توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    11 قتيلا وعشرات المصابين بحادث دهس في سوق لعيد الميلاد بألمانيا    وليد كبير: النظام الجزائري يفشل في عرقلة التقارب المغربي-الموريتاني    الشعب الجزائري يثور تحت شعار #مانيش_راضي.. دعوة لإسقاط نظام العسكر واستعادة كرامة الجزائريين    النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية عزز ورش الجهوية المتقدمة في هذه الربوع من المملكة (الخطاط ينجا)    11 قتيلا وعشرات المصابين بحادث دهس في سوق لعيد الميلاد بألمانيا    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أشرف حكيمي ينال ثاني أفضل تنقيط في الليغ 1    وقفات تضامنية بعدد من المدن المغربية تطالب بوقف التطبيع    جلالة الملك يستقبل رئيس جمهورية موريتانيا بالقصر الملكي بالدار البيضاء    ندوة حقوقية بالعرائش تسلط الضوء على تقييد حرية التعبير وملاحقة الصحفيين قضائيًا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    واشنطن تلغي مكافأة اعتقال الشرع    زينب أسامة تطلق أغنيتها الجديدة "حدك هنا"...    توقعات احوال الطقس ليوم السبت.. أمطار ضعيفة بالواحهة المتوسطية    تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800م يومي السبت والأحد    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة الكويت بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مسند إمارة دولة الكويت    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    دفاع بعيوي ينتقد محاضر الضابطة القضائية .. ومحامي الناصري يثير تقادم التهم    الدار البيضاء: جلسة تحقيق تفصيلية في قضية اغتصاب مثيرة للجدل        نيويورك: الجمعية العامة الأممية تتبنى القرار المغربي بشأن السياحة المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    الأسود ينهون 2024 في المركز الأول قاريا وعربيا و14 عالميا    نيويورك: توجيه لوائح اتهام ل3 تجار مخدرات دوليين اعتقلتهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمغرب في أبريل الماضي    التامني: بعد المحروقات والأوكسجين جاء الدور على الماء ليستولي عليه أخنوش    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    هَنيئاً لِمَنْ دفَّأتْهُ الحُرُوبُ بِأشْلائِنَا!    التافه حين يصير رئيسًا: ملهاة مدينة في قبضة .. !    رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة المغربية ل " رسالة 24 ": التحدي السياسي هو أكبر تحدي يواجه اللغة العربية    مجلة دار النيابة تعود إلى الأكشاك بحلة جديدة بعد 40 سنة من إطلاقها    العصبة تكشف عن برنامج الجولة 16 أولى جولات الإياب    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    التجارة بين المغرب وإفريقيا تكشف إمكانات غير مستغلّة بالكامل    الملك: لا ينبغي على الجهات إغفال المخاطر والأزمات لأنها قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية    7250 سوريا عادوا إلى بلدهم عبر الحدود الأردنية منذ سقوط الأسد    ريكاردو سابينتو يلوح بالرحيل: ظروف الرجاء لا تسمح بالاستمرار    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    السينغالي مباي نيانغ يعلن رحيله عن الوداد ويودع مكونات الفريق برسالة مؤثرة    رابطة الدوريات ترفض تقليص عدد الأندية    كأس الرابطة الانجليزية.. توتنهام يتأهل لنصف النهاية على حساب مانشستر يونايتد    سوريا إلى أين؟    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا لو كانت جائزة نوبل مجرد مؤامرة سرية

كيف تقع لجنة نوبل للآداب حقاً على الخيار الأصوب؟ لا ريب أنها تصطفي من بدائل عدة، فالعالم فسيح والعمالقة كثيرون. والأرجح أن إجماعاً لا يتحقق، ويتم تتويج الفائز بأغلبية الأصوات. ولكن لم تتجاهل الأغلبية كاتباً عتيداً في فن الرواية كفيليب روث؟ كاتباً قد لا يظل على قيد الحياة في العام القادم.
ليس هذا تساؤلنا وحدنا، وإنما تساؤل مطبوعات بريطانية وأميركية لم تستطع كبح دهشتها من جراء فوز كاتب مجهول خارج حدود فرنسا على اعتبار أنها جائزة عالمية، ولكن فكرة «العالمية» لا تنحصر بالضرورة في كتب مكدَّسة في متاجر نيويورك، وإنما تشمل فكرة إنسانية تجمع العالم بأسره.
الواقع أن خسارة فيليب روث وتوماس بينشون كانت محط انزعاج كثيرين، ومنهم الناقدة الأميركية ميشيل غونراد التي كتبت قائلة عن روث، «لقد ضجرنا من هذا الحوار. لن يفوز بها أبداً، وينبغي أن نكف عن التوسل».
مؤامرة سرية
ولكن إيما بروكيس تهكمت في جريدة «ذا غارديان» قائلة، «الفضيحة الحقيقية لفوز موديانو بجائزة نوبل هي خسارة روث الأعظم مرة أخرى. ماذا لو كانت جائزة الأدب الأعظم ما هي إلا مؤامرة سرية يحيكها المحكمون كي تجعل عجوزاً سريع الغضب يتوق إلى المزيد من الجوائز؟ وماذا لو لم يكن وحده التواق إليها؟».
وبعدها انهمكت بروكيس في تفنيد طبيعة عمل اللجنة ودوافعها ونواياها، بل والتشكيك في أن نوبل هي بحق أكبر جائزة يُقدمها العالم للكلمة المكتوبة.
وعلى الغرار نفسه من السخرية أشار دوايت غارنر، ناقد الكتب في جريدة «نيويورك تايمز»، إلى أن الحكام لا يتنقلون كما ينبغي، عليهم التنقل بين الثقافات والحضارات، ولكنه يطرح احتمالاً هازئاً يصفه بأنه «لم يخطر على بال أحد»، وهو أنهم «لما يتمتعون به من خفة دم -وإن كانت على الطريقة السويدية- يتكلون في اختيارهم سنوياً على عامل مستفز واحد: ألا وهو دفْع فيليب روث إلى التصريح بجملة أو جملتين بشأن فشله الأبدي كل عام!».
كان بيتر إنغلاند، سكرتير أكاديمية نوبل الدائم، قد أعلن، وكأنما يدافع عن اختيارهم لمجهول، «باتريك موديانو مشهور في فرنسا دون غيرها. تتمحور مواضيعه حول الذاكرة والهوية والوقت. ومع أن رواياته لا تمتد عبر مئات الصفحات، فهي تغوص في مواضيع جادة».
ومن الممكن تفسير ما ساد من تعجب عقب إعلان الفوز بجهل النقاد الأميركيين بالكاتب الفرنسي الذي لم يتقن أبداً فن الدعاية لنفسه ولم يحظ بطابور من المترجمين الأميركيين ينقلون رواياته مثلما هو الحال مع هاروكي موراكامي، الذي قد يخال المرء أن رواياته مكتوبة بالإنكليزية، وليس اليابانية. ولكن بالرغم من أن أقل من نصف روايات موديانو مترجمة إلى الإنكليزية، نقل المترجمون رواياته إلى ما يزيد على ست وثلاثين لغة أخرى. إنها الغفلة الثقافية البريطانية-الأميركية إذن، غفلة لا تنتبه إلا لما هو مكتوب بالإنكليزية أو مترجم إليها.
الكتاب نفسه
ومن بين قلة من النقاد المشيدين بالاختيار كان روبرت توماس بجريدة «ذا غارديان»، قد نوَّه بتصوير موديانو «لعالم الاحتلال المشبوه والمُلْتَبِس والمبهم». ولكنه في الوقت ذاته فطن إلى ما شاع من استنكار مرافق للاختيار، إذ يحكي، «عندما ذكرتُ حبي لأعمال موديانو لشاب فرنسي، لوى شفته بما ينم عن الازدراء قائلاً، إنه تواق إلى الماضي». ويدافع توماس عن هذا التوق ذاته قائلاً إنه «يخدم مواضيع أعمق كالنجاة والاغتراب».
ولكن أعمال موديانو لم تَسلم من نقد الأميركي توماس فاريلا بجريدة «ذا وول ستريت جورنال»، إذ ذكِّر القراء بأن موديانو يكرر أعماله تكراراً يبعث على الملل، فعوالمه تنحصر في الكفاح الأخلاقي لمواطني الحرب، لا أي حرب، إنها حربٌ بعينها، الحرب العالمية الثانية؛ وفي مكان بعينه، أحياء فرنسا، وإن حاولت شخصياته أحياناً الفرار إلى سويسرا هرباً من أخطار حقيقية أو متخيلة؛ ومنبع الخطر لا يمسه تغيير؛ والتحدي يكاد يكون واحداً: تجاوز آلام الحرب؛ الشخصيات مجهولة تكافح للملمة الشتات، القومي حيناً والفردي حيناً آخر. وللتدليل على وجاهة الانتقاد استشهد الصحفيون البريطانيون بجملة موديانو نفسه حين أعلن ذات مرة «إنه بعد خمسة وأربعين عاماً من الكتابة يشعر أنه يكتب دوماً الكتاب نفسه».
مواقف أميركية
الحق أن الأوروبيين المولودين عام 1945 يتقاسمون حالةً واقعةً على عتبة الشعور لا تفارقهم، شأنهم شأن أطفال منتصف الليل لسلمان رشدي. فقد أفلتوا من الخطر المحدق المباشر، ولكن أثر الحرب لا يزال ناشباً فيهم. ولدوا أثناء الحرية، غير أن أمهاتهم حبلن بهم في حالة من الضياع؛ شبوا وهم ينظرون قلقين فوق أكتافهن، فتكوَّن لديهم هذا الذعر الأبدي، كحالة حرب دائمة وإن كانت طيّ الكتمان.
قد يرمي بعض النقاد هذه الحالة الأدبية بالإفراط في العاطفة، إذ أسهب النقاد في الإشارة إلى عبارات موديانو البسيطة القصيرة «الأشبه بعبارات التلغراف» وكرروا امتعاض الدارسين من تعالي المؤلف على «تفسير عمله»، وكأن أي عمل أدبي في حاجة إلى مترجم يبرر دوافعه!
ولا عجب، فالنقاد الأميركيون يرنون إلى فعل الحديث عن العمل باعتباره جزءاً لا يتجزأ من العمل ذاته، فقد استحدثت الثقافة الأميركية عالماً موازياً لفعل الإبداع، بدءاً من ورش الكتابة وحفلات التوقيع والجولات الأدبية، انتهاء بالحوارات المسموعة والمرئية، مناسبات تخلق وسيلة طيبة للثرثرة، وكلها «تفسر» و»تشرح» فن الإبداع ذاته.
أين هذا من كاتب سئل إن كان سيلقي خطبة عند تلقيه جائزة نوبل، فأجاب، وقد اعترف في الماضي بأنه يخاف من خشبة المسرح، «ما دام أن الأمر لن يتعدى قراءة نص معَدّ سلفاً، لن ينتابني الخوف».
موديانو المزوِّر
وفي مجلة «ذا نيويوركر» تصب ألكسندرا شوارتس غضباً يستعصي على الفهم على لغة اللجنة كمن لا يجد شيئاً معتبراً آخر للهجوم عليه، فقد كتبت، «يروق اللجنة المنوطة بمنح جائزة نوبل للآداب أن تتوج الفائزين بتصريحات تتراءى متعذرة على الفهم، مثلما يتعذر علينا في الغالب فهم الاختيار ذاته. فاللجنة تتوخى الذروة الأدبية، وكأنه تقدير لإنجاز الكاتب المكرَّم، ونحن، القارئ العادي، نستغرق في قراءة التصريحات شأن حجّاج ذهبوا لاستشارة وسيط الوحي في مدينة ديلفي ليعودوا بكعكة حظ مشوشة».
كذلك ذكَّرتنا بأن موديانو هام على وجهه في باريس بعد أن ابتعد عن أسرته واقتات من بيع كتب زوَّر في صفحاتها الأولى توقيع كبار الكُتاب مثل بول فاليري! في فترة قال موديانو إنه وجدها «غريبة لا تَسلم من الفوضى».
بل إن بعض العارفين بالكاتب وجدوا الاختيار غريباً، فأسلوبه القصصي «فرنسي محض»، ففي إيميل أرسلته جوسيان سافينو من جريدة «لوموند» إلى إحدى محررات مجلة «ذا نيويوركر» وصفت كتاباته بأنها «رقيقة، مرهفة، مكبوحة» ووصمت المؤلف نفسه بأنه منفصل عن جمهور الأدب. ولكنها أردفت، «إنه لا يخط السّيمفونيا ولا الأوبرا، ولكنه عازف بيانو رائع».
فخر فرنسي
والبادي أن المراهنين غلبوا النقاد البريطانيين والأميركيين حين احتل اسم موديانو في مكاتب الرهان البريطانية الموقع الخامس في قائمة المرشحين ليتلو اسم الكيني نجوجي واثيونجو. الواقع أن فرنسا ليست بغريبة على جائزة نوبل، فموديانو هو الفرنسي الخامس عشر الفائز بها، ولكن بعد فوز جان ماري غوستاف لوكليزو في عام 2008، بدا احتمال فوز فرنسي آخر بعيد المنال.
وفي فرنسا تجسد الفخر القومي كل التجسد حين أشاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بموديانو لتعاطيه مع قضية الاحتلال العسيرة مضيفاً أنه «يحاول أن يستوعب كيف تقود الأحداث الأفراد إلى خسارة أنفسهم أو العثور عليها».
وهكذا نلفي ردود الأفعال شوفينية خالصة تجاه الإعلان، إذ شجب بعض النقاد البريطانيين أو الأميركيين القرار، إما عن جهل تام بالمختار أو تعالٍ على «الكاتب المحلي» كما أسماه الصحفي الأميركي رون تشارلز، بما هو خليق بثقافة الاستهلاك الأميركية، ولسان حاله يقول، «لقد كنا على الأقل نعرف ألبير كامو!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.