كثيرا ما نناقش الغربة، إنها غربة المكان والزمان.. لكن أين نحن من منفى الشعور وغربة الأنا عن الذات؟ هذا الشعور الدفين في أعماقنا هو ما أسميه منفى الشعور.. اغتراب لروح انشطرت بين الحنين إلى ما كانت عليه وما ستؤول إليه، لا هي قادرة على العودة إلى ماضيها…وهي نفس الآن، عاجزة عن مد جذورها في الآنية اليوم. تمزق للأعماق يرمي الروح في وهم الذكريات المتدافعة، بحثا عن توازن مفقود بين ما صنعناه خلال مسار حياتنا، وما فقدناه بين هاته وتلك.. شرخ غير ملتئم ونداء لبداياتنا الأولى، بداية خارج الحدث بعين متفرج منزو وحيد، هي بداية باردة لانحدار قاتم محتوم. منفى الشعور، صراع داخلي بين الأنا والذات والحنين.. فوضى مشاعر يحركها الإحساس بالاغتراب، سواء كان اغترابا داخليا أم خارجيا.. فنضيع وسط الزحام وصخب المنفى. هذا الوجع الذي أحدثته الغربة داخل الوطن، أو خارجه.. في فضاء جغرافي ننتمي إليه، بتلك الإكراهات التي تدفعنا إلى اختيار الهروب، أحيانا، لنعيش منفى اختياريا. خلاله نعيش مرارة التمزق ومرارة الاشتياق والفراق. في حين يظل وجع الأرواح، بما أحدثته الوحدة والاغتراب الداخلي، ألما يدق أجراس الرحيل ويجعل من الذاكرة حقول منساة، تفوح منها روائح الرحيل.. ذكريات نعيد ترتيبها في يما بعد مسكونة بوجع الألم والحنين. أحيانا نجلس القرفصاء داخل أرواحنا، نراقب أرجل الراجلين، وكأن وجوههم لاتعنينا في شيء، بل الخطوات ووقعها المنذر بالرحيل.. الاغتراب، هذا الشعور المقيت، يرمي بنا في عتمات الحزن والعزلة والاكتئاب والسوداوية، التي تجعلنا في حرب مع ذواتنا، التي نحس أنها غريبة عنا، تتمزق بين الحنين والذكرى، تصهل خلف غربة المكان والزمان، مما يجعلنا غير قادرين على التصالح مع دواخلنا، والعيش بسلام.. وحينها نختار الهروب الى أحضان الانطوائية والوحدة التي هي بداية النهاية. في هذا المفترق، يكون منفى الشعور أو الاغتراب عن الذات هو بداية الانكسار، موت بطيء، موت يومي، من وجع منفاها الداخلي، لحظة مفصلية ومفترق للتيه والضياع، فجوة بين الذات والتصالح مع واقع أجبرنا فيه على الاغتراب بالقوة.. لعلها اللحظة المناسبة، كي نفرد فيها أشرعة الرحيل عن عالم يمطر ضجرا، ندع أيامنا البعيدة والقريبة، وكذلك كل التفاصيل التي أرهقتنا، لحظتها نكون أمام قرار مصيري: إما أن نختار تغيير المستقبل، بإرادة واعية أو يحملنا الزمن الى العدم.