بصورة فاقت كل التوقعات، نزل الآلاف من المواطنات والمواطنين بخنيفرة إلى الشارع، بعد زوال يوم الجمعة 24 أكتوبر 2014، على شكل روافد بشرية من مختلف أحياء المدينة، حيث التقوا أمام مقر عمالة خنيفرة التي كانت مطوقة برجال الأمن والقوات المساعدة ومختلف أفراد السلطة الإقليمية والمحلية وأعوانها، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وقد أشهر مواطنون فواتير تحمل مبالغ صادمة وغير مقبولة منطقيا، مع تعبير الجميع عن حيرتهم بالتساؤل حول المعايير التي تم اتباعها في تحديد القيمة. ولم تجد العديد من الفئات المعوزة والمحدودة الدخل تفسيرا شافيا للمبالغ «المفخخة» التي حملتها الفواتير، وفي تصريحات ل «الاتحاد الاشتراكي» تساءل أحد المتقاعدين في المسيرة الشعبية حول كيفية أداء فاتورة قيمتها أزيد من 1400 درهم ومعاشه لا يتعدى 1200 درهم، بينما لم تكف إحدى العجائز عن البكاء وهي تعرض أمام الجميع فاتورة بقيمة 1800 درهم، بينما أجمع الكثيرون أن مبالغ فواتيرهم تضاعفت بثلاث مرات وفي عدد من الحالات بأربع مرات، وقد صدحت حناجر المتظاهرين بشعار «ما مخلصينش» تعبيرا منهم عن رفضهم أداء الفواتير إلى حين حل المشكل، بل إن آخرين نددوا باستغلال مياه أم الربيع التي يعتبرونها من خيرات إقليمهم. الوقفة الحاشدة التي لم تشهد لها المدينة مثيلا منذ سنوات طويلة، تحولت إلى مسيرة انطلقت من أمام عمالة الإقليم صوب مقر وكالة المكتب الوطني للكهرباء، حيث ردد المتظاهرون مجموعة من الشعارات المنددة بفواتير الكهرباء الملتهبة، وكادت الأمور أن تنفلت أمنيا لحظة قيام أحد مستخدمي هذه الوكالة بحركة استفزازية تجاه المحتجين، وذلك قبل أن يواصل المتظاهرون مسيرتهم باتجاه مقر إدارة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب حيث صرخوا بأعلى سخطهم وغضبهم من خلال جملة من الشعارات القوية التي نددت بالارتفاع الصاروخي في فواتير الماء، ليعود الجميع ثانية للتجمهر أمام عمالة الإقليم بصورة هستيرية استنفرت مختلف أجهزة القوات العمومية خشية «هجوم» على مقر العمالة، سيما في اللحظات التي كان فيها المتظاهرون على مشارف الباب الرئيسي وهم يطالبون عامل الإقليم بالخروج إليهم. المظاهرة التي عرفت مشاركة واسعة لمختلف الفئات والأعمار، وللعديد من الفعاليات الجمعوية والحقوقية والنقابية والسياسية والتربوية، والإطارات النسائية والشبابية، والمعطلين والمتقاعدين والعمال والفلاحين والتجار والطلبة والباعة المتجولين، حيث تم تأثيث الانتفاضة بلافتات ويافطات تندد بغلاء الفواتير، فيما اختار البعض حمل صنابير وقارورات فارغة، في إشارة لما وصفه الكثيرون ب «الكارثة» التي نزلت على أحوالهم المعيشية، كما اتسع سخط المتظاهرين بسبب عدم تقدم أي مسؤول لمطالبتهم بممثلين عنهم لطاولة الحوار، في حين لم يفت أحد المنظمين مطالبة المحتجين بتشكيل لجان شعبية لتدبير الأزمة. عناصر الأمن والقوات المساعدة ظلت تتعامل مع الوضع بشكل من المد والجزر دونما أي استفزاز أو تدخل عنيف، كما أن سلمية المتظاهرين دفعت بالأمن إلى خيار مراقبة هذا الوضع عن بعد، ربما من باب الاستجابة للتعليمات الصادرة في هذا الشأن لكافة المسؤولين بمعالجة جميع المشاكل المتعلقة بهذه الأزمة الخطيرة التي أضرمت نار الاحتجاجات بمختلف الشوارع المغربية. ومن أقوى الهتافات الغاضبة التي رفعها المتظاهرون هي تلك التي طالبت برحيل الفاسي الفهري المدير العام لمكتبي الماء والكهرباء، فضلا عن شعارات من قبيل ، «لا خَدْمة لاَ رَدْمة باشْ نْخلصُو هاذْ المَا»، إلى جانب التشديد على شعار «واحدْ جُوج ثْلاثة اللّي خَلَّص شْماتة» و«ما مخلصينش» في إشارة لرفض الأداء إلى حين تسوية الأمر بما يتماشى والوضع الاجتماعي للمواطنين، بينما لا تزال كل المؤشرات باتجاه ما يحذر من مواقف شعبية أكثر تصعيدا، في حين تفيد تنسيقية عدد من الأحياء الشعبية بخنيفرة أنها بصدد النزول إلى الشارع في الساعات القليلة المقبلة. ووفق مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، كانت بعض الجهات قد حاولت التخفيف من حدة الغليان الشعبي قبل أيام قليلة من مسيرة الجمعة، عبر إمكانية التحقق من الاستهلاك بالنسبة للمتضررين الذين يشكون في وجود خطأ أو خلل في العداد، غير أن غليان الشارع كان أقوى من أية محاولة للامتصاص أو التطمين، وذلك في وجود إجماع غير مسبوق على الاستمرار في الاحتجاج إلى حين إيجاد ما يمكن من الحلول، بينما صب الكثيرون جام غضبهم على حكومة بنكيران التي تعمل جاهدة على تحرير المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من أزمته على حساب جيوب المواطنين، سيما في تزامن «الكارثة»، كما وصفها البعض، مع مسلسل عطلة الصيف وشهر رمضان والدخول المدرسي وعيد الأضحى، والمؤكد أن تكون لفاتورة الماء مضاعفات على القدرة الشرائية والمعيشية والكرائية للكثيرين. وفي محاولة جديدة لامتصاص الغضب الشعبي، قالت مصادر متطابقة إن عمالة إقليمخنيفرة قامت بتشكيل لجن تضم ممثلين عن السلطة المحلية والمكتبين الوطنيين للماء والكهرباء، مهمتها معاينة عدادات المتضررين، ما اعتبره المراقبون «مبادرة مثيرة للسخرية»، بينما اعتبرها آخرون «اعترافا من الجهات المسؤولة بوجود عشوائية في تقديرات المكتبين المذكورين»، في حين اعتبرها الكثيرون «مجرد محاولة استباقية لإجهاض تحركات (لجن الأحياء)» التي تكون قد عقدت اجتماعها يوم الأحد 26 أكتوبر، بهدف وضع برنامج نضالي مشترك من المرتقب أن «يتجسد» على مستوى الشارع المحلي في أية لحظة.