تعتبر الحمى الروماتيزمية مشكلا وتحديا كبيرا للصحة العمومية لبلدان دول العالم الثالث، وتبين أهمية الوقاية التي تتطلب وسائل بسيطة لعلاج التهاب اللوزتين، مقابل مضاعفات عدم علاجها التي تتطلب إمكانيات استشفائية وعلاجية وجراحية ضخمة، مع استنزاف ميزانيات أسرية وعمومية يمكن أن توجه إلى أولويات أخرى. ومن عوامل الخطر المؤدية للإصابة بالحمى الروماتيزمية، نجد بالإضافة إلى القابلية العائلية والوراثية والعوامل البيئية، الحالة الاقتصادية والاجتماعية، سوء التغذية، الفوارق الصحية، والنقص في الولوج إلى المرافق العلاجية، والاكتظاظ الذي يساعد على انتقال عدوى البكتيريا العقدية من نوع أ. وتقدر الإصابة بالحمى الروماتيزمية في العالم الثالث ب 20 مليون شخص، وتعتبر السبب الرئيسى الأول في الوفاة بالأمراض القلبية في العقد الخامس الأول من الحياة. تحدث الحمى الروماتيزمية نتيجة إهمال أو عدم القيام بعلاج مناسب لالتهاب اللوزتين، وتتمثل خطورتها في إصابة عضلة القلب، وهو مرض يصيب الأطفال بين سن 5 و 15 سنة مع أعلى نسبة ارتفاع في سن 8 سنوات، بينما يعتبر نادر الحدوث قبل ثلاث سنوات، علما بأن 80 في المئة من الحالات تقع بين 5 و 19 سنة، دون إغفال أن الإصابات تحدث للشباب حتى سن 25 سنة. ويتساءل الطبيب المعالج، أمام توالي ظهور الأعراض السريرية، إن كان الأمر يتعلق بالحمى الروماتيزمية، إذ يشتكي الطفل من عدة أعراض تختلف من مريض إلى آخر، وتتجسد هذه الأعراض في ارتفاع حرارة الجسم، ألم الحلق، صداع واحتقان في الحلق، والتهاب باللوزتين. وبعد فترة زمنية من ظهور هذه الأعراض يشتكي الطفل من التهاب بالمفاصل مع ألم وارتفاع درجة الحرارة، ويتميز التهاب المفاصل بتنقله ويصيب غالبا مفاصل الركبة والكوع والكاحل، ويصاحب التهاب المفاصل التهاب عضلة القلب التي تنجم عنها آفات في صمامات القلب مع ظهور أصوات أو نفخات غير طبيعية عند الفحص الطبي، كما يمكن أن تظهر بعد مدة زمنية من ظهور هذه الأعراض "الكوريا" أو "داء الرقص" ، وهو عبارة عن حركات لا إرادية تقع نتيجة لالتهاب جزء من المخ، ومن أعراضه ضعف في الكتابة، صعوبة في ارتداء الملابس، صعوبة في المشي وتناول الطعام نتيجة للحركات العشوائية اللاإرادية. كما يشتكي الطفل المصاب من أعراض جلدية على شكل بقع جلدية هامشية مع عقد تحت جلدية غير مؤلمة ومتحركة. أمام هذه الأعراض السريرية، يستعين الطبيب المعالج ببعض التحاليل المخبرية لتشخيص الحمى الروماتيزمية، كالاعراض المخبرية لالتهاب الأجسام المضادة في الدم للبكتيريا العنقودية، رسم القلب الكهربائي، أشعة الصدر والقلب، والموجات الصوتية للقلب. وبعد تشخيص المرض يقوم الطبيب المعالج بإخضاع الطفل إلى جدول زمني للعلاج الوقائي والمتابعة لفترات طويلة لتقليل احتمال حدوث انتكسات جديدة. وتحدث الحمى الروماتيزمية نتيجة رد مناعي غير طبيعي ضد البكتيريا العنقودية عند بعض الأشخاص المؤهلين وراثيا ويعتمد منع الإصابة بالمرض على التشخيص المبكر والعلاج بالمضادات الحيوية المناسبة لكل حالات التهاب الحلق بالبكتيريا العقدية مبكرا ولفترة معلومة في بداية ظهور التهاب الحلق. ويقوم الطبيب المعالج بوصف جرعة واحدة من البنسيلين طويلة المفعول، أما بالنسبة لمريض الحمى الروماتيزمية فيلزم الطبيب المريض باستخدام البنيسلين طويل المفعول كل 3 أسابيع لمنع انتكاسة أخرى للمرض لمدة 5 سنوات حتى يصل الطفل إلى 18 سنة اذا كان لا يعاني من التهاب بالقلب. بالإضافة إلى علاج التهاب المفاصل لمدة تتراوح ما بين 6 و 8 أسابيع. وفي حالات التهاب القلب ينصح الطبيب المصاب بالراحة التامة واستخدام جرعة عالية من الكورتيزون بالفم لمدة 2 إلى 3 أسابيع مع السحب التدريجي للجرعة مع مواصلة العلاج بالبنيسلين حتى سن 40 سنة. وفي حالات التأثير الشديد على القلب مع آفات في الصمامات، يمكن للطبيب المعالج أن ينصح المريض بالعلاج الجراحي لإحلال صمامات القلب. وفي الختام ، ولتقريب القارئ من الحمى الروماتيزمية في المغرب ، استعرض هذا البحث الذي أنجزه المستشفى الجامعي ابن رشد لمدة 11 سنة على 31 حالة إصابة بالحمى الروماتيزمية عند الأطفال أقل من 5 سنوات، وقد بين البحث أن معدل سن الأطفال المصابين يتراوح بين 4 وأربع سنوات ونصف مع تسجيل الإصابة بالبكتيريا العقدية في كل الحالات، والتهاب اللوزتين في 30 حالة والتي لم يتم علاجها او علاجها بكيفية غير مناسبة. وقد حدد البحث 24 حالة لارتفاع الحرارة، والتهاب المفاصل المتنقلة في 16 حالة، والتهاب عضلة القلب في 16 حالة أخرى، كما سجل البحث أن التطور المرضي على المدى القريب كان إيجابيا في كل الحالات وتم شفاء التهاب عضلة القلب عند 9 أطفال، بينما تم تسجيل حالة انكسار واحدة عند طفل بعد 3 سنوات من الإصابة الأولية.