1 بين فلان وعلان مسافة عمرية، ومسافات في التنشئة والبيئة. فلان شخص يسلم بالأمور كما هي، كما تحدث أمامه، كما رويت له، لكن علان مهووس وشكاك ومرتاب. فلان يُظهر موقفه في الحين، علان يخفي موقفه وفي أحيان كثيرة يُظهر عكس عواطفه وإحساساته خوفا على مصالحه، صغيرة كانت أو كبيرة. فلان اصطدم مع أناس كثيرين لكنهم يحبونه لأنهم يعرفون، لأنهم يعرفون أنه صادق في كل ما قام به ولا يخفي لأحد سوءا أو ضغينة. علان لا يصطدم بالآخرين (لنقل إن اصطداماته قليلة) لأنه يحاول حل الأمور بالتراجع إلى الوراء خطوة، واستعمال الدبلوماسية في المواقف الصعبة لأن مصالحه، الصغيرة والكبيرة، في خطر. رغم المناوشات والاصطدامات فلان يحبه الناس، ورغم اللااصطدام فلان يكرهه الناس. صارح علان لفلان مؤخرا وهو حزين أنه رغم سنين عمله الطويل لن يترك أحدا وراءه يرث ويطور ما قام به. لكن فلان سخر منه في سريته: كيف تترك وريثا أمينا أنت المتعجرف، المنافق، الانتهازي، الوصولي؟ كيف أنت المريض بذاته، الشقي بعزلته التي طالت عقودا؟ كيف وأنت الملوث بوسخ الدنيا؟ فمن يترك وريثا هو الرجل الصالح، المستقيم، الحامل للقيم النبيلة وللأفكار الكبرى، الكاتب الصافي الذي ورث بدوره نبوغ الأولين. 2 بعض مواقف فلان وعلان ملتبسة وغامضة لأنها حدثت بدون مقدمات ولا مداخل. مثلا يتصل علان بفلان في عز الصيف ليسأله عن صحته وأهله، ثم يقحم السؤال الذي هو غاية الاتصال: هل أنت داخل المغرب أم خارجه؟ سؤال أثار استغراب فلان لأن السفر إلى الخارج في الصيف هو من نصيب علان وليس فلان، ففلان يعارك الوقت، ولا يسافر كل شهر إلى بلد. فكر فلان في السؤال مليا: هل أنت داخل المغرب أو خارجه؟ ليتأكد بأن علان يتجسس عليه ويريد أن يعرف هل فلان وجهت إليه الدعوة للمشاركة في مهرجان شعري خارج البلد. هذه غاية المكالمة التي جاءت بعد انقطاع دام أشهر. كما أن علان يردد على مسامع فلان مرارا بأنه يقترح اسمه هنا وهناك، وبأنه يدافع عن اسمه ليكون حاضرا. يدافع؟ هذه نبرة فيها صيغة القضاء، وكأن فلان ارتكب جرما وعلان يدافع عنه. علان يعرف أن فلان يعرفه من رأسه إلى قدمه، لذلك عندما يكون معه يكابد من أجل إثبات جدارته. وهذه حكايات تحدث على طول العالم العربي بين مثقفيه وشعرائه. لذلك فمن الأجدر الحذر من المثقف أكثر من السياسي، مادام السياسي نفسه يهاب المثقف.