تحملن أسماء غالنتينا وغاليا أو إيرينا، ويجمعهن قاسم مغادرة بلدهن الأم للاستقرار في المغرب. لقد نسجت هؤلاء النسوة، المتزوجات من مهندسين وأطباء أسنان او صيادلة مغاربة درسوا بدول الاتحاد السوفياتي سابقا أو روسيا لاحقا، لأنفسهن حياة جديدة بالمغرب حيث أنجبن على أراضيه ومنهن من بات لها أحفاد. وقالت العديد من هؤلاء النساء، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن لا شيء يدفعهن لتغيير إقامتهن بالمغرب، البلد ذي القيم المماثلة لروسيا ودول أخرى كانت تشكل جزءا من الاتحاد السوفياتي المنحل. وكانت فالنتينا، الأرملة حاليا، قد التقت بزوجها آواخر سبعينيات القرن الماضي حينما كانت تدرس الهندسة الكيميائية بمعهد الهندسة بمينسك حيث كان يتابع فيه زوجها الهندسة الميكانيكية. وأقرت أنه لم يكن من السهل آنذاك مغادرة أهلها والانطلاق في مغامرة ببلد لا تعرفه إلا عبر ما يحكي لها زوجها عنه. وتقول في هذا الصدد "لم يكن وقتها لا فيسبوك ولا انترنيت، وكان المغرب، في المخيال المحلي، بلدا يعج بالجمال و تغطيه الرمال" لدرجة أن أسرتها عارضت زواجها "خشية بيعها ضمن العبيد". وما أن استقرت بالمملكة حتى وجدت نفسها فيها ولم يعد يخامرها أدنى أسى على الاقامة بهذه البلاد المعروفة باحترام قيم الأسرة ولطف الناس وجمالية الطبيعة. من جهتها، ترى غاليا أنها تتبعت المسار التقليدي للزوجة المغربية، إذ عاشت مع حماتها بعد الزواج في انتظار استكمال زوجها للخدمة المدنية. وبفضل هذا الخيار، تمكنت الزوجة الأوكرانية من تعلم الدارجة المغربية بشكل سريع فضلا عن الاطلاع عن مختلف مقومات الثقافة المغربية. وحاليا تحرص على ارتداء القفطان المغربي في المناسبات والاحتفالات العائلية ويطيب لها إعداد وجبات مغربية والشاي وتجاذب أطراف الحديث مع صديقاتها وجيرانها بالدارجة المغربية. وتنتمي إرينا لجيل الروسيات اللواتي لم تعشن حقبة الاتحاد السوفياتي، اذ استقرت قبل ثلاث سنوات بالمغرب حيث لا تخفي سعادتها بالإقامة و الاندماج على أراضي المملكة بسلاسة. وتابعت إيرينا، التي تنحدر من قازان، دراستها بتامبوف قبل أن تلتقي زوجها بموسكو في رحلة دراسية تعززت بعدها علاقاتهما بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تقتصر العلاقات الروسية المغربية حصريا على الزواج المختلط الذي قد يتراوح ما بين 3500 و4000 حالة بحسب الأرقام التقريبية التي لا تأخذ في الحسبان المواطنات المنحدرات من دول الاتحاد السوفياتي المنهار. ومنذ بداية القرن العشرين، كان المغرب أرض استقبال للعديد من موجات الهجرة الروسية إثر الثورة البلشفية و الحرب العالمية الثانية أو الحقبة الستالينية. وشكل هؤلاء الروس، الذين كان أغلبهم لاجئون، جالية متضامنة قبل أن ينخفض عددهم في سنة 1958 بعد هجرتهم الى الولاياتالمتحدة. وبين 1920 و1930، كانت الجالية الروسية تتشكل على الخصوص من ضباط بحرية وجنود انضموا للقوات الفرنسية ومتخصصين وصلوا الى المغرب للمشاركة في إنشاء بنيات تحتية لتصدير الموارد كما هو الشأن بالنسبة للميناء النهري ليوطي بالقنيطرة والخط السككي الرابط بين الدارالبيضاء ومراكش. كما استقبل المغرب ممثلين عن عائلات شهيرة كميشال لفوفيتش تولستوي، نجل الكاتب الشهير ليون تولستوي، وإيغور كونستاتينوفيتش أليسكاييف نجل الممثل ستانيسلافسكي، ونيكولاس مينشيكوف، المتخصص في الجيولوجيا الذي اشتهر بمساهمته في اكتشاف البترول بالجزائر. كما اختار العديد من النبلاء الروس الاستقرار في المغرب كأسرة بولين-شيريميتيفدي مازايير. وقد ورثت بولين، واسمها الفعلي براسكوفيا بيتروفنا شيريميتيفا، هذا اللقب وكانت الحلقة الأخيرة من موجة الهجرة الروسية الاولى نحو المملكة في عشرينيات القرن الماضي. وعاشت بولين حياتها كاملة بالمغرب التي رأت النور على أرضه، وتسعى حاليا الى حماية ذاكرة الروس بالمغرب عبر كتاب بعنوان "تاريخ الروس بالمغرب" ستنشره دار النشر "روسكي بوت". وفي مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الروسية أجرتها قبل سنوات، أشادت مؤسسة الرواق الفني "ورشة الرباط" بالمغرب، مبرزة روح التسامح السائدة بالبلاد التي ترعرعت فيها. وقالت في هذا الصدد "لقد كبرنا في بيئة يختلط فيها الجلباب الأبيض مع القفطان، و مع السافاران الروسي (لباس روسي محلي)، لقد عشنا مع المسلمين في أجواء يطبعها التفاهم، إن هذا هو ما يطلق عليه التسامح". وبسعيها للحفاظ على بصمات الأجيال الروسية التي أقامت بالمغرب، كشفت بولين النقاب عن جزء غير معروف من التاريخ المشترك بين المغرب وروسيا التي ستعيش بعد أيام تحت الأضواء بمناسبة كأس العالم 2018.