احتلت قضية العنف ضد المرأة حيزا واسعا في اهتمام المجتمعات العربية في غضون الأعوام الأخيرة، بيد أن تعامل الحقل الإعلامي العربي مع هذه القضية كان موضع اختلاف في الرؤية، بين طرف يرى بأنه أسهم في نشر التوعية حيالها، وطرف آخر يرى بأنه ساعد في تفشيها. وينحاز الطرف الذي ينادي بجدوى الإعلام في محاربة العنف ضد المرأة إلى البرامج التوعوية والنشرات التثقيفية المتزايدة، والتي ما فتأت تنشر الثقافة القانونية لدى النساء المعنفات وتحض الجنس الآخر على مجافاة وسائل العنف ضدها، فيما يرتكز الطرف الذي يرى في الإعلام العربي أداة لتذكية العنف ضد المرأة إلى مشاهد العنف الكثيرة ضدها، والتي يرى بأنها تسهم أيما إسهام في جعلها اعتيادية لدى المشاهد، إلى جانب ظاهرة «تسليع» المرأة عبر مشاهد الإغراء المتزايدة، والتي يرونها مسببا رئيسيا للعنف ضدها، بحسبهم. في البحث التالي، سيصار إلى تحليل القضية عبر أسس بحثية تجعل من دراسة الحالة منهجية لها، ليتم اعتماد الاستقصاء والمقابلة أداتان لهذه الدراسة الاستطلاعية. الفرضيات التي ينطلق منها البحث الفرضيتان التاليتان هما الأساس الذي ينطلق منه البحث: - أن هنالك عنف واقع على المرأة، تثبته الأرقام والإحصاءات والتحقيقات الصحفية والتقارير الإخبارية العربية والعالمية، والتي سيتم التطرق إليها في ثنايا البحث. - أن هنالك تعامل من قِبل وسائل الإعلام العربي مع ظاهرة العنف ضد المرأة، وإن كان هنالك اختلاف حول رؤية هذا التعامل؛ إن كان يسهم في الحد من العنف أو أنه يزيد منه ويذكيه. ويثبت هذه الفرضية الأعمال الإعلامية والفنية الكثيرة التي تكون المرأة محورها، إلى جانب ملاحظات المراقبين للوسط الإعلامي والفني. الأسئلة التي يجيب عنها البحث، والتي تتضمن تحديدا لأهميته: - هل أسهم الإعلام العربي حديثا في نشر التوعية بخصوص العنف ضد المرأة؟ - هل أسهم الإعلام العربي حديثا في التقليل من منسوب العنف ضد المرأة؟ - هل تساهم مشاهد العنف التي تُعرض ضد المرأة عبر وسائل الإعلام، في التنفير من العنف، أم إن كثرتها تجعل من العنف اعتياديا لدى المشاهد؟ أبرز المصطلحات التي يتضمنها البحث التحقيق الصحفي: يبحث ويفضح إشكالا سياسيا أو اجتماعيا. وهو يشبه البحث العلمي، غير أنه يختلف عنه في الأسلوب. الريبورتاج الصحفي: يملك تقنية خاصة تشمل تجميع المعلومات اللازمة حول المواضيع التالية: أسماء أبطال الحدث وأعمارهم وطريقة تعبيرهم، إلى جانب المشاهدات حول الموضوع مع إيراد الجو العام الذي يحيط بالقضية، مع جعل الصحفي سؤال: ما الرسالة التي أريد إيصالها، نصب عينيه أثناء كتابته الريبورتاج. التقرير الإخباري: من أجل كتابته يذهب الصحفي عادة لمكان الحدث؛ لجلب المصادر الإخبارية التي يمكنها مساعدته عن طريق إعطائه المعلومات اللازمة. وهو الذي يعطي القارئ المعلومات الأساسية حول حدث ما، ويتضمن اختيار المعلومات المرتبطة بالحدث، كما يتطلب وجود الصحفي في مكان الحدث لنقل الوقائع التي يشاهدها، ومن ثم ليترك للمتابع حرية الحكم عليها.
أبحاث سابقة حول الموضوع أبحاث عدة إلى جانب مقالات وريبورتاجات صحفية كثيرة كانت ناقشت قضية العنف ضد المرأة بأشكاله كافة، إضافة إلى تشريح التعامل الإعلامي مع الظاهرة، وتحديدا في الأعوام الأخيرة. ومن بين الأبحاث التي تناولت الظاهرة ما يلي: -" مناهضة العنف ضد المرأة: الإعلام الغائب"، للباحثة زينة عوض في العام 2004. - "وسائل الإعلام في مناهضة العنف ضد المرأة"، للباحث خليل اقطيني في العام 2008. "تعدد القنوات الفضائية وتكريس ممارسات العنف ضد المرأة في العراق" للباحث صفد الساموك في العام 2008. - تقرير لمنظمة العفو الدولية في هذا الشأن صدر في العام 2004.
نظريات إعلامية داعمة لموضوع البحث تتحدث النظريات الإعلامية التالية عن دور الإعلام في القضايا التنموية في المجتمعات، وكيف تسهم المواد الإعلامية في تسليط الضوء على تلك القضايا مع اقتراح حلها: يقول الباحث المصري عبده إبراهيم الدسوقي في كتابه "التلفزيون والتنمية"، إن وسائل الإعلام والتصال وأهمها التلفزيون غدت "من العوامل الهامة والمؤثرة في تكوين الاتجاهات الاجتماعية ولاسيما التلفزيون، نظرا للمزايا العديدة التي يتمتع بها، والتي تميزه عن غيره من وسائل الاتصال الجماهيرية". ويمضي الدسوقي شارحا، عبر قوله "فهو يستطيع من خلال الصوت والصورة التأثير مباشرة في اتجاهات الأفراد داخل المجتمع، كما أنه يستطيع أن يساهم بدور كبير في تغيير هذه الاتجاهات أو تعديلها، توجيهها طبقا لمتطلبات العصر والمجتمع". وعن دور التلفزيون في التنمية تحديدا، يقول الدسوقي "يرتبط دور التلفزيون باعتباره أحد وسائل الإعلام الجماهيرية المتطورة إزاء قضية التنمية، بتقدم المجتمعات النامية. وذلك من خلال إحداث تغيرات في اتجاهات الأفراد وسلوكهم وميولهم، من أجل زيادة رغبتهم نحو التنمية". ويردف قائلا "وتقديرا لأهمية هذا الدور الذي يمكن أن يؤديه ويقدمه التلفزيون في تنمية الشعوب والأخذ بها على الطريق الصحيح، فقد سارعت منظمة اليونسكو إلى إنشاء إدارة خاصة، تكون مهامها الرئيسية في الاتصال الجماهيري، ودعت هذه المنظمة الدول إلى ضرورة الاهتمام بوسائل الاتصال الجماهيري والعمل على نشرها على أوسع نطاق، كما قدمت المساعدات اللازمة والممكنة في مجال الدراسات والبحوث وعقد المؤتمرات الإقليمية، خاصة في الدول النامية لمناقشة استخدام وسائل الاتصال ولاسيما التلفزيون لخدمة القضايا وأغراض التنمية". وبحسب الدسوقي، فإن التلفزيون يسهم في "توضيح الصورة العامة للحياة في المجتمع، وكذلك المشاكل التي تواجه المجتمع والنتائج المترتبة عليها وكيفية مواجهة هذه المشاكل وأن السبيل في علاجها يتم من خلال التنمية، وبذلك يزداد الوعي في المجتمع ويؤدي إلى الانتقاء الفكري الذي يعمل على تقارب الأفكار داخل هذا المجتمع والأفكار الخارجية". ويعرّج الدسوقي على عوامل عدة تجعل للتلفزيون أثرا كبيرا في عملية التنمية في المجتمعات النامية، ومنها "قلة التعليم وانخفاض مستواه في هذه الدول، معدل انتشار التلفزيون في هذه الدول خلال الآونة الأخيرة وكذلك معدل انتشار محطات التلفزيون وزيادة ساعات الإرسال وتنوع البرامج أيضا، انخفاض المستوى المادي لهذه الدول، وانتشار المشاهدة الجماعية في البلدان النامية ما يتيح فرصة التفاعل المشترك، السرعة الهائلة في مشاهدة وسماع الحدث، جاذبية التلفزيون، قدرة التلفزيون على مناقشة المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالواقع الاجتماعي".
البحث ترصد الناشطة في حقوق المرأة المحامية رحاب القدومي أن الحياة العصرية برمتها كانت "سلاحا ذو حدين" على مجمل أوضاع المرأة؛ إذ تقول أنها بالقدر الذي أتاحت فيه للمرأة فرصا لإثبات ذاتها ولتحقيق الاستقلالية المادية، فإنها على صعيد آخر جعلتها مع مواجهة مباشرة للعنف، بحسبها. توضح "الحياة العصرية تضغط بثقلها وهمومها الاقتصادية على كلا الزوجين، ما يجعل العنف سبيلا لتنفيس هذه الضغوطات الثقيلة".
وإذ تعدد القدومي أشكالا عدة للعنف ضد المرأة كالعنف الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، فإنها ترى في تعامل الإعلام مع العنف ضدها "شيئا إيجابيا"؛ معللة "الجانب الإيجابي يهيمن على تعامل الإعلام مع العنف ضد المرأة، إذ سلط الضوء عليه وأظهر بشاعته، مناقشا إياه عبر البرامج والمسلسلات والتقارير الإخبارية". وتلتقط القدومي جانبا آخر لدور الإعلام الإيجابي في هذا الصدد وهو "زيادة التوعية القانونية بحقوق المرأة"، قائلة "باتت ثقافة المرأة القانونية أعلى جدا من السابق، ما جعلها ترفض في حالات كثيرة العنف الذي كانت تتقبله سابقا وتتحاشى الحديث عنه". وترى الإعلامية عبير أبو طوق أن التعامل الإعلامي مع العنف ضد المرأة بات يتخذ شكلين وهما إما "التطرق إليه في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، أو من خلال الحديث عنه بمزيد من الواقعية كما في المقالات الصحفية والتقارير الإخبارية والبرامج الوثائقية". وتلاحظ أبو طوق أن حجم الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تتحدث عن الظاهرة تفوق المواد الصحفية والوثائقية في هذا الصدد، مدللة على ذلك بقولها " فمثلا لا نجد في نشرة أخبار رئيسية أو على الصفحة الأولى لإحدى الصحف المحلية خبرا يتحدث عن العنف ضد المرأة من خلال قصة واقعية، إلا فيما ندر". وتستدرك قائلة، "وحتى إن تم ذلك، فإنه يخلو من البيانات والأرقام الإحصائية التي تغيب عن المشاهد والقارئ وصانع القرار، فلا يعرف الأخير مثلا عدد السيدات اللواتي يتعرضن للضرب من أزواجهن، أو عدد السيدات ممن لم يحصلن على فرصة عمل جيدة رغم مؤهلاتهن العلمية نظرا لأنهن زوجات أو أمهات". وتصف أبو طوق التعريض لقضية العنف ضد المرأة إعلاميا بذلك الذي "يتم على استحياء"، ومن خلال دراما تكرس صورة "سي السيد"، بحسبها. وتقول أبو طوق إن تعزيز صورة الزوجة وربة البيت المستكينة من خلال الأعمال التلفزيونية والسينمائية "يسهم في زيادة العنف ضدها بدلا من تقليله"، وتسوق المثال على ذلك بقولها "كما يحدث في كثير من المسلسلات السورية والمصرية التي تتلقى فيها المرأة إهانات وشتائم عدة، بيد أنها تتقبل ذلك من دون اعتراض". وتصف أبو طوق الإعلام العربي ب "المقصر" في تناوله الظاهرة، مقابل التركيز على النواحي الجمالية والشكلية للمرأة، وتجاهل قضاياها الأخرى ك "تعرضها للعنف والاضطهاد لأنها مجهولة النسب أو يتيمة، أو قضايا أخرى تترض لها بعضهن كالاغتصاب أو ظاهرة فتيات الليل و ما يقف وراءها في مرات كثيرة من ظروف نفسية واجتماعية تدفعهن لذلك"، مستذكرة في هذا المقام "إيقاف حلقات الإعلامية هالة سرحان، لأنها ناقشت القضية الآنفة، وبحجة أن الحلقة كانت كذبا وافتراء". وترصد أبو طوق مشهدا "يتكرر كثيرا"، بيد أنه يدل على عمق المشكلة المتجذرة، بحسبها، وهو "عندما يستضيف أحد المذيعين سيدة أو سيدات ناجحات وناشطات، مقابل الحديث نظريا فقط عن المعنفات والمضطهدات، ومع حشو إعلانات تجارية تستثمر جسد المرأة بين فقرات البرنامج الذي ينادي بحقوق المرأة". ولا تبرء أبو طوق المرأة من القضية؛ إذ تقول بأنها "كثيرا ما توافق على هذا الاستغلال"، وهو ذات ما تشير إليه الإعلامية حنان الكسواني، إذ تقول "يرسخ الإعلام حاليا صورتين للمرأة، وهما إما ذليلة منكسرة تتلقى الضرب والتعنيف من الرجل، أو مجرد جسد يمارس الإغراء ويُستثمر في الربح التجاري". وكانت الصحفية زينة عوض، نشرت في العام 2004 دراسة تحت عنوان "مناهضة العنف ضد المرأة: الإعلام الغائب"، قسمت فيها العنف ضد المرأة في الحياة الواقعية كما في الإعلام إلى أصناف عدة منها "العنف في العائلة، العنف الموقع بأيدي الدولة، العنف في المجتمع". وعلى الرغم من كون عوض لم تبين مصدر معلومة أوردتها في دراستها، وهي أن "النزاعات في المنطقة كفلسطينوالعراق والجزائر والسودان تسبب العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط، (?-) إذ يشعر الرجال بفقدان سلطاتهم جراء الفقر والقمع وانعدام الأمن بشكل عام، فيفرغون إحباطهم على عائلاتهم. وعلى سبيل المثال تزايد العنف ضد المرأة في فلسطين على نحو دراماتيكي خلال الانتفاضة الأولى والثانية"، برغم ذلك عرّجت عوض على تغطيات صحفية للعنف ضد المرأة في صحيفة الأهرام المصرية على سبيل المثال. وخلصت عوض لنتيجة ظهرت في عنوان دراستها، وهي أن الإعلام "غائب"، عن قضية العنف ضد المرأة، مدللة على ذلك بلقاءات كانت أجرتها مع "الجمعية اللبنانية لتفادي العنف ضد المرأة" و"مركز المرأة الفلسطينية للمساعدة والاستشارة القانونية"، وخرجت منها بنتيجة مفادها أن التغطية الإعلامية لهذه القضية إما "غير ملائمة وتستثي المرأة عندما تتطرق لهذه المسائل، أو أنها تتناولها سريعا ولاتبرزها أبدا في الصفحة الأولى". وتستند عوض إلى تقرير صادر عن مؤتمر الجندر ومجلة الرائدة، وآخر صادر عن مركز دراسات المرأة الجديدة في مصر، تبين فيه أنه خلال عرض ثمانية عشرة مسلسلا مصريا في شهر رمضان، "كان هنالك 500 حلقة عنيفة، كما لم يخل أي مسلسل من العنف، إذ تعرضت 43 بالمئة من النساء للضرب، بينما تعرضت 13 بالمئة منهن للقتل". وتقول عوض إن ردود أفعال المشاهدين تراوحت من "غياب الحنق العام إلى التجاهل التام"، معقبة أن نتائج أبحاث كثيرة تشير إلى أن "الأفلام التي تتطرق إلى مواضيع جنسية منحطة وعنيفة تؤدي إلى فقدان الأحاسيس العاطفية". كما تردف عوض "بشكل عام، وجد مركز الأبحاث الجديد حول المرأة أن وصف المرأة سلبي في الأفلام والمسلسلات. وفي الحالات الاستثنائية القليلة وصفت النساء على أنهن زوجات أو عشيقات أو أمهات لايشكلن أي مصدر للأذى (?) كما خلصت لنتائج المركز ذاتها الأستاذة في جامعة القاهرة عواطف عبد الرحمن التي وجدت في تقرير لها صدر في العام 2003 أن الإعلام العربي منحاز لمصلحة أدوار المرأة التقليدية ويركز على دور النساء الاستهلاكي على حساب وضعهن كأفراد يكسبن مهنيا المال". وتطرقت بعدها عوض إلى العنف ضد المرأة العراقية في الإعلام، قائلة "في الصورة العامة لعراق ما بعد الحرب، يتم تجاهل العنف المرتكز على أساس الجندر، فيما يركز الإعلام بكامله تقريبا على الحافز الإثني والوطني للعنف في عراق ما بعد الحرب، وقد يبدو أن ثمة واقعا موازيا للمرأة يغيب عن التغطية الإعلامية ولا يبرز إلا عندما يطول الرجل كتغطية الاعتداء الجنسي في السجون التي يديرها الجيش الأميركي". النقاط ذاتها، يشير إليها الباحث صفد الساموك في بحثه "تعدد القنوات الفضائية وتكريس ممارسات العنف ضد المرأة في العراق"، قائلا "في العراق، فضلا عن تعرض المرأة للعنف، الذي يمكن أن تتعرض إليه بقية النسوة في مختلف المجتمعات، بدأ عدد من القنوات الفضائية المملوكة للأفراد بتقديم صورة مشوهة عن المرأة، ويعزز الخطورة المستقبلية في ذلك النظرة بأن الإعلام صورة مصغرة عن المجتمع". وإذ يقول الساموك بأن ما سبق لم يكن بقصد إيقاع العنف ضد المرأة العراقية بشكل معد له سلفا، من قبل القائمين على هذه القنوات، وإنما أتت كنتيجة "للتخطيط الإعلامي غير الصحيح في أثناء تحديدهم للأهداف التي ترمي مؤسساتهم الإعلامية إلى تحقيقها"، فإنه يقول أيضا "يهدف ذلك إلى اجتذاب جموع المتلقين بوقت قياسي، وسط كم هائل من الفضائيات، عبر توظيف الإيحاءات الغريزية في أساليب متعددة، دون النظر إلى الآثار المستقبلية السلبية على المتلقين والمرأة معا جراء التعرض لمثل هذه الرسائل". ويمضي الساموك في وصفه هذه الآثار، قائلا إن ما سبق يقدم "صورة ذهنية مشوهة عن المرأة، والترويج عنها على أنها سلعة تبحث عن مستفيد، يؤدي إلى تحفيز السلوك العنيف نحوها من قبل الرجل في البيت أو الشارع أو في الوظيفة ويمكن أن يعرضها إلى تحرش أو اعتداء فضلا عن الإسهام في خلق النموذج التخيلي للمرأة في ذهنية الرجل، والذي قد لا تنطبق مواصفاته على زوجته، فيتكرس سلوكه العدواني تجاهها، للتعبير عن احتجاج غير معلن أو مقبول الدوافع من قِبله، ويزيد ذلك من العنف الأسري والذي هو أحد مكونات العنف الاجتماعي بشكل عام". الأكاديمية والمراقبة الإعلامية لحقوق المرأة الدكتورة نيرة المنياوي، تقول بأن الإعلام "يدس السم في العسل في مرات كثيرة"، موضحة "يمرر الإعلام أفكار وممارسات قد تبدو في بدايتها شاذة غريبة، غير أنها لا تلبث تغدو متقبلة شيئا فشيء". تسوق المنياوي مثالا على ذلك، بقولها "لقد سلط الإعلام الأضواء الفسفورية الباهرة على المرأة وعلى العنف الواقع عليها، غير أنه روّج لصورة الست أمينة باستكانتها وخضوعها الأعمى، مقابل صورة سي السيد الفولاذية المتسلطة". وتذكر المنياوي من بين تلك الأعمال "ثلاثية نجيب محفوظ، مسلسل عائلة الحاج متولي، فيلم بحبك يا حمار"، شارحة عن الأخيرين "مرّرّ الحاج متولي فكرة تعدد الزوجات بقالب كوميدي طريف، نتج عنه تزايد حالات تعدد الزوجات بعد عرض المسلسل، ما حدا سيدة مصر الأولى إلى جانب التدخل المصري شبه الرسمي لوقف إعادة بثه؛ لدرء تبعاته وآثاره السلبية على المستويين الاجتماعي والنفسي". وأضافت "كما أن فيلم بحبك يا حمار وما صاحب افتتاح عرضه من رقص خليع وإيحاءات فجة، تسبب يومها في التحرش بعدد من الفتيات المتواجدات"، في إشارة لفداحة الأثر المترتب على الأعمال هذه، بحسبها. كما تعرج المنياوي على "ظاهرة الفيديو كليب التي تزج بأجساد نساء عاريات لترويج الأغاني الهابطة"، مردفة "كما أنه تحت ذريعة الواقعية والحداثة يتم التطرق لمواضيع جنسية فجة تسهم في المزيد من تنميط المرأة بقالب الجسد فقط". غير أن المنياوي تقر بأن أعمالا فنية وبرامجا أخرى تناولت المرأة "بإيجابية نوعا ما"، كفيلم "الباب المفتوح"، والذي تقول بأنه وغيره من الأعمال الأخرى "فضح الممارسات السلبية التي تقع المرأة ضحية لها، ومن ثم محاولته إصلاحها عبر الجهات المختصة". النقاط ذاتها، يشير إليها دكتور الإعلام في جامعة البتراء الأردنية تيسير أبو عرجة، منبها إلى أنه "ثمة فكرة دارجة أن الحديث بإسهاب عن موضوع ما يقلله، لكن ذلك ليس شرطا البتة". ويوضح قائلا، "تحدث الإعلام كثيرا عن ظاهرة العنف ضد المرأة، غير أنه لم يفلح في إلغائها، بل جعل منها اعتيادية نوعا ما، إلى جانب عدم إتباع هذا الحديث باتخاذ إجراءات حقيقية على أرض الواقع لمنع العنف الحاصل". وكان الباحث خليل اقطيني ذكر في دراسة منشورة له بعنوان "وسائل الإعلام في مناهضة العنف ضد المرأة"، إجراءات عدة يرى بأنها تسهم في المناهضة الإعلامية للعنف ضد المرأة، منها "تأسيس لجنة إعلامية عربية لمناهضة العنف ضد النساء، التوجه نحو الدراما كوسيلة إيجابية لخدمة قضايا المرأة، إيجاد تمويل شعبي للحملات الإعلامية لبث رسائل محددة للتعريف بالعنف وأشكاله وطرق معالجته، تعاون الإعلاميين مع ناشطي المجتمع المدني بهدف تغيير وضع المرأة في الحياة العامة والخاصة، العمل على وضع إطار إعلامي لمناصرة قضايا المرأة، القيام بدراسات استطلاع تحليلية عن دور الإعلام في إشاعة ثقافة تمييزية ضد النساء، تطوير وتحسين دور الإعلام وخاصة الإذاعات المحلية المسموعة والمرئية في عرض وتقديم أشكال ومظاهر العنف ضد النساء".
التوصيات التي خرج بها البحث - لابد من التركيز الإعلامي على قضية العنف ضد المرأة بقالب متوازن؛ يذكر المشكلة ويحللها ويقترح خطوات لحلها، من دون جعل القضية استهلاكية وبالتالي اعتيادية. - لابد من تقنين مشاهد العنف ضد المرأة في الأعمال الدرامية؛ إذ أشار كثيرون إلى أنها غدت اعتيادية، وفي مرات محفزة على العنف. - لابد من تدعيم الرسائل الإعلامية التوعوية حيال العنف ضد المرأة بجهد تنموي اجتماعي حقيقي، من خلال عقد الندوات والحلقات النقاشية والبرامج الاجتماعية ومشاريع دعم المرأة، كي تتَرجَم القيمة الإعلامية على أرض الواقع. - لابد لوسائل الإعلام من إيلاء مزيد من الأهمية للقصص الإخبارية والريبورتاجات التي تتحدث عن قصص واقعية للعنف ضد المرأة، لما لها من أهمية بالغة في إشعار المجتمع بحجم المشكلة وضرورة التدخل لحالها. المراجع "- التلفزيون والتنمية"/ لعبده إبراهيم الدسوقي. "- الإعلام والتنمية الشاملة"/ لمحمد منير حجاب. "- بحوث الصحافة"/ لمحمد عبد الحميد. - "معجم المصطلحات الإعلامية"/ لكرم شلبي. - "العنف ضد المرأة"/ د. عبد الله عبد الشكور. - المقالات والدراسات الصحفية المذكورة في ثنايا البحث، إضافة إلى الآراء المأخوذة لاختصاصيين في القضية، وهم: - الناشطة في حقوق المرأة المحامية رحاب القدومي. - الإعلامية عبير أبو طوق. - الإعلامية حنان الكسواني. - الأكاديمية والمراقبة الإعلامية لحقوق المرأة الدكتورة نيرة المنياوي. - دكتور الإعلام في جامعة البتراء تيسير أبو عرجة.