عن عدم دورية النقاشات وعدم انتظامها بين الجهات والمصالح المختصة وإشكالية التركيبة الحزبية للجهات والهوية المؤسساتية لها التي لم تتحقق بعد، الأمر الذي يؤثر على مشاريع الجهات، مؤكدا على أن هناك شعورا ينقسم بين الإدراك باللحظة التأسيسية للجهات التي لا تقوى على تحمل كل المطامح وبين الشعور بكونها ملتقى كل الأسئلة الكبرى للمغرب. وخلص اللقاء إلى إصدار مجموعة من التوصيات التي تلاها على الحاضرات والحاضرين، بعد نقاش مستفيض، بنيونس المرزوقي، الخبير القانوني والأستاذ الجامعي.
إدريس لشكر الكاتب الأول: المطلوب جعل اختصاصات الجهة هو القاعدة العامة وأن يكون تدخل الدولة هو الاستثناء “يسعدني أن افتتح هذا اليوم الدراسي الذي ينظمه حزبنا حول موضوع الجهوية واللاتمركز والذي يعتبر موضوعا بالغ الأهمية لأننا راهنا في الاتحاد الاشتراكي دائما على أن إعطاء دينامية نوعية للفعل التنموي، يتطلب اعتماد سياسة فعالة لإدارة التراب الوطني بالشكل الذي يسمح بالمساهمة الإيجابية للساكنة في تدبير شؤونها. ومن هذا المنطلق اعتبرنا أن المستوى الجهوي، مجال واعد بامتياز، استنادا إلى الدراسات والأبحاث التي تمت في إطار الحوار الوطني لإعداد التراب. وعلى المنظور الخاص بالحزب، المستند على اعتبار الجهوية. عنصرا أساسيا لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي، وعلى أن الجهة ليست مجرد مؤسسات منتخبة بالاقتراع العام المباشر. ذات صلاحيات محددة حصريا بالنصوص التشريعية والتنظيمية. بل هي أبعد من ذلك، فالمطلوب هو جعل اختصاصات الجهة هي القاعدة العامة، وتدخل الدولة هو الاستثناء، لأن الدولة ينبغي أن تنحصر مهمتها في تحديد الوظيفة الوطنية للجهة وفق ما تسمح بذلك المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبيئية والبشرية، وفسح المجال للمؤسسات الجهوية لوضع البرامج اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة بما يحقق التكامل ويخدم التضامن، فالجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل مشروعا وطنيا استراتيجيا يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة التي عليها أن تقوم على أساس إبراز عنصر التضامن والاستغلال الأمثل لكل ثروات الجهات لما فيه مصلحة الجميع. ويتطلب هذا الأمر إعادة النظر في علاقة الدولة وممثليها بالمجالس الجهوية بشكل لا يجعل من الطرف الأول وصيا ومراقبا ومسؤولا عن تطبيق القانون، بل شريكا ومواكبا ومساعدا للثاني في إنجاز مهامه، مع ما يتطلبه الأمر مرحليا من تدخلات لصندوق التضامن بين الجهات لتمكين الجهات الناقصة التجهيز والبنيات التحتية، من وضع برامجها استنادا إلى هذا البرنامج الوطني. أيها الحضور الكريم لقد شهد المغرب في العقدين الأخيرين تحولات مجتمعية مهمة أفرزت واقعا جديدا يفرض مضاعفة الجهود لمسايرة المتطلبات الحديثة والاستجابة للحاجيات المتزايدة والانتظارات المشروعة للمواطنات والمواطنين، وقد أدى ذلك إلى القيام باصلاحات مهمة وعميقة على الصعيدين السياسي والمؤسساتي توجتها الوثيقة الدستورية الأخيرة من خلال توطيد مقومات دولة الحق والقانون وتعزيز الممارسة الديمقراطية، وتقوية دعائم الدولة الحديثة والمبادرة إلى الإنماء الاجتماعي المنصف والعادل. وساهمت هذه الإصلاحات في خلق دينامية سياسية جديدة تروم تعزيز المنظومة المؤسساتية والارتقاء بالحكامة العمومية، والتوجه بثبات نحو التقاسم المعقلن للسلط بين مراكز الدولة والمجالات الترابية اللامركزية. وقد مكنت الدينامية السياسية والمؤسساتية من خلق الظروف الملائمة لتفعيل مشاريع اقتصادية مهمة وأوراش مهيكلة في القطاعات الصناعية والفلاحية الجهوية وتقوية البنيات التحتية والانفتاح على الأنماط الاقتصادية البديلة والطاقات المتجددة. وهو ما يدعو اليوم إلى ضرورة العناية بهذا الرصيد الاقتصادي، وتطويره في اتجاه تحقيق نمو في خدمة التنمية الاجتماعية المنصفة والمتضامنة. ولن يتحقق ذلك اقتصاديا واجتماعيا ما لم نتملك البعد الجهوي والمحلي الذي يظل – بحكم عامل القرب وعنصر التشاركية – المدخل الحقيقي لتمكين المغرب من إرساء العلاقات المجالية المتوازنة. وتحقيق التنمية البشرية المندمجة. فالسياق الذي نعيشه في اللحظة الراهنة يقتضي اعتماد الدعامات اللازمة، تشريعيا وسياسيا وثقافيا، وتوفير العوامل المساعدة على إنجاح اللامركزية واللاتمركز الإداري بما يمكن من الرفع من تماسك وانسجام السياسات العمومية وضمان نجاعتها الترابية. أخواتي إخواني، أيها الحضور الكريم: لقد فتح النقاش ، وبشكل عميق في المغرب، حول مفاهيم المركزية واللامركزية واللاتمركز. منذ سنة 2000، وبالضبط بعد الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس، إلى اللقاء الوطني حول إعداد التراب الوطني، والتي دعا فيها المشاركين في هذا الحوار الوطني إلى اعتماد منظور جديد لإعداد التراب الوطني. كما ألح فيها على ضرورة التفعيل التام لدور الجهة، مؤسسة وإطارا، في تحديد استراتيجية ناجعة لإعداد التراب الوطني، ذلك لأن نجاح أي مشروع للتنمية الترابية رهين بتبني البعد الجهوي. وهي الرسالة التي تضمنت دعوة مباشرة إلى إقرار قوانين اللامركزية واللاتمركز، واستمر النقاش حول ضرورة اعتماد اللاتمركز، وإرساء اللاتمركز الإداري، منذ ذلك الحين، قبل أن تتعطل عملية التحضير هاته من جديد من طرف الحكومة السابقة. كانت الفرصة مواتية في التجربة الحكومية السابقة، من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، وذلك عبر إقرار لا مركزية إدارية حقيقية، خصوصا أنها جاءت في سياق اتسم بوجود رغبة وإرادة في التغيير، لكن الواقع يقول إنها لم تتوفق في هذا المهمة، وهو ما دفع الملك محمد السادس إلى التذكير في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان بتاريخ 13 أكتوبر الماضي. بضرورة تسريع تطبيق الجهوية المتقدمة. كما وجه الحكومة لوضع جدول زمني مضبوط لاستكمال تفعيل الجهوية المتقدمة ولإخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري. هذا الأخير الذي أصبح ضرورة ملحة اليوم. من أجل ضمان تنمية جهوية حقيقية. ومن المطلوب فيه أن يكرس عملية نقل حقيقية للسلط من الإدارة المركزية إلى المصالح الممركزة. فاللاتمركز لا يعني أبدا وجود فروع إدارية تابعة للإدارة الأم. في صورة تعكس بيروقراطية متطورة. بل لا يمكن ترجمة روحه كمبدأ إلا بوجود مصالح لا ممركزة. لها من الصلاحيات والسلطات ما يكفي من أجل تسريع وتيرة التنمية بالجهات. وهو ما يعني ضرورة التفكير في آليات تضمن توزيع الكفاءات والأطر الإدارية على الجهات. حتى لا تكون هناك جهات متقدمة في هذا الباب على جهات أخرى. وحتى يتم ضمان نوع من التوازن في توزيع الموارد البشرية وحتى تسير كل الجهات بنفس الإيقاع والسرعة. الخيار الواضح اليوم، هو أن المغرب اختار سياسيا ودستوريا. جعل الجهة الإطار الأمثل والقاعدة الصلبة لإرساء دعائم اللاتمركز الاداري. والظاهر جدا هو أن الارادة السياسية حاضرة من أجل إخراج ميثاق اللاتمركز الاداري إلى الوجود لدى الحكومة ولدى قطاع الإصلاح الإداري الذي يسيره أخونا محمد بن عبد القادر. إننا كحزب مسؤول ضمن الأغلبية الحكومية لا نريد أن نستبق في هذه الندوة ما ستقرره الحكومة من تفاصيل بشأن ميثاق اللاتمركز خلال الأيام القادمة، لكن لابد أن نعلن بهذه المناسبة انخراطنا التام في كل ما ورد في بلاغ الديوان الملكي بخصوص التوجهات العامة لسياسة الدولة في هذا المجال والذي صدرمباشرة بعد انعقاد المجلس الحكومي برئاسة جلالة الملك .كما أننا ونحن نناقش في هذه الندوة مختلف التحديات والرهانات، لابد أن نجدد التأكيد على أننا بصدد ورش وطني يخص كل مكونات الدولة، ورش يندرج ضمن الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة التي تقودها وزارة الاصلاح الاداري والوظيفة العمومية ، مما يعني أن طموحنا لا يتوقف كحزب عند إعادة ترتيب داخلي للمصالح الإدارية، بل إنه يتأسس بالإضافة إلى إعادة تنظيم الادارة المغربية. بهدف تجويد حكامتها ، الى تحديث بنية الدولة وإعادة صياغة علاقتها بمكوناتها الأساسية. ختاما متمنياتي لأشغالكم بالتوفيق، والمأمول أن تتمكنوا خلال هذا اليوم الدراسي من تبادل الآراء وتمحيص الأفكار وتعميق النقاش بما يساعد بلدنا على المضي قدما في مسار التطوير السياسي والمؤسساتي لكسب رهانات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والبشرية”.