نظمت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، نهاية الأسبوع الماضي ندوة علمية في موضوع «أي دور للفكر الفلسفي في الواقع العربي المعاصر؟»، بمشاركة الباحثين إدريس كثير، وعادل حدجامي. وقد قدمت عروضهما صورة عن الوضع التراجيدي للفكر والفلسفة العربيين، والذي يتمثل في كونها تلقت الحداثة ونقد الحداثة في نفس اللحظة، فتلقت مثلا الفكر العقلاني والأنواري للقرن السابع والثامن عشر في نفس اللحظة التي تلقت فيها الرجة النيتشوية والنقدين الماركسي والبنيوي. أمام هذا الوضع ينقسم المفكرون العرب بين من يدعو لتبني العقلانية في صورتها الديكارتية الصلبة حصرا على اعتبار أنها هي الأنسب لوضعنا الذي يطبعه التخلف والفقر وما إليه، ومن يدعو إلى ضرورة مسايرة حركة الفكر العالمية وعدم الجمود على تقليد معين حتى لا نسقط في أحابيل الإيديولوجيا الوثوقية كما حصل في فترات سابقة مع الفكر الماركسي وكما هو حاصل اليوم مع الفكر الوضعي العلموي. وسعت المداخلتان إلى بيان أن هذا الوضع التراجيدي عاشته مجالات أخرى من الثقافة العربية كالأدب، حيث كان على الروائيين والشعراء العرب مثلا أن يستوعبوا و يجربوا في عقود قليلة ما جربه الغرب وعاشه في قرون ( تجربة نجيب محفوظ مثلا التي تطورت من واقعية إلى رومانسية إلى الرواية الجديدة في ظرف وجيز)، وأن هذا الوضع يفرض على المفكرين العرب أن ينهضوا بمسؤولية استيعاب ما مضى وتمثل ما يحدث في آن، أي أن يفكروا في ديكارت باستحضار ما جاء بعده، وأن يترجموا ويهتموا بنيشته باستحضار الشرط التاريخي الذي جعله ممكنا، وأن يسايروا تطورات الفلسفة الأخلاقية والحقوقية والتحليلية المعاصرة دون نسيان ما انبت عليه هذه الفلسفات من مطويات عاشها الغرب ولم نعشها نحن، والنهوض بأمر صعب مثل هذا يتطلب التحرر من التقسيمات والأحكام التي لا قيمة لها من مثل تصنيفات فلسفات بأنها فكر حداثي نافع وأخرى بأنها فكر مابعد حداثي غير نافع . فالحداثة وما يسمى بما بعد الحداثة متداخلان عمليا لأنهما اليوم لم يبقيا خطابا نظريا، بل تحولا إلى ما هو ملموس في السلوك والمعيش واللباس والمعمار والتواصل وغيره، فمن العبث اليوم الدعوة إلى التمييز الأخلاقي بين ما صار عمليا في حكم الواقع، ثم أن نقد الحداثة هو من صميم الحداثة، لأنه ليس إلا الحداثة وقد وعت بحدودها وشروطها، كل هذا يفترض حرية مطلقة في التفكير لا يكون معها من المقبول الحجر على مذهب أو فكر، فنحن نحتاج كل شيء، وحرية التفكير والبحث وانفتاحهما المطلق هو الكفيل مع مرور الوقت ومراكمة الجهد والنصوص من أن يمكننا من استيعاب ما تحقق عند غيرنا ومن مسايرة إيقاع العالم.