في محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية حيث برز تنظيم الدولة الإسلامية للمرة الأولى في البلاد، جاء وقت تصفية الحسابات خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 12 مايو المقبل. بالنسبة إلى العديد من المرشحين الجدد، المطلوب إقصاء النواب المنتهية ولايتهم الذين، وفق ما يقولون، فشلوا في مهمتهم من خلال التعاطف أو في أي حال التقليل من حجم الخطر الذي كان يمثله الاسلاميون المتطرفون، ما أدخل البلاد بدءا من العام 2014، في آتون من النار والدم. ويقول المرشح على قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس لائحة "النصر" في الأنبار الشيخ رافع الفهداوي لوكالة فرانس برس "الطبقة السياسية التي كانت موجودة قبل داعش لم تعد تصلح للمرحلة الحالية، فقدوا مصداقيتهم أمام المجتمع الأنباري". ويضيف الفهداوي، وهو زعيم "العشائر المتصدية للإرهاب" التي قاتلت الجهاديين في المحافظة الغربية، أن المنتمين إلى تلك الطبقة "تورطوا بجلب الإرهاب وثقفوا الناس على أن الإرهابيين هم ثوار عشائر، والشعب العراقي سيعاقبهم في صندوق الاقتراع". في الحديقة الواسعة المحيطة بمنزله في الرمادي، نصبت الخيام لاستقبال الحشود الآتية للاستماع إلى العبادي الذي كان يجول في المنطقة في إطار حملته الانتخابية. ويؤكد الفهداوي الستيني صاحب الشاربين الأسودين والذي كان يرتدي الجلابية التقليدية البيضاء المتناسقة مع عقاله ويضع على كتفيه عباءة سوداء "نحن قاتلنا الإرهاب. واليوم من خلال ترشحنا نريد إكمال الحرب على الطائفية. لدينا أمل كبير بالتغيير". وبدأت معركة الأنبار في 30 ديسمبر 2013 بتمرد من العشائر السنية ضد الحكومة. وبعد شهر تقريبا، سقطت الفلوجة بيد الجهاديين. فيمايو 2015 بعد أكثر من عام من المعارك، كان دور الرمادي. في 2016، استعادت القوات العراقية مدعومة من فصائل الحشد الشعبي، المدينتين، لكنها لم تفرض سيطرتها على كامل المحافظة إلا نهاية العام 2017. في تلك المحافظة الزراعية حيث للعشائر ثقل كبير، يتنافس 352 مرشحا ضمن 18 لائحة على 15 مقعدا في البرلمان العراقي. ربع هؤلاء المرشحين جديد على المنافسة، بينهم شباب ونساء، وفق ما تشير المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الأنبار. وتظهر الرغبة في التغيير كبيرة جدا في أنحاء المحافظة، إذ أن الإحساس بخيبة الأمل من الطبقة السياسية عارم. ويقول الشيخ محمد النمراوي، أحد زعماء عشائر الخالدية التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مركز مدينة الرمادي، إن "الشعب العراقي عموما يطمح إلى التغيير الجذري والشامل، ونحن لن نقبل وجوها معروفة تأتينا بأسماء وشعارات مختلفة". وكدلالة على نية التغيير، تجتاح حمى الانتخابات المحافظة، على عكس الخجل أو السرية التي كانت عليها الحملات في دورات سابقة، عندما كان الجهاديون يوجهون تهديدات الى المرشحين ويعتدون على مراكز الاقتراع. ورغم تهديدات صدرت عن تنظيم الدولة الإسلامية، وخصوصا للسنة الذين سيشاركون في الانتخابات، تنتشر اللافتات والصور في كل مكان، ومنها على جدران المنازل المدمرة. كما أن بعض المرشحين استحدثوا مكاتب لاستقبال الناخبين، في ما يعد سابقة في المحافظة. وأكثر ما يثير الدهشة، انضمام مرشحين إلى قائمة "الفتح" التي يتزعمها هادي العامري، أبرز قادة الحشد الشعبي، والذي كان قبل فترة مبغوضا من العديد من السنة، إذ أنه قاتل إلى جانب إيران في حربها مع العراق، واتهم بتشكيل فرق موت في عز التوترات الطائفية قبل نحو عشر سنوات. لكن المرشح على تلك اللائحة خلف الجليباوي يؤكد أن "ساعة التغيير حانت. الأنبار ستشهد ثورة مجتمعية وسياسية وستختار الرجال الذين يستطيعون قيادة السفينة إلى بر الأمان، لأن هذه المحافظة خرجت من حرب شرسة، وكان لمقاتلي الفتح والحشد النصيب الأكبر من هذه المعركة". وكان الجليباوي يشير بذلك إلى الدور الحاسم الذي لعبته قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل شيعية، في دحر تنظيم الدولة الإسلامية، بعدما تشكلت في العام 2014 بفتوى من آية الله السيد علي السيستاني، أعلى مرجعية شيعية في العراق. ويرى نائب رئيس مجلس العشائر في الأنبار الشيخ محمد مخلف بدوره ان "المقياس في الانتخابات اليوم هو التضحية، وهناك شهداء سالت دماؤهم في أرض الأنبار". ويضيف "سابقا كنا لا نؤمن ولا نعتقد بأي قائد شيعي، لكن الآن هناك رموز وشخصيات نقتدي بها". ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد "إيريس" للشؤون الدولية والإستراتيجية في باريس كريم بيطار "نحن الآن في عصر التكافل الشيعي والتضامن السني العابر للحدود. لطالما كانت الهوية القومية أقوى من الهوية المجتمعية في العراق، ولم تختف بين ليلة وضحاها". وكأن مرحلة تنظيم الدولة الإسلامية التي غرقت خلالها البلاد بالدم، نجحت على الاقل في وضع حد ولو موقت للنزاع بين السنة والشيعة. ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنر حداد لفرانس برس إن "التوترات الطائفية صارت نزاعا من الماضي. هذا لا يعني أن الهويات الطائفية قد اختفت، لكن الطائفية لم تعد تعتبر تهديدا وجوديا". ويضيف "هذا التوجه يعززه الاستقرار الداخلي والتطبيع الإقليمي. الانقسامات الطائفية لم تعد من سمات السياسة العراقية". بعد الانتهاء من القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يرى بيطار أن العراق "قد يشهد إحياء للهموم الوطنية، وانحدارا نسبيا في التحالفات الطائفية البافلوفية". الانقسام بين الأكراد لن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق عادية بالنسبة إلى إقليم كردستان الذي يعيش حالة فوضى وانقساما سياسيا قد يخسر جراءه الأكراد عشرات المقاعد، ما يحد من قدرتهم على العمل لصالح قضاياهم. قد يدفع الأكراد في الانتخابات المقررة في 12 أيار ثمنا باهظا للاستفتاء على الاستقلال الذي أجروه في سبتمبر الماضي. أدى ذلك الاستفتاء الذي نظم رغم معارضة الحكومة المركزية ودول إقليمية وغربية، إلى خسارة الأكراد لأراض كثيرة كانت تتنازع عليها مع بغداد. فردا على عملية التصويت الكردية، تقدمت القوات العراقية باتجاه واستعادت السيطرة على محافظة كركوك الغنية بالنفط، وغيرها من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الأكراد بحكم الأمر الواقع، وإن كانت خارج حدود الإقليم. واليوم، يسعى الحزبان الرئيسيان التقليديان في المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي إلى تعبئة الناخبين الذين تدنت معنوياتهم جراء الهزيمة التي أعقبت الاستفتاء الذي جاء نتيجته بفوز ساحق لمعسكر ال"نعم". في معقله في أربيل، يقود الحزب الديموقراطي الكردستاني، حزب مسعود بارزاني مهندس الاستفتاء، حملة للدفاع عن عن المصالح الكردية في البرلمان المركزي. يرفع المرشحون هناك شعارات عدة، منها "نحن أصحاب الاستفتاء، وسنذهب بقوة إلى بغداد" و"الانتخابات هذه المرة مصيرية لشعب كردستان". في محافظة السليمانية المجاورة، يشدد الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس (الذي أسسه الرئيس الراحل حلال طالباني) على ضرورة المشاركة الواسعة، بالقول "بتصويتك تحمي مستقبل كردستان" و"مستقبل قوي من أجل حق تقرير المصير". لكن هذين الحزبين، اللذين سيطرا على الحياة السياسية لنحو نصف قرن، في نزاع حاد، ما يفتح الباب أمام الأحزاب المعارضة على غرار "غوران (التغيير) المعارض التاريخي، وحزب الجيل الجديد الذي برز على الساحة مؤخرا. ينتقد الحزب الديموقراطي الكردستاني ما يسميه "خيانة" الاتحاد الوطني، و"الانقسامات". يقول القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني خسرو كوران لوكالة فرانس برس إن "الذي نعتقده أن كركوك أصبحت محتلة بخيانة بعض الأطراف في الاتحاد الوطني. حاولنا المشاركة في الانتخابات العراقية الحالية في جميع المناطق بقائمة واحدة، ولكن لم نجد استجابة". في المقابل، يعتبر عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني سعدي بيرة أن الوضع الحالي هو نتيجة خطأ الحزب المنافس. يقول بيرة إن "الكثير من الأحزاب الكردية والعراقية لا تفرق بين الخصوم والأعداء. ما تقوله بعض قيادات الحزب الديموقراطي يعكس آدابهم السياسية". ويشير إلى أن الديموقراطي هو من قرر خوض الانتخابات وحده في محافظاتالإقليم الثلاث ومقاطعتها في كركوك بعد رفض قوائم عدة التحالف معه في المناطق المتنازع عليها. ويخوض الانتخابات في 503 مرشحين ضمن 77 لائحة على 46 مقعدا للأكراد في أربيل والسليمانية ودهوك. في البرلمان المركزي السابق، كان للأكراد 62 مقعدا، من ضمنهم نواب منتخبون في كركوك ونينوى وديالى وبغداد. وسمح لهم هذا العدد بلعب دور محوري. يلفت المدير العام لمركز علم النفس في جامعة سوران بكردستان العراق عادل بكوان إلى أن "خسارة كركوك تعتبر مرحلة مهمة في تاريخ عراق ما بعد صدام حسين. بالنسبة للأكراد، لم تكن مدينة كركوك مصدرا للنفط فحسب، بل كانت أيضا عاصمة بشرية بالمعنى الانتخابي". ويرى بكوان أنه منذ استعادة بغداد للمناطق المتنازع عليها، فإن "موازين السلطة تغيرت لغير صالح الأكراد. من الصعب إعطاء أرقام دقيقة، ولكن خسارة بعض المقاعد أمر حتمي". يشاطره كوران التشاؤم نفسه، بالقول إن "هناك مضايقات لمرشحينا في المناطق الكردية في أطراف الموصل. أكيد أن المشاركة لن تكون في المناطق الكردية خارج الإقليم مثل انتخابات 2014 لعدم وجود قوى أمنية كردية تحمي ناخبينا". النكسة الأخرى للحزبين الكرديين التقليديين، هي ترشح أكراد للمرة الأولى على قوائم عربية في الإقليم الشمالي. يبرر جرجيس كولي زادة، رئيس قائمة "ائتلاف النصر" الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في أربيل، خياره. يقول المرشح الكردي "شاركنا ضمن قائمة النصر لكونها قائمة عراقية وليست عربية فقط. القائمة لديها برنامج واقعي لمعاجلة المشاكل الاقتصادية ومن بينها مشاكل الإقليم أيضا، إضافة إلى المرونة التي أبداها رئيس الوزراء مع مشاكل الإقليم". لكن الانقلاب الأكبر كان من مصطفى شيخ كاوا، حفيد الملك الأسطوري للأكراد، الذي ترشح ضمن قائمة الزعيم الشيعي عمار الحكيم. يقول أحد الأصدقاء المقربين لكاوا إن "القائمة عراقية، وهدفنا هو خدمة شعب كردستان «.... سخط من الوجوه المتكررة بعد نحو عشر سنوات من أول انتخابات شهدها العراق إثر سقوط النظام السابق، يبدي العراقيون خيبة أمل اليوم من الوجوه المتكررة، معتبرين أن بديل صدام حسين كان طبقة سياسية لا يمكن إزاحتها، تتقاسم السلطة من أجل مصالحها. في بلد عانى لسنوات من العنف الطائفي والحروب والحصار، سيختار أكثر من 24 مليون ناخب يتوزعون على 18 محافظة تمثل كل واحدة منها دائرة انتخابية، نحو سبعة آلاف مرشح يتنافسون على 329 مقعدا برلمانيا، بينهم نحو ألفين يخوضون السباق لنيل 71 مقعدا في بغداد وحدها. وتناوبت على الحكم منذ سقوط نظام حسين، شخصيات باتت أسماؤها محفوظة عن ظهر قلب لدى العراقيين، وتهيمن بشكل تام، هي وأحزابها، على مفاصل السلطة. يقول ميدان الحمداني (40 عاما) لوكالة فرانس برس "منذ متى ونحن نرى إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وإياد علاوي وحيدر العبادي ، تارة نائب ومرة وزير. نفس الطاسة ونفس الحمام". ويضيف "هي الأحزاب نفسها والأشخاص أنفسهم سيعودون للحكم مجددا، شئنا أم أبينا" خلال الانتخابات البرلمانية . ويعزز هذا الشعور، الفساد المستشري في البلاد، والذي غالبا ما يفلت مرتكبوه من العقاب بينما لا يستفيد المواطنين من الخدمات الاساسية مثل مياه الشرب والكهرباء ووسائل النقل العام، في حين أن إنتاج وأسعار النفط، الذي يعتبر المورد الرئيسي للبلاد، لم تكف عن الارتفاع. لم يبق ركن في العاصمة العراقية إلا نصبت فيه لافتات عملاقة عليها صور مرشحين، فيما غطت أخرى أعمدة وأشجار نخيل، حتى منهم من علق صوره مكان صور "شهداء" القوات الحكومية والحشد الشعبي، الذين قضوا في المعارك التي انطلقت منذ العام 2014 ضد تنظيم الدولة الإسلامية. أمام تلك اللافتات في شارع السعدون الشهير في وسط بغداد، يقف حيدر الشمري (35 عاما) وتعلو ملامح الغضب وجهه قائلا "كلها للوجوه السابقة نفسها (…) همهم الوحيد كسب الأموال وليس خدمة الشعب". وما يعزز يأس العراقيين، أن الكلام نفسه يتكرر في كل حملة انتخابية، ويسألون عن وعود لم يف بها المرشحون بعدما أصبحوا نوابا. ويشعر بهذا السخط في بقية انحاء البلاد، وخاصة في مدينة الموصل التي دمرت الى حد كبير أثناء القتال من أجل استعادة السيطرة على "عاصمة الخلافة" السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية. تتساءل أم يوسف (54 عاما) من الموصل "ما هو مفهوم التغيير إذا؟ فلنغير الوجوه على الأقل! لقد مللنا الكذب". ويدور جدل حول مصطلح "المجرب لا يجرب" الذي ينسبه البعض إلى المرجعية الدينية في النجف، الا ان وكالة فرانس برس لم تتمكن من اثبات ذلك. رغم ذلك فالواقع مختلف. فوفق أرقام مفوضية الانتخابات، أكثر من 20 في المئة من المرشحين في العراق، هم وجوه جديدة تؤكد نيتها في التغيير. وتقول المرشحة هالة كريم (30 عاما) الموظفة في وزارة الصحة "لقد مللنا ومضت 15 عاما ولم نر أي تغيير، من سيء إلى أسوء". وأضافت "هذا بلد الحضارات بلاد الرافدين، ما الذي جرى فيه خلال 15 عاما هو طائفية وانحدار". ويشكل فوز وجوه جديدة تحديا كبيرا وسط المنافسة مع الاحزاب الكبيرة التي تهيمن على السلطة منذ 15 عاما. والامر كان مستحيلا بالنسبة الى حيدر البيضاني (38 عاما) الذي شارك في الانتخابات السابقة بقائمة مستقلة، لذلك قرر الانضمام الى حزب كبير ومعروف وهو تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم. يقول البيضاني لفرانس برس "وصلت إلى قناعة بأن المرشح لم ولن يفوز دون مجازفة إذا لم ينخرط في قائمة كبيرة"، معتبرا أن "الكتلة الكبيرة قد توصلك الى العتبة الانتخابية وتفوز". في وسط بغداد، ساحة معروفة فيها نصب امرأة تدعى كهرمانة مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلى، اشتهرت بصب الزيت في 40 جرة اختبأ في كل واحدة منها لص. تنشر الناشطة والشاعرة العراقية آية منصور صورة عبر حسابها على تويتر لعشرات من صور المرشحين التي حجبت رؤية التمثال.وتعلق منصور بالقول "وين كهرمانة؟ خلف الأربعين حرامي!".