القصيدة الزجلية المعاصرة في حاجة إلى مقاربات متنوعة للكشف عن بعديها الجمالي والفني، لأن أغلب الدراسات اقتصرت على رصد شعرية القصيدة، وأغفلت جانبا مهما يتعلق بالصور التي يقدم بواسطتها الزجال ذاته، باعتبارها بنية حجاجية، تكمن وظيفتها في إقناع المخاطب بقيم المتكلم الحقيقي ومصالحه وغاياته. تتأسس مقاربتنا لبناء صورة الذات في ديوان «جبان كولوبان» على بعض الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها خلال هذا التحليل، وتركيزها في خلاصة سنذيل بها هذه الدراسة، ونصوغ هذه الأسئلة كالآتي: كيف يقدم الزجال ذاته؟ ما هي العناصر التي اعتمدها الزجال لبناء هاته الصور؟ 1.الذات باعتبارها ذاكرة. 2.تتولد في الرحم السيميوطيقي للنص الزجلي تيمات وأنوية دلالية، تشكل المتخيل النفسي والاجتماعي والتاريخي للذات الشاعرة، التي تبحث عن الانعتاق من أسر ذاكرة لا تزال جراحها توحي بالشؤم واليأس والبكاء والنواح على حد تعبير الزجال: ياك أنا غير من تم / موجة فابحر مجنون تحاول الذات الشاعرة، عبر هذا المقطع الزجلي، استمالة المتلقي بتصوير تاريخها المحفوف بالمحن والمآسي والسقوط والتردي، وهي صور تشيد ذاكرة متشظية ومغتربة، ويؤكد الزجال ذلك بتوظيفه لبنية تشبيهية (موجة فابحر مجنون) أذابت المسافة الفاصلة بينه وبين المتلقي، ومن ثمة، فعبد اللطيف البطل يمثل صوت الجماعة المستبدة والمستلبة، حسب تعبيره: ياك أنا غير من تم / غير اعويفية افكانون تتموقع الذات المبدعة، بصفتها قناة للاستحضار،عن طريق فعل ارتجاعي يستعيد وقائع وأحداثا تراها مهمة، وهي بذلك، تمارس التذكر من خلال الزجل، ثم الوصف باعتباره «عنصرا محركا ومولدا وإطارا تنبني داخله الصور». فالمتأمل للأبيات السابقة، يكتشف أن عبد اللطيف البطل يقدم ذاته في صور بانورامية (اعويفية، جامعة، شمعة، حاضية، تمسح)، ينقل عبرها الحالة النفسية لأفراد المجتمع ومعاناتهم اليومية مع الحياة، في حين أن الآخر لا يبالي بظروفهم ولا يراعي مشاعرهم، لذلك فالشاعر، يوظف تقنية الوصف ليستميل الآخر ليجعله يعيش التجربة نفسها، ويعتمد لغة استعارية (طار الفروج وغرقت انسورة)لاستعظام وتهويل الأحداث المسرودة. ويربط الزجال هذه الأحداث بالآخر، بحيث أن جل الأفعال تتصل بضمير الغائب (غرقت/طار). 1.محاولة تغيير الواقع يقدم الزجال ذاته كمسؤول عن تغيير الواقع، وتحسين سلوكات أفراد المجتمع بالنبش في واقعهم بغية الكشف عن أسباب التردي، يقول الشاعر: الشوفة خسرات / ولعقل يتوحم ويستند الزجال للقيام، بهذه المهمة، إلى لغة إيحائية قائمة على السخرية هدفها «الثورة على التحجر، وضيق الأفق، والنظر إلى الكون من ثقب»، يقول الشاعر : المحال ضيق الحال / والصبر اتهان / ودن لغراب فرسام مهجورة. ولتغيير الواقع المزري يستخدم الزجال أفعالا إنجازية، كالأمر والنهي اللذين يؤديان وظيفة تواصلية إقناعية، يقول: احضي راسك / را الصمت انواح يتابع الزجال إبراز قناعته وجديته في إعادة التوازن للمجتمع عن طريق ضمير يعود على الذات المتكلمة، يقول: نعرف نميز / حامض ؤ شهدية يوظف الزجال في هذا المقطع بعض الدوال (نعرف/ انميز) التي تجلي قدرته على تغيير بنية المجتمع، فيتحول بذلك إلى شخصية أسطورية تقاوم قسوة الظروف، مقابل أن يمتع الآخر بحياة متوازنة. بناء على ما سبق، نخلص الى أن الزجال عبد اللطيف البطل انفتح في ديوانه على الذات باستعراض أهم سماتها لخلق قصيدة زجلية قادرة على النفاذ إلى وجدان المتلقي. ولم يقف عند هذا الحد، بل حاول تقديم موقفه من الاختلال الذي يعاني منه المجتمع، عبر لغة وتقنيات خطابية متنوعة يقوض بها صورة الآخر، ويبني عبرها صور الذات. ومن هنا يتبين أن عبد اللطيف البطل صاغ قصيدة زجلية تنطوي على تقنيات حجاجية غير لغوية، بل هي عبارة عن قيم أخلاقية تتسم بها الذات الشاعرة، وهذه الطريقة تعكس تجربته، لأنه يؤسس لوعي خاص في مجال الكتابة الزجلية، كأنه يعي بأن الزجل قادر على احتواء بنيات حجاجية سريعة النفاذ إلى وجدان القارئ لإعادة تقويم سلوكاته المختلة.