في اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام يوم العاشر من أكتوبر، علينا أن نتوقف أمام واقع خطير ومُر وهو المتمثل في وجود محكومين ومحكومات بعقوبة الإعدام محتجزين بالسجون، وذلك بعد سقوط الحق في تنفيذ العقوبة ضدهم أي بعد مضي مدة التقادم، وهي خمسة عشر سنة عن سجنهم من يوم أصبح الحكم عليهم نهائيا. لقد سقط حق الدولة في التنفيذ وأصبح استمرار اعتقالهم عملا تحكميا غير مشروع، ونتيجة لهذا ليس من حق السلطات الإبقاء عليهم رهن الاعتقال، بل يجب على النيابة العامة وعلى قضاة تنفيذ العقوبة، اليوم قبل الغد، رفع الاعتقال عنهم والإفراج عنهم، ويجب على مندوبية السجون كذلك أن تنتبه لهذا الامر حتى لا يكون بين يديها معتقلون في وضعية اعتقال غير مشروع لا يحق لها حبسهم بمؤسساتها. في اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الاعدام كذلك، على الدولة أن تعرف أن حقها في العقاب وفي تنفيذ العقاب ليس حقا مطلقا وغير مقيد، فهي من جهة تملك حق متابعة شخص عند ارتكاب مخالفة أو جنحة أو جناية لكنها مقيدة بأن تقوم بذلك داخل أجل محدد ولا يمكنها أن تمارس المتابعة القضائية أي تحريك الدعوى العمومية بعد فوات المدة،(مدة خمسة عشر سنة في الجناية)، والنتيجة هي أن يفلت الشخص من المتابعة بشكل مشروع، وهي تملك كذلك حق تنفيذ العقوبة الصادرة ضد المحكوم عليه لكن عليها أن تقوم بتنفيذها داخل أجل محدد كذلك، والنتيجة هي أن المحكوم عليه يصبح حرا ومتحللا من تنفيذ العقوبة بشكل قانوني ومشروع بعد فوات المدة القانونية، وهذا ما يعرف في مصطلح القانون بالتقادم، وهذا ما يفرض طرح سؤال أساسي وهو: هل سيقوم المشرفون على تنفيذ العقوبة برفع حالة الاعتقال التحكمي عن عدد من المحكومين بالإعدام الذين قضوا أكثر من خمسة عشر سنة من الاعتقال؟؟، فليس للسلطة حق الصمت عن هذه الحالة الخارجة عن نطاق القانون ونطاق العدالة. ...في يوم العالمي لإلغاء عقوبة للإعدام علينا أن ننبه المتشبثين بعقوبة الاعدام الى أن الحق المقدس في الحياة حق لكل انسان وملك لكل الإنسانية، من المحرم المطلق الاعتداء عليه أو سلبه بأية ذريعة، وما الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والبروتوكول الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الاعدام سوى المرجعية المشروعة التي تفيد أن الحق في الحياة ليس مجالا خصوصيا تتصرف فيه السلطات والسياسات والمعتقدات والثقافات والديانات كما شاءت ، بل هي قواعد من القانون الدولي التي اجتمعت حولها العديد من الدول ووافقت على الأخذ بها، وقررت بالتالي إسقاط عقوبة الاعدام من دساتيرها ومن قوانينها وتشريعاتها تأسيسا عليها، فليس من حق الدول التي تعتمد بصدق ونية سياسية حقيقية على الشرعية الدولية لحقوق الانسان في قوانينها أن تقرر في نفس الوقت الإبقاء على عقوبة الاعدام مع الحق في الحياة، فهذا الاتجاه وهذه الثقافة هي غموض وضعف وضرب من التلاعب الحقوقي والسياسي. إن الحركة العالمية ضد عقوبة للإعدام التي تحتفي بهذا اليوم ، تواصل حشد المكتسبات واجتياح مواقع في العالم بانضمام عديد من الدول الى صفوف الملغين لها خصوصا منذ القرن الماضي، فلقد اقتنعت عديد منها ووصل نضج أكثر من ثلثي الدول والحكومات الى نتائج سوسيولوجية ثقافية وقانونية تؤكد أن الاعدام عقوبة يغلب عليها الطابع السياسي لأنها تطيح برؤوس السياسيين والمعارضين قبل غيرهم، وأنها عقوبة عاجزة بمفعولها وفعاليتها القليلة عن تطويق الجريمة المنظمة أو جريمة الإرهاب، وعدم قدرتها على وقف انتشارها، وهذا يدل على أن السياسات الجنائية بمختلف مدارسها الحديثة غيرت أسلوب تعاطيها مع العقوبة. والحركة المغربية المناهضة لعقوبة الاعدام، أحزابا سياسية ديمقراطية ومنظمات حقوقية، وقانونيين وبرلمانيين وكفاءات وفعاليات نساء ورجالا، تستلهم من يوم العاشر من أكتوبر منذ أكثر من عقد نفسا أخلاقيا وسياسيا لإطلاق العد العكسي لنهاية عقوبة للإعدام، والضغط من أجل إلغائها تعبيرا عن رأي عام مغربي مناهض لها كما هو الحال في غالبية بقاع العالم لكي تنتهي أحكام الدم التي لا يزال البعض يبرر الإبقاء عليها بمبررات إيديولوجية أو دينية أو سياسية، ومن هنا يتعين الوقوف عند حالة المحكومين والمحكومات بالإعدام الذين لم يبق لاعتقالهم أية مبررات مشروعة بعد انقضاء مدة تقادم التنفيذ. لقد ظهرت بالساحة المغربية منذ سنوات قوة حقوقية وسياسية وقانونية واسعة تمثلها الائتلافات الثلاثة وهي: الإتلاف المغربي للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وشبكة البرلمانيات والبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام، وشبكة المحاميات والمحامين ضد عقوبة الإعدام، وهي الحركة القوية الوحيدة على صعيد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بهذا الحجم التنظيمي والبشري، وبقدرتها على تحديد أهداف وضع برامج عمل لتعميق الوعي بالإلغاء لدى أوسع الشرائح. اليوم وبمناسبة ذكرى العاشر من أكتوبر، يقف المناهضون والمناهضات لمساءلة الحكومة عن أسباب عدم إلغاء عقوبة الإعدام، ومساءلتها عن عدم التجاوب مع نداء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي طالبها رسميا بالإلغاء، ومساءلتها عن عدم تنزيل مقتضيات المادة 20 من الدستور وغيرها من مواده، ومساءلتها عن عدم إلغاء عقوبة الإعدام من قانون العدل العسكري المقترح من قبلها، ومساءلتها عن عدم التصويت إيجابيا عن مقرر الأممالمتحدة الخاص بموضوع إيقاف التنفيذ، ومساءلتها لماذا تحتجز محكومات ومحكومين بأحياء الإعدام بعد سقوط حقها في تنفيذ العقوبة نهائيا ضدهم، ومساءلتها لماذا تخلط خلطا بين الدين والسياسة في قضية إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الوضعي أي من المنظومة الجنائية التي لا علاقة له بمصادر الشريعة وليست هذه الأخيرة مصدرا لها كذلك، ومساءلتها لماذا تتشبث بالإعدام عقابا قاسيا غير انساني وغير ناجع وغير مؤثر في وقف والحد من الجريمة، ولا تتشبث بعقوبات قطع اليد والرجم وغيرهما مما له كذلك علاقة بالعقوبة في الشريعة. حان لنا أن نحتفي باليوم العالمي للحق في الحياة حتى تتفهم الحكومة عمق معاني إلغاء الإعدام، وحتى تتجاوب مع مقترحات الإلغاء المقترحة من شبكة البرلمانين ومن الاتحاد الاشتراكي، وفي انتظار أن تصل إلى ذلك، يظل الملك الضامن دستوريا للحريات والحقوق لجميع المواطنين ورئيس السلطة القضائية، يظل له طبقا لصلاحياته وأمام تردد الحكومة وأمام حساباتها السياسية أو الانتخابية والدعوية، أن يتخذ ما يمكن أن يشكل النهاية الحقيقية لعقوبة الإعدام كحل استراتيجي لحماية الدستور وحماية المؤسسات، ومنها مؤسسة القضاء لتتجنب خرق أعلى قانون وهو الدستور وحماية حرية مواطنين محكومين بالإعدام سقطت العقوبة في حقهم ويجب إعادة الحرية إليهم، ليخلد المناهضون والمناهضات بالمغرب اليوم العالمي للحق في الحياة.