شهدت الساحة الثقافية بخنيفرة لقاء ثقافيا فنيا في حضرة الدكتور محمد أبو العلا، من خلال حفل توقيع كتابه القيم «المسرح والسرد، نحو شعريات جديدة»، والمنظم من طرف «منتدى أطلس للثقافة والفنون»، بمشاركة النقاد الأساتذة نجيب طلال، كمال خلادي ومصطفى داد، تجادلت أوراقهم حول القواسم المشتركة بين السرد والمسرح، وحاولت تفكيك مرامي وظيفة محتوى ومقاربات المنجز النقدي المحتفى به، في حين اختير الأستاذ مصطفى ذهبي لإدارة اللقاء الذي احتضنته غرفة التجارة والصناعة والخدمات، وعرف حضورا لافتا ونوعيا لعدد من المهتمين والمثقفين والمشتغلين في الحقل الجمعوي والتربوي والفني، ويعتبر الدكتور أبو العلا أدرى بشعاب المسرح ومطالب الركح، وقد أغنى الخزانة المغربية بمجموعة من أعماله النقدية هي «اللغات الدرامية وظائفها وآليات اشتغالها»، «المسرح المغربي من النقد إلى الافتحاص» و»المسرح المغربي: سؤال التنظير وأسئلة المنجز» وغيرها. من جهته، انطلق ذ. نجيب طلال من اعتبار عمل الدكتور محمد أبو العلا، «المسرح والسرد»، إضافة وازنة للخزانة المسرحية من خلال طرحه لعدة أسئلة واشكالات كبرى بمهارة وحبكة خاصة، على مستوى السرد الذي يعد أهم مكونات الفن المسرحي، مستعرضا ما يجمعه الكتاب من أدبيات المعنى والحكي وروح شهرزاد، التي ماتزال سيدة الحكي، وما يحدده مؤلف هذا الكتاب من لغات مسرحية وتأصيل للمفاهيم والمفردات والمصطلحات والمباحث النظرية والخطابات لما بعد الدراما والحداثة، وأيضا من سياقات مرتبطة بقلق السؤال المفضي لإنتاج المعنى وإعادة النظر في ما سبق من خطابات مسرحية في تحليليها ومقارباتها. ولم يفت ذ. نجيب طلال الغوص عميقا في ثنايا المنجز النقدي للدكتور أبو العلا، ومدى سعي هذا الأخير إلى تقديم مقاربة نظرية لمصطلحات السرد والشعرية المسرحية، ومجالات اشتغالها، وتحويلها من لغة حكائية إلى لغة مسرحية، كنتيجة تفرض نفسها على مستوى المواكبة والاطلاع، وموازاة بأبحاث المؤلف نفسه الذي أنجز نصوصا مسرحية تم الاشتغال على بعضها، والذي سكنه الكثير من القلق المعقلن في البحث عن خلاص مسرحي مشرق، مع تحليل منطقي للنموذج الغربي الذي يرى في الأصل الأوروبي مصدر الثقافات، ويسعى إلى الاستمرار في الهيمنة على المسرح العربي، ما حمل المؤلف إلى البحث عن سلطة مسرحية غير قابلة للفشل في حل ما يتجاوزها من أسئلة. وبعد مروره بالنقد والتحليل على عدة مفاهيم من قبيل المثاقفة والتناسج والتجريب، وموت المؤلف والناقد والتاريخ، ودلالة تركيز د. أبوالعلا على الممثل في ربطه بالتراث الشعبي (الحلقة) ومنجز نموذج الطيب الصديقي، والسرد والسردية التي ينجزها السارد في المسرح، تمكن ذ. نجيب طلال من اقتناص تطرق د. أبو العلا في منجزه المسرحي إلى ما وفره الجنوب من متخيل ومخيال حكائي صحراوي يمكنه أن يكون رافعة حقيقية للمسرح المغربي، من منطلق التكريس الفعلي للموروث الحساني كرافد ومكون أساس للهوية المغربية. أما الكاتب المسرحي ذ. كمال خلادي، فاستهل مداخلته بتفسير مفهوم التنوع الذي يحتاج إلى تأثير الصوفي، و»أن أي شيء ليس فيه التنوع يبقى دون فائدة»، ليتناول موضوع التجربة الصوفية وعلاقتها بالإنسان، ومنها دخل من باب كتاب د. محمد أبو العلا الذي رأى فيه منجزا باعثا لعدة إشارات واضحة ومضمرة حول المسرح الذي نريد، مع سؤال عريض حول: ما طبيعة المسرح الذي نحتاجه اليوم؟ وأي مسرح نعمل به على ملامسة الأشياء والمفاهيم والرهانات والسياقات، حيث السرد عند د. أبو العلا، حسب ذ. خلادي، لا يتوقف عند السردية فقط بل يتجاوزها بالفهم أو التخيل السردي للعالم، محاولا تفكيك صفحات الكتاب بما يفيد أن المسرح عند مؤلف كتاب «المسرح والسرد» هو نوع من الكيمياء الذي لا هو شرقي ولا غربي ولا محدود ولا ما يمكن أن يكون. ومن خلال تحليله لمفهوم توسيع المسرح على مستوى التحولات والحكي والتشعب، ركز ذ. خلادي على ما يتعلق بالهوية الجماعية ورهانات الوصل وإقامة العلائق مع الوصف بعين العارفين في السرد والنقد والمسرح الذي تنعدم فيه الحدود، ليتوقف بكثير من المعاينة عند ما وصفه ب «مركزية السؤال في منجز د. أبو العلا» الذي يبتعد عن المختصرات مقابل تأسيس المعاني والنزعة المتشائلة عبر أفق مفتوح ولغة موسعة، وعبر التفكيك الذي لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما يكون المرء قابعا بقلب صفحات المنجز النقدي الذي يضج بسلسلة من المسارات التي تتجادل في بعضها وتتقاطع في بعضها الآخر. وبدوره، شارك ذ. مصطفى داد بورقة دشنها بحديثه عن الشعرية الجديدة التي تطمح إلى خطاب درامي جديد، وإعادة السرد إلى الواجهة بما يلزم الأدب المسرحي من طروحات راهنة، محللا فحوى اشتغال الناقد د. أبو العلا على الشعرية الجديدة عن طريق الأجناس الأدبية، وبأسئلة جوهرية من قبيل: هل المنجز عبارة عن بحث؟ أم وعي ذاتي من أجل الحاجة للتراث وبعيدا عما يشكله الغرب؟، وما مدى تقاطع المحكي والمسرح في زمن ما بعد الدراما؟ في حين تمكن ذ. مصطفى داد من تسليط المزيد من الضوء على ما يتعلق بالتداخل بين السرد المسرحي ونظيره المتن الروائي؟ مع تبيان الحَكايا والسرد في الممارسة المسرحية انطلاقا من المنجز النقدي المحتفى به. إلى ذلك، تساءل الدكتور محمد أبو العلا، مؤلف «المسرح والسرد، نحو شعريات جديدة»، عن دوره في حفل توقيع كتابه، وقد قال النقاد كل شيء عن عمله، وهو الذي يؤمن دوما ب «موت المؤلف» على حد تعبير رولات بارت، إذ أن المؤلف ينتهى بخروج كتابه من يده إلى الناقد والمتلقي، إلا أن د. أبو العلا حاول إشراك الحضور في جملة من الأسئلة، انطلاقا من عنوان الكتاب: «المسرح والسرد»، ولماذا كتب الواو عوض الفاصلة؟ وكيف هي العين التي يقرأ بها المسرح؟ أو كيف يرى العلاقة بين السرد والحكي والشعرية والدراما التي نظَّر لها أرسطو وما بعد الدراما؟ ولماذا العودة إلى السرد والحكي؟ وما مدى تأثر التراث العربي بالنموذج الغربي والخطاب الحداثي؟ وكيف يمكن قراءة النص بالعين المحايدة دونما الابتعاد عن السرديات؟، متناولا اختلاف الرؤى في عوالم النص المسرحي وما ينتج عنها من ثراء في المبنى والمعنى، ومنتقلا بالجميع إلى حفل توقيع كتابه في أجواء حميمية فنية وثقافية.