خال، عمّ، زوج الأم، أخ، معلّم، إمام، ربّ عمل، وغيرهم، تعددت الصفات والفعل الجرمي واحد، اغتصاب للطفولة، للإنسانية، قتل للأنوثة، انتهاك للجسد واستباحة له… فعل مرضي تتكاثر صوره، وتتعدد أشكاله، تطالعنا بين الفنية والأخرى جريمة من جرائمه، تُكتشف صدفة أثناء ارتكاب الجريمة، أو من خلال إفصاح المعتدى عليها/عليه، أو بسبب تهور المجرم، أو بالصدفة عبر تسريب شريط يوثق للجريمة النكراء بالصوت والصورة، بعدما أضحى توثيق جرائم الاغتصاب موضة تستهوي المغتصبين وشركائهم في هذه الجرائم. حالات اغتصاب تعرف تناميا في غياب أرقام مضبوطة عن هذا الفعل الجرمي، لكن لايمكن النظر إليه بمعزل عن حالات العنف التي تتهدد المرأة بشكل عام، حيث سبق لهيئة الأممالمتحدة أن كشفت في تقرير لها عن أرقام صادمة لواقع تعنيف النساء المغربيات، حيث أبرزت أن 62 في المئة من مجموع نساء المغرب يتعرضن للعنف، مضيفة أن نصف النساء المتزوجات بالمغرب يتعرضن للعنف الزوجي، وعددهن قارب 3.7 ملايين يعانين الاضطهاد والعنف الجسدي من طرف الزوج، كما أوضحت أن 4.6 ملايين امرأة تعرضن للعنف النفسي، و 1.4 مليون للعنف الجسدي. وأضاف التقرير أن 3 ملايين امرأة تعرضن للمساس بحريتهن الفردية، فيما تعرضت 827 ألف امرأة لعنف جنسي، و181 منهن لعنف اقتصادي، مشيرا إلى أن أعلى نسب العنف الذي يمارس في حق المرأة المغربية هو العنف النفسي ب 48 في المئة من مجموع الحالات المسجلة بالتقرير. وكشف هذا التقرير الأممي أن 22.6 في المئة من النساء المغربيات تعرضن لفعل من أفعال العنف الجنسي، من اغتصاب، وألفاظ وعبارات وممارسات، وتحرش جنسي، بما في ذلك تزويج القاصرات والعنف الجنسي الممارس في حق الأطفال. أفعال إجرامية، تؤكد وجود أعطاب نفسية مستترة، يعاني منها المغتصبون، ليس دفاعا عنهم، أو تبرئة لهم مما اقترفت أيديهم، أو بحثا لهم عن عذر كيفما كان نوعه، وإنما هي خلاصة يؤكدها عدد من المتخصصين في طب النفس، الذين يشددون على أن المغتصب هو إنسان مريض، مهزوز نفسيا، مفتقد للثقة في نفسه، وهو يسعى من خلال جرائمه إلى إثبات العكس، وإلى التأكيد على فحولته، وعلى كونه سويّا، وهو ينهش لحم طفل وطفلة، يافع أو يافعة، شابة، عزباء وامرأة محصنة، بل وحتى الحامل التي قد لاتسلم من هذه العقدة المرضية، لنكون في نهاية المطاف أمام جرائم صادمة، تؤكد بأن هناك عطبا كبيرا في مجتمعنا، يجب الانكباب الجماعي على معالجته، بتسليط الضوء عليه، ومناقشته بكل جدية ومسؤولية، بعيدا عن تحوير النقاش وإيجاد مبررات للتطبيع معه، وعوض نهج سياسة الهروب إلى الأمام، والتذرع بالعار وب «الحشومة» وغيرها من المسوّغات التي تسهم في رفع مستوى الجرح والألم في نفسية المغتصَب/المغتصبة التي قد تتطور إلى أمراض مفتوحة على كل العواقب والتبعات.
غياب معاملة خاصة للضحايا يزيد من حجم ضررهن النفسي المغتصبون يعانون من اضطراب قدرات تمثل الذات وعدم اكتمال الوعي الأخلاقي
حنان الجراري تعددت أنواع الاغتصاب واختلفت طرقه؛ إما بإجبار الضحية على ممارسة العلاقة الجنسية كاملة أو غير كاملة؛ بشكلها الطبيعي أو بأشكال شاذة يتفنن المغتصب في إجبار الضحية على الخضوع لها. كيفما كان حجم الاغتصاب أو شكله، وكيفما كانت ظروفه والملابسات التي هيأت لحصوله، فهو يبقى اغتصابا، إجبارا، وإكراها وإرغاما وكل مرادفات العنف والاعتداء على ضحية أقل قوة من المعتدي عليها. لقد صرخ الكل بصوت واحد صرخة اشمئزاز وتقزز واستنكار لحالة الاغتصاب التي تعرضت لها طفلة قاصر قبل أيام، والذي وثقه شخص ما بِدَمٍ بارد. بشاعة الفعل وصراخ الطفلة واستنجادها جعل الرأي العام يطالب بتنزيل أقصى العقوبات على المعتديين ويرفض أي تساهل معهما مهما كانت أسبابه. إن طرح الموضوع ومحاولة تحليله من الناحية النفسية هنا، لا يرمي إلى تبرير أو إيجاد عذر للمغتصِب، بل الهدف منه، محاولة فهم و تفسير نفسية مرتكبي فعل الاغتصاب. إن أي فعل عنف مهما كان، تحت تأثير التهديد والإجبار، يدل على أن مرتكبه يعاني اضطرابا نفسيا، وبغض النظر عن حجم الفعل وحجم الاضطراب، كل سلوك فيه مبالغة هو سلوك مرضي، وكلما زادت المبالغة ابتعد السلوك عن السواء. والمعتدي الجنسي هو شخص طالب للمتعة بشكل غير سوي، حيث اختار الاعتداء لإرضاء رغباته الجنسية المنحرفة. وقد أثبتت دراسات عديدة، أن فعل الاغتصاب هو فعل لا يتعلق فقط بالجنس وبإرضاء رغبات جنسية، ولو كان الأمر كذلك لما لجأ المعتدي للعنف ولكان حقق المتعة التي ينشدها مع شريك له بالتراضي. تعود دوافع الاغتصاب إلى اضطراب قدرات تمثل الذات وعدم تشكل أو اكتمال الوعي الأخلاقي بسبب عدم النضج النفسي، الذي ينتج عنه إنسانا غير عادي. في دراسة قام بها «سيافالديني» سنة 1999، على 176 معتديا جنسيا مسجونا، أكد الباحث على أن المعتدين الجنسيين، مهزوزين نفسيا أكثر من المعتدين غير الجنسيين جراء ارتفاع نسبة الإثارة والرغبة لديهم، وأيضا ارتفاع نسبة القلق الذي يجعلهم يلجؤون إلى الترهيب عن طريق الاغتصاب، فالمعني بالأمر يُمَكّنُه هذا من تلبية رغبة الإثارة المرتفعة ثم تفريغ بعض شحنات القلق العنيفة التي تسيطر عليه حين يكون الظرف سانحا، أي حين يتواجد مع الضحية في مكان يمكنه فيه السيطرة عليها. القلق المَرَضي لدى المعتدي هو حسب الباحثين، ليس وليد اللحظة وإنما تعود إرهاصاته إلى سنوات الطفولة الأولى، إذ أن كل المعتدين الذين خضعوا لدراسة «سيافالديني» ودراسات أخرى، عانوا من نقص أساسي في المحيط الأولي أي الأسرة، والتي تنظم عن طريق التنشئة وبشكل كبير، التصورات الخارجية والتمثلات عند الفرد، هذه الأخيرة التي تلعب دورا كبيرا في تحديد نسبة كبيرة من سلوكاته لاحقا، حيث أن أغلب المعتدين الجنسيين يعانون من اضطرابات خطيرة على مستوى الأنا وتَمَثُّل ذواتهم لديهم و هشاشة الشعور بالهوية، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى الفعل الجنسي المنحرف غير آبهين بتوسل الضحية و خوفها، بل إنهما يغذيان رغبة المعتدي المنحرفة الشاذة ويهدئان القلق المرضي الذي يعاني منه، مما يعطيه إحساسا بالقوة و السيطرة التي لا يملك. وحين يوثق المعتدي لِفِعْلِه بالصور أو بتسجيل فيديو، فهو بذلك يحاول أن يعطي امتدادا لشعوره بالقوة والسيطرة كلما رأى الصور أو التسجيل، اللذان هما أداة لتهديد الضحية بفضحها إذا ما فكرت أن تبلغ عنه. في فعل التهديد هذا، أداة أخرى لتحقيق الشعور بالقوة و السيطرة، كلما رأى المعتدي في أعين ضحيته الخوف بعد ذلك، وتمكنه هذه القوة من احتمال التخطيط لأفعال عنف أخرى على نفس الضحية وذلك بمساومتها على فضحها عن طريق الحادث المسجل، فيقوم بإجبارها مرة أخرى على الإذعان لرغباته المنحرفة. وفي حالة انتشار التسجيل، يحقق ذلك للمعتدي متعة من نوع آخر، وهي إحساسه بالقوة بشكل أوسع، و تتزايد هذه المتعة كلما حصد التسجيل عددا أكبر من المشاهدات. تجدر الإشارة إلى أن أغلب أحداث الاغتصاب، تحدث من طرف المقربين من الضحايا (أفراد العائلة، جيران، أصدقاء..)، حيث أن العلاقة بين الضحية والمعتدي تكون قريبة، مما يجعل عامل الثقة يكون أكبر وهو ما يهيئ لفعل الاغتصاب بسهولة، وحين تكون الضحية على اتصال بالمعتدي، بَعْد فعل الاغتصاب، يزيد ذلك من خوفها من عاقبة فضحه الذي هو أيضا فضيحة لها، وكلما كان المعتدي قريبا منها كلما زادت سيطرته عليها ومكّنه ذلك من عزلها نفسيا والتحكم في سلوكاتها، فيقوم بإدانتها و بتحميلها مسؤولية ما حدث، إما بأنها هي من استفزته، أو أنها أوهمته أنها ترغب به، أو أنه فعل ما فعل ليعاقبها على شيء ما..الخ.. وفي كثير من الأحيان والحالات، تصدق الضحية هذه الأقوال وتكون أول من يدين نفسها و تحملها مسؤولية الاغتصاب الذي تستمر مظاهره وتأثيراته السلبية على نفسيتها بشكل متكرر ومستمر عن طريق استعادة شريط ما وقع في مخيلتها وفي صمت. إن نظرات المجتمع التي تتباين بين متعاطف ومُدين للمُغتصَبة قبل إدانة المعتدي، وعدم تخصيص معاملة خاصة لها تأخذ بعين الاعتبار نفسيتها المتضررة، في مخافر الشرطة والمحاكم…. كلها عوامل تزيد من خوفها ومن التزامها الألم والصمت، الذي يخدم المعتدي ويشجعه كما يشجع كل مضطرب نفسيا على التفكير في تغذية اضطرابه عن طريق العنف والاغتصاب. «واش ماعندكش أختك»!؟ سؤال طرحته إحدى الضحايا وهي تستنجد بضمير المعتدي، مذكرة إياه بأخته وإلى أي حد يرضى لها أن تقع في نفس الموقف، والتذكير بتمثلات أخلاقية كان أملها في كبح جماحه. تتكرر عمليات الاغتصاب ويزيد عدد الضحايا ويبقى السؤال مفتوحا…؟ أخصائية نفسية
نجاة أنوار، رئيسة منظمة «ماتقيش ولدي»: «الحاجة إلى إخراج المجلس الأعلى للأسرة والطفل للوجود» شجبت نجاة أنوار، رئيسة منظمة «ماتقيش ولدي»، موجة الاعتداءات الجنسية والعنف الذي يطال الأطفال والقاصرين، إناثا وذكورا، سواء من الأقارب أو الأغراب، وأوضحت في تصريح ل «الاتحاد الاشتراكي» أن الأرقام المرتبطة بالاعتداءات الجنسية هي مخيفة، وأن المنظمة التي حصلت على المنفعة العامة منذ تأسيسها سنة 2004، هي بصدد إنجاز تقرير في الموضوع، مشددة على أنها ومن خلال فروعها على امتداد ربوع المملكة، تساهم في محاربة الظاهرة والتحسيس بخطورتها، وعملت على خلق وعي داخل المجتمع المغربي بحقيقة الاعتداءات الجنسية في حق الأطفال، وضرورة كسر هذا «الطابو» وعدم السكوت عليه. وأبرزت نجاة أنوار، أن منظمة «ماتقيش ولدي»، مستعدة ودائما للعمل وفق المطلوب منها، لكن يبقى عمل الدولة والحكومة والمشرع ضروريا في هذه المرحلة، للقضاء على مثل هذه الظواهر. وبخصوص السياحة الجنسية، أشارت المتحدثة، على أنها وباء «ابتليت به بلادنا في السنوات الأخيرة، لكن الأخطر هو دعارة القاصرين وبحث الأجانب على هذا النوع من النشاط الجنسي»، وأكدت أن أسباب انتشار هذه الظاهرة هي «مرتبطة بداية بأمراض مجتمعية، وغياب منظومة أخلاقية تحكمنا، وبالفقر أساسا، وأساليب التربية والتعليم التي لم تتطور لتواكب حاجات مجتمعية فارضة لنفسها». ودعت أنوار، إلى تفعيل دستور 2011 من خلال احترام المجتمع المدني واعتباره شريكا في إعداد البرامج وقوة اقتراحيه، والعمل على إخراج المجلس الأعلى للأسرة والطفل للوجود، والالتزام بتسييد الاتفاقية الدولية، إضافة إلى العمل على حث القضاء على احترام الاتفاقيات الدولية، خاصة ما يتعلق بحقوق الأطفال. وشدّدت رئيسة المنظمة، على ضرورة تغيير القانون الجنائي والمسطرة الجنائية بما يناسب دستور 2011 ، والتنصيص والالتزام باعتبار سن الرشد هو 18 سنة بالنسبة للذكر والأنثى لمحاربة تزويج القاصرات ومحاصرة تشغيلهن، إلى جانب إجبارية التعليم ومجانيته، وكذا دمج التربية الجنسية في مقررات التعليم .
«صحافيات ضد الاستغلال والتحرش» أطلقت مجموعة من الصحافيات بعدد من المنابر الإعلامية المغربية، مطلع شهر أبريل الجاري، مبادرة حملت إسم «صحافيات ضد الاستغلال والتحرش» لدعم المشتكيات في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، وأصدرن بيانا جاء على الشكل التالي: «نحن الصحافيات المنتميات لمختلف وسائل الإعلام والمجتمعات بالدار البيضاء يوم الأربعاء 4 أبريل 2018 ، وانطلاقا من أرضية التأسيس لهذه المبادرة المفتوحة في وجه الصحافيات والصحافيين والعاملين في قطاع الاتصال والإعلام، واستحضارا لسياق تقدم مجموعة من الصحافيات والعاملات بشكاية تفضح واحدة من أكبر وأخطر حالات الاستغلال والتحرش والاغتصاب، والمعروضة حاليا أمام القضاء. وانسجاما مع حالة الصدمة التي خلفتها القضية، وما نتج عنها من ردود فعل مست القطاع برمته، واستهدفت فيه بشكل خاص النساء العاملات في القطاع، عبر تعميم وصم استهدف المشتكيات والضحايا في هذه القضية بداية، قبل أن يتحول الاستهداف صورة المرأة العاملة في القطاع، بل وحولت آلة التشهير صورة القطاع إلى عار وجب التحوط منه. بادرنا لتأسيس هذه المبادرة التي تقول بداية، أن شجاعة الفضح في هذه القضية تحسب للمشتكيات، وهو برهان أن الجسم الصحفي سليم، وشجاعة النساء فيه بخير، لأن فضح سلوك شاذ يعكس أن هذا الجسم يرفض السكوت على ممارسة يعترف الجميع بوجودها في قطاعات عدة، بل إن السكوت عنه رغم المعاناة الفعلية لعدد من النساء العاملات في المؤسسات والمقاولات يجعل مبادرتهن شجاعة نادرة. ولأن ردود الفعل السلبية اتجاه مبادرتهن رافقتها حملة تشهير واسعة، وأظهرت كما من العدوانية يهدف لترهيبهن وتوجيه رسالة واضحة باستدامة الصمت من زاوية مغرقة في الذكورية وتبخيس قيمة المرأة، وبالتالي تحويل القطاع لمسير القطيع الخانع لهذا الاستغلال المقيت للسلطة للتنكيل بالنساء. ولأننا اقتنعنا بضرورة الانتظام لمواجهة هذا الهجوم المنظم ضد حق المتضررات في التوجه للقضاء للتحقيق والإنصاف، وحقهن في تمتيع مبادرتهن بشروط الالتزام بالقيم الكونية المشتركة في الكرامة الإنسانية والمساواة ورفض كل أشكال الاستغلال والممارسات المهينة للإنسان. وسعيا لتحويل مبادرة فضح كل أشكال الاستغلال والتحرش وجسارة الاغتصاب بواسطتهما، إلى انطلاقة فعلية لمبادرة مؤسسة تروم وضع كل آليات الوقاية والرصد والتتبع والفضح لمثل هذه الممارسات، وتوفير كل أشكال الدعم والمصاحبة للمبادرات في الجسم الصحفي بهذا الفضح. وإيمانا منا بأن الوقت قد حان لوضع المؤسسات والمقاولات أمام مسؤولية وضع آليات حماية العاملات في القطاع، وتجاوز حالة اللامبالاة عبر انتظام جماعي في توفير بيئة ممارسة المهنة أمام كل الصحافيات والصحافيين تنبني على المساواة والعدل وتكافؤ الفرص. نعلن نحن الصحافيات المجتمعات من خلال هذه المبادرة، أنه تقرر فتح المجال لالتحاق من يتفق مع أهدافها على أن يعقد اجتماع موسع الحق لوضع الإطار النهائي لها».
الاغتصاب أمام الكاميرا اغتصاب للمجتمع برمّته
الدكتور جواد مبروكي الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي كان دائما قائما وسط العائلات وفي كل التجمعات، مثل المخيمات وغيرها، وكان مسكوتا عنه لعدة أسباب، منها ما نعرفه في ثقافتنا ب «عيبْ و عارْ»، لكن أمام تعدّد الحالات التي بدأت تصل إلى المواطن العام، بات الجميع يعتقد أن الظاهرة تنتشر بكثرة، فلو لم تكن الكاميرا موجودة، نموذجا، وكل هذه التكنولوجيا، وتطور الإعلام الرقمي، لما سمع المغرب بأكمله بهذه الفضائح. إن المستجد المرتبط بهذا الموضوع في الآونة الراهنة، هو اللجوء إلى الاغتصاب في وسط النهار، وفي أماكن عامة وأمام المجتمع، وهذا هو الأمر الذي يلفت النظر وبإمكاننا تفسيره على الشكل التالي: الخلط بين الواقع والخيال: فزيادة على الشحنة الجنسية الطبيعية أثناء المراهقة، يزداد تبسيط الاستهلاك الجنسي عبر الأفلام الإباحية والفيديوهات التي تنشر الجنس أو الاغتصاب الجماعي، فيشحن المراهق جنسيا إلى درجة مرتفعة ويخلط الأفلام مع الواقع ويمر إلى تطبيق رغباته الجنسية. التحدي والشهرة: المراهق يبحث دائما على الشهرة وإبراز رجولته وشجاعته وفحولته والانتصار على كل التحديات القانونية والاجتماعية والدينية، ودماغ المراهق ليس ناضجا بعد وليس بإمكانه تقييم الأخطار والمشاكل التي سيواجهها بعد عمله. البوز: كل المراهقين يقضون أعظم أوقاتهم في العالم الأزرق وصار بينهم تنافس في عدد اللايكات والبارطاج، لهذا فقد يكون هذا عاملا لتوثيق تلك الممارسات والغاية منه هو تحقيق «البوز» الاغتصاب تحت عين الكاميرا: هو في الأصل اغتصاب أمام المجتمع، وبالتالي هو في الأصل اغتصاب للمجتمع بأكمله الذي أصبح يقلق المراهق ولا يهتم به وبمستقبله. تتعدد رسائل الاغتصاب الجنسي في وسط النهار وفي الشارع، فهو استهداف لرمز الفتاة التي تريد المساواة، واغتصابها يسعى لإظهار قوة وسيطرة الذكر عليها، وأنها فريسة جنسية فقط ولا شيء آخر، وبالتالي فطلب المساواة مرفوض، وهو استهداف كذلك لرمز الفتاة المثقفة، ورفض استقلاليتها واستعمال الشارع بمفردها، وبأن مكانها في المنزل إذا أرادت الاحترام والسلامة، إضافة إلى رموز ورسائل تختلف بحسب الحالات وبحسب المعتدين، والتي تتعدد أسبابها، التي من بينها غياب التربية على المواطنة، غياب التربية الروحانية لتعليم القيم الإنسانية، وغياب التربية الجنسية، التي تعدّ من الأسباب المهمة التي تساهم في انتشار هذه الظاهرة. إن كل من يزعم أن يمتلك حلولا لهذه الإشكالية فهو خاطئ، لأن الحلول تتطلب اختصاصيين من كل الميادين وكذلك أطرافا أخرى من المجتمع، لهذا يجب عقد مشاورات في كل أركان الوطن ثم جمعها ودراستها، وكما أن العلم يؤمن حاليا أن الحلول لا تأتي من الأذهان أو الطبقات المثقفة فقط بل تأتي من مدرسة التجربة، يعني أنها تأتي من القاعدة ومن أرضية الواقع، فيجب فتح نقاش مجتمعي حقيقي على كل المستويات المجتمعية لأن الأمر يهم المواطن والمجتمع أكثر من المفكر والسياسي. طبيب ومحلل نفساني
اغتصاب وطرقات…
سعيدة بنكيران
نعم الفيديو يوثق لاغتصاب بشع، هو ما تشمئز له نفوسنا وهو أيضا توثيق لاغتصاب آخر بشع لا تراه أنفسنا. الفتيات المتمدرسات بتلك المناطق يجدن صعوبة في التنقل إلى المدرسة، وهذا ما صرح به مسؤول بالمؤسسة على القناة الثانية.. هي لم تكبر وسط عائلة ستقتني لها سيارة وتوفر لها سائقا لتتنقل بأمان وسط طريق خالية، إلى حيث تتلقى المعرفة، وإلى حيث يكبر حلمها كل يوم في أن تنجح.. هي لا تنتمي إلى مجتمع يتم فيه تجهيز المدارس باللازم، وتوفير كل ما يحتاجه المتعلم للوصول في أمان إلى مدرسته.. هي كانت في الطريق، وطرقاتنا موحشة.. طرقاتنا مليئة بالمصابين بالاضطرابات الشخصية الحادة والمنحرفين.. مجتمعنا هو طرقاته.. وطرقاته يمكن أن يسرقوا فيها في كل وقت وبسهولة.. يتحرشوا دائما وبأريحية.. يغتصبوا كلما أرادوا وبالتوثيق، ثم بعد ذلك أغلبهم يلوذون بالفرار.. أغلبهم لا نتحدث عنهم في المواقع الاجتماعية.. أغلبهم لا يتم تخصيص وقت للحديث عنهم في برامج أو نشرات إخبارية.. مجتمعنا هو طرقاته.. مليئة بالحفر .. من يسقط فيها صعب أن ينتشله الوطن… ، أخصائية ومعالجة نفسانية.
«عداوة عائلية سبب اغتصابي من طرف زوج خالتي»
«مرّت حوالي 13 سنة، ومازالت تفاصيل الجريمة عالقة بذهني، أتذكّرها في كل لحظة وحين، يقشعر لتفاصيلها جسدي، ويطير النوم من عيني ليلا حين تراودني». هكذا افتتحت «سعاد»، وهو إسم مستعار، كلامها، وهي تعود بذاكرتها إلى الوراء، إلى زمن الطفولة، حين رافقت والدتها يوما ومعهما شقيقتها الصغرى، لمنزل خالتها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، هذه الأخيرة التي تعيش رفقة زوجها وولديها اللذين يبلغان من العمر 6 و 10 سنوات. «بعد تناول وجبة العشاء، استمر السمر العائلي حتى ساعة متأخرة، قبل أن تقرر والدتي وزوجها العودة إلى المنزل رفقة شقيقتي الصغرى، في حين تركاني هناك، بعيدا عن أي شك. نمت طويلا مرتاحة البال، إلى أن استفقت على أصابع تتلمّس تفاصيل جسدي، فتحت عيناي مذعورة، فوجدت زوج خالتي وهو ينظر إلي بنظرة أرعبتني، كان قد استغل ذهاب ابنيه إلى المدرسة وخروج خالتي للعمل، فانتهز الفرصة لانقضاض عليّ، ضمّني إليه فصرخت لكنه أسكتني بصفعة، أولى فثانية، أسقطتني أرضا وجعلته ينتزع ثيابي، ويحكم قبضته على جسدي، غير مبال بتوسلاتي، ولم يتركني إلا بعد ان قضى وطره وافتض بكارتي…» انهمرت دموع سعاد، وهي تسترجع شريط هذه الحادثة التي غيّرت حياتها رأسا على عقب، قائلة «لقد عمل على تهديدي حتى أصمت ولا أخبر أحدا، قال لي بأن القانون سيمنحه صلاحية أن يتزوجني، كما أن أسرتي ستفقد تماسكها، وهو ماجعلني أصمت رغما عني واخترت الانطواء، وكنت حين أراه أصاب بالذعر وأحسّ برغبة جارفة في الانتقام منه، ولم تكن والدتي تعلم شيئا وهي تنهرني عن عدم مصافحتي له حين كنا ملتقي في جمع عائلي، فهي لم تكن تعلم بأنه وحش بكل ماتحمل الكلمة من معنى». «مرّت 6 أشهر، ووجدت نفسي نتيجة لسفر والدتي وزوجها لعيادة أحد أقاربنا بمدينة أخرى، وجها لوجه مع الوحش، رفقة شقيقتي التي كانت نائمة، في حين كانت خالتي قد ذهبت لحضور حفل زفاف، فحاول الاعتداء علي مجددا، لكنني قررت مواجهته، فصرخت بأعلى صوتي، قاومته، مما جعل أختي تستيقظ، فدفعناه معا ولذنا بالفرار. بعد ذلك أخبرت والدتي بما وقع، فلم يكن بالإمكان أن أظل صامتة، الخبر جعلها تصدم، فاصطحبتني إلى المستشفى حيث حصلت على شهادة طبية تؤكد الاغتصاب، وبعدها توجّهنا صوب المحكمة لتقديم شكاية أمام النيابة العامة، التي أمرت بفتح تحقيق في الموضوع، فتم إيقاف المغتصب ووضع رهن الحراسة النظرية، وبعدها قرر قاضي التحقيق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار محاكمته من أجل المنسوب إليه، في الوقت الذي أقرّ فيه بفعله الذي لم ينكره، وأسرّ بأن دافعه لذلك، هو الانتقام من أسرتي لعداوة سابقة لا علم لي بها»!