نظمت الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحاجب، يوم السبت المنصرم بقاعة بلدية الحاجب، لقاء تواصليا مفتوحا في موضوع «المغرب ورهانات الإصلاح»، أطره كل من محمد بنعبد القادر وشقران أمام، عضوا المكتب السياسي، وبعد كلمة افتتاحية للكاتب الإقليمي عبد الله الغيوان، الذي شرح خلالها حيثيات وسياق اختيار الكتابة الإقليمية للموضوع وما تتطلبه المرحلة من انخراط الحزب في ورشات الإصلاح وتعبئة المناضلين لرفع التحدي والسير قدما بالحزب حتى يستعيد المكانة التي يستحقها في المشهد السياسي الوطني، تناول الكلمة عضو المكتب السياسي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية محمد بنعبد القادر، الذي اعتبر أن اختيار الموضوع كان دقيقا جدا ويندرج في صلب الراهنية السياسية لبلادنا، باعتبار أن الإصلاح والإصلاحية من صميم الهوية الاتحادية، إذ من الصعب الحديث عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دون الحديث عن هويته السياسية وإيديولوجيته ذات النفس الإصلاحي القوي، وأشار إلى أن الأفكار التي تحكم مشروعه المجتمعي منذ نشأته والتي يعمل على تطويرها باستمرار، هي أفكار إصلاحية تقدمية ذات صبغة اجتماعية ديمقراطية، مؤكدا أن الهوية الإصلاحية للاتحاد الاشتراكي يمكن أن تكون موضوعا لأطروحات جامعية تتناول بالتحليل الفكر الإصلاحي لدى حزب الاتحاد. وتوقف بنعبد القادر في مداخلته عند محطتين تاريخيتين يمكن من خلالها في نظره مقاربة ومساءلة المشروع الإصلاحي الاتحادي في مختلف المناحي الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، هي محطة حكومة عبدالله إبراهيم ومحطة حكومة عبد الرحمان اليوسفي، موضحا أن أي حزب عليه أن يسعى إلى المشاركة في المسؤولية الحكومية حتى يطبق مشروعه وينجز الإصلاحات التي يقترحها على المجتمع، أما لجوؤه إلى المعارضة فلا يكون إلا استثناء بعد تصويت عقابي من طرف المواطنين ربما لسوء تواصله وإقناعه للناخبين أو لنهجه سياسات غير شعبية، فتكون فرصة له لمراجعة نفسه وتجديد عرضه السياسي والعمل على الانخراط في استعادة ثقة الناخبين من أجل الرجوع إلى التدبير الحكومي من جديد. وذكر بنعبد القادر الحاضرين بأن الحركة الاتحادية، ومنذ فجر الاستقلال، كانت حركة إصلاحية تستمد منظورها الفكري من قادتها التاريخيين، خاصة في الجانب المشرق من السلفية الإصلاحية كمكون أساسي في الحركة الوطنية ، مذكرا بإسهامات الشيخ محمد بن العربي العلوي والحاج عمر المتوكل الساحلي وغيرهما، وأضاف المحاضر عاملا آخر يتمثل في انفتاح القادة الاتحاديين على تجارب الأحزاب الدولية حيث استطاعوا وضع اللبنات الأولى لتحديث المجتمع المغربي، ما تجلى بوضوح في التجربة الحكومية التي قادها المرحوم عبد الله إبراهيم والتي تحمل خلالها زعيمنا المرحوم عبد الرحيم بوعبيد مسؤولية نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد والتي فتحت أوراشا مهمة قامت بإصلاحات سياسية اقتصادية واجتماعية بغية بناء المغرب الحديث مع استقلال اقتصاده وعملته من التبعية للاستعمار آنذاك، ثم وقع ما وقع وتم إقصاء الاتحاديين الذين بقوا في المعارضة لحوالي أربعين سنة والتي كانت قاسية عليهم وأدوا ثمنها باهظا. وأشار عضو المكتب السياسي إلى أن الاتحاديين عليهم أن يستحضروا في ذهنهم أن الحزب بقدر ما كان مفيدا لبلده في مواجهة الاستعمار وبناء دولة الاستقلال والحق والقانون من خلال مواقعه في مراكز التسيير، بقدر ما قدم خدمة جليلة للمغرب حتى من موقع المعارضة التي فُرضت عليه والتي مارسها بعقلانية وروح وطنية، وكان له الفضل في تمكين الشعب المغربي من التوفر على صوت المعارضة في زمن الاستبداد وتأصيل التعددية السياسية في زمن الحزب الوحيد، وإن كانت الكلفة غالية أدت ثمنها أجيال من الشهداء والمغتربين والمفقودين، مضيفا أن الاتحاد بعقلانية قيادته تمكن من عبور مسار شاق وطويل خلال الحرب الباردة وسنوات الرصاص محافظا على هويته الإصلاحية التقدمية، وأنه بعد فترة إقصاء الاتحاد من دواليب القرار والتي كانت قاسية، ورغم تواضع النتائج الانتخابية، فقد تمت خلال نهاية التسعينيات دعوة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي لتشكيل الحكومة بضمانات وبأغلبية مريحة، ولما تحمل الاتحاد مسؤوليته في ظروف صعبة وبالغة الحساسية وجد صناديق عدة مؤسسات فارغة بسبب سوء التدبير وانعدام الشفافية مما تطلب من حكومة التناوب ضخ مبالغ مالية ضخمة فيها حتى تستعيد الأدوار المنوطة بها في خدمة المصلحة العامة، وكشف بنعبد القادر أن هذه الحكومة لم تكتف بتدبير الانتقال السياسي السلس فحسب، بل اعتبرتها فرصة لإدخال إصلاحات مهمة في السياسة العامة، وقد توفقت في ذلك بنَفَس إصلاحي قوي وتوسيع لهامش الحريات مما مهد لإنشاء هيئة المصالحة والإنصاف وطي صفحة الماضي. وتوقف المتحدث عند الوضعية الراهنة والدواعي التي جعلت أجهزة الحزب التقريرية تختار، بعد انتخابات 7 أكتوبر، الانخراط في الديناميكية الإصلاحية الموجودة في أعلى هرم الدولة، ودخل الحزب في تحالفات مكنته من رئاسة مجلس النواب وتولي ثلاث حقائب حكومية تقوم بأدوار مهمة وفعالة في تعزيز وتطوير استراتيجية الإصلاح ببلادنا. واختتم بنعبد القادر مداخلته قائلا إن الكاتب الأول إدريس لشكر، خلال المؤتمر الوطني الأخير للحزب، اعتبر أن النموذج التنموي الحالي قد استنفد صلاحيته وأن جلالة الملك محمد السادس قد دعا خلال خطابه الافتتاحي للدورة التشريعية الحالية المجتمع السياسي والمدني إلى فتح حوار وطني حول نموذج تنموي، مشيرا إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصدد التحضير لندوة دولية يوم 19 أبريل الجاري بقصر المؤتمرات بالصخيرات، سيفتتحها الكاتب الأول بمعية رئيس الحكومة الاسباني السابق خوصي لويس ثباتيرو، حول النموذج التنموي للمغرب بثلاثة محاور، سياسية اقتصادية واجتماعية. إثر ذلك تناول الكلمة شقران أمام، عضو المكتب السياسي ورئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، الذي ذكر بالتضحيات الجسام التي قدمها مناضلو الحزب خدمة للوطن بعيدا عن الهاجس الانتخابوي، وأشار إلى كون إقليمالحاجب خير مثال على ذلك، وأن على أي إصلاح أن يحافظ على المكتسبات ويوفر ظروف العيش الكريم للمواطنين، وأضاف أن استقرار المغرب حجة قاطعة وبرهانا قويا على الإصلاحات التي عرفها وأن التحولات الداخلية والخارجية التي عرفها المغرب تستلزم التفكير في نموذج تنموي جديد يسايرها ويجيب عن الأسئلة المطروحة من طرف المغاربة، وعلى رأسها التعليم الذي صُرفت عليه مبالغ ضخمة وما زال ينتظر الإصلاح، وأكد في هذا الصدد أن الحزب كما هو متمسك باللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية فهو كذلك مع الانفتاح على اللغات الأجنبية وخاصة الأنجليزية التي صارت لغة دولية إلى جانب اللغتين الفرنسية والإسبانية، وأردف شقران في مداخلته أنه يتعين التفكير في استراتيجية بعيدة الأمد بعيدا عن الهاجس الانتخابوي بدل انتظار مغرب 2020، وفي ما يرتبط بالجانب السياسي أكد أنه خلال الخمس سنوات الأخيرة تم تبخيس العمل السياسي من خلال مخاطبة الأحاسيس بدل الرد على الأسئلة الحقيقية للمواطنين، أما بالنسبة للفريق البرلماني الذي يرأسه فقد أثنى عليه باعتباره يقوم بالأدوار المنوطة به في جميع اللجان ومن خلال طرح الأسئلة على الحكومة ومعالجة القضايا المطروحة عليه بجدية وتفان، وذلك بفضل ما اكتسبه النواب من قيم وخبرة في المدرسة الاتحادية العريقة ومن خلال احتكاكهم اليومي والدؤوب مع المواطنين، واختتم شقران عرضه مشيرا إلى أن الإصلاحات التي جاءت بها حكومة التناوب أثبتت نجاعتها رغم مقاومتها من جيوب المقاومة، وخاصة لصالح المرأة وما عرفه هذا الموضوع من معارضة قوية من طرف المحافظين مما فوت فرص الإصلاحات الأساسية.