تزايدت المخاوف من حدوث أزمة أوروبية جديدة بسبب ترقب وصول حكومة مشككة بالاتحاد الاوروبي إلى السلطة في إيطاليا بعدما توعدت برفض إجراءات التقشف التي تفرضها بروكسل واعتماد سياسة متشددة حيال المهاجرين. وساد الانزعاج المفاجئ بين الحكومات والأسواق بعد أن أصبحت احتمالات أن يتولى الشعبويون السلطة في رابع أكبر اقتصاد في أوروبا، حقيقة واقعة بعد أشهر من عدم التوصل إلى تسوية. ويبدو أن الفترة التي كان يتجاهل فيها العالم ما يحدث على أمل أن يتم تفاديه قد انتهت. فقد بات على رئيس ايطاليا اتخاذ قرار بشأن تعيين المحامي غير المعروف جوزيبي كونتي رئيسا للوزراء. وقد طرحت حركة خمس نجوم المعادية لمؤسسات الحكم وحزب الرابطة القومي، اللذان يشكلان معا أسوأ كوابيس الاتحاد الأوروبي – اسم كونتي ليمثل أكبر حزبين فازا في انتخابات مارس. وصرحت مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم للصحافيين في بروكسل ردا على سؤال حول الوضع في إيطاليا «نعم، هناك بعض الأمور المقلقة هناك». والخوف الأكبر هو أن تثير إيطاليا، العضو المؤسس للاتحاد الاوروبي واليورو، التوتر في أسواق المال وتتسبب في أزمة جديدة في منطقة اليورو من خلال رفضها الالتزام بأهداف الإنفاق والدين التي حددتها بروكسل. ووجه نائب رئيس المجلس الأوروبي للشؤون المالية فلاديس دومبروفسكيس تحذيرا صارما للإدارة الايطالية المقبلة وقال إن عليها أن تتبنى سياسة ميزانية «مسؤولة». وصرح دومبروفسكيس لصحيفة «هاندلسبلات» الألمانية المعنية بالمال والأعمال «نرى أن بقاء الحكومة الإيطالية على المسار الصحيح في اتباع سياسة مسؤولة في ما يتعلق بميزانيتها أمر مهم». وأشار إلى أن لدى ايطاليا ثاني أعلى مستوى من الدين العام بعد اليونان، موضحا سبب رغبة بروكسل في أن تواصل روما التقيد بقواعد الاتحاد الأوروبي. وأشار دومبروفسكيس إلى أن خطة الحزبين الايطاليين التي تقضي بخفض الضرائب بشكل كبير والتراجع عن الاقتطاعات من الرواتب التقاعدية ستكون مكلفة. وقال «لا يمكننا إلا أن ننصحها (الحكومة الايطالية) بالبقاء على المسار (الصحيح) في ما يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية ودفع عجلة النمو عبر إصلاحات هيكلية وإبقاء العجز في الميزانية تحت السيطرة». من ناحيته، حذر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير من أن «الاستقرار المالي لمنطقة اليورو سيصبح مهددا .. إذا خاطرت إيطاليا بعدم احترام التزاماتها بشأن الدين والعجز». وقال إن على ايطاليا معالجة أمر مصارفها المدانة بشكل كبير والتي يقلق وضعها منطقة اليورو. ويخيم شبح اليونان على كل شيء حيث لا تزال الأحداث ماثلة في الذاكرة عندما جرت حكومة سيريزا اليسارية البلاد إلى حافة «غريكست» أو خروج اليونان من اليورو في 2015 بعد أن قطعت وعودا مماثلة، رغم أنها عادت عن ذلك لاحقا. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها إيطاليا مخاوف الأسواق. ففي عام 2011 شهدت البلاد أزمة مماثلة. ويقول هولغر شميدنغ المحلل في مؤسسة بيرنبرغ «رغم أننا نسمع كثيرا من الضجيج بين روماوبروكسل، فإنه من غير المرجح أن تندلع الآن أزمة حقيقية». ويضيف «ولكن إذا خففت إيطاليا التي تعاني من الديون الثقيلة من السياسة المالية وتراجعت عن الإصلاحات الأخيرة .. فستصبح البلاد معرضة لأزمة ديون». والمخاوف التي تسود في أوروبا ليست متعلقة فقط بالاقتصاد. فالخوف يتركز على نجاح حزب «خمس نجوم» على أجندة معادية للاتحاد الأوروبي، وحزب «الرابطة» المعادي للهجرة. فقد أحيا هذان الحزبان المخاوف في بروكسل وغيرها من العواصم من أن أوروبا فشلت في لجم موجة الشعبوية اليمينية التي أطلقها قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016. وكانت هذه المخاوف قد حيدت بعد أن تمكن إيمانويل ماكرون المتمسك بأوروبا من الفوز برئاسة فرنسا والتغلب على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن العام الماضي. ولكن عاد هذا الشبح مجددا الآن. وقبل الانتخابات، حذر رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر من أن انتصار الحزبين الإيطاليين سيكون «أسوأ سيناريو». لكن زعيم حركة خمس نجوم لويجي دي مايو قال «دعونا نبدأ أولا وبعد ذلك تستطيعون انتقادنا».